الرؤيا رقم -2-
لم يسبق لأحد أن أيقظني من " غيبوبتي اليَقِظة " ، وفرق بيني وبين زجاجتي الوطنية ، ولكن طارقاً ابني فعلها ، فقد دخل عَلَيَّ وبدهشةٍ مَشُوْبَةٍ ببعض القلق قال :
- هيا لنخرج إلى الشارع ونستطلع الأمر ، لا بد أن أمراً جللاً جعل أبناء الحي كلهم " يجتمعون " ، أجل ، هناك حشد كبير من أبناء الحي يجتمع على الرصيف بينما يقف جارنا بهلول بمفرده على الرصيف المقابل .
- وما الغرابة في الأمر يا بني ؟
- لم يسبق لي أن رأيت أهل حيِّنا " مُجتمعين " .
- أما أنا فكثيراً ما رأيتهم " مجتمعين " ولكني لم أرهم " مُجْمِعِيْنَ " ، انظر من الشرفة يا بني وأخبرني إن كان جارُنا بهلول قد تعرض لمكروه .
- لا ، إنَّهُ يَضحكُ بِصوتٍ عالٍ وبشكلٍ متواصلٍ ، و " المُجْتَمِعُونَ " يتساءلون فيما بينهم عن سرِّ ضحك بهلول ، وقد أعيتهم الأجوبة .
خرجت مع طارق بدافع الفضول ، اقتربنا من الجموع ونحن نسمع ما يدور بينهم
- الأول : رُبَمَا بَلَغَتْهُ إشاعَةُ زِيَادَةِ الرَّوَاتِبِ فِي القِطَاعَينِ العَامِّ والخَاص .
- الثاني : أَيُعْقَلُ هَذا وَهُوَ لا يَمْلِكُ وظيفةً إطلاقَاً رُغْمَ أَنَّهُ يَحُوزُ شَهادَةً جَامِعِيَّة ؟!
- الثَالِثُ : لَوْ كَانَ يَمْلِكُ قَليلاً أَوْ كَثِيراً لَقُلْتُ أَضْحَكَتْهُ إشَاعَةُ تَخْفِيْضِ أسْعَارِ بَعْضِ السِّلَعِ الاسْتِهْلاكِيَّةِ .
- الرَّابِع : أَيَظُنُّ أَحَدُكُمْ أَنَّهُ سمع بإلغاء " قانون الطوارئ " وإلغاء " المحاكم الاستثنائية " ؟
- الخامِسُ : لا أظن هذا يعنيه وفي كوخه آلافُ " المحاكم الاستثنائية " التي يديرها " مجلس الصمت والجوع والبرد " بموجب قانون الطوارئ الذي شرعه أولادُهُ العشرةُ وزوجته " الأمية " إلاَّ من " متطلبات لا تنتهي " .
- السَادِسُ : أَبَلَغَهُ مَا يَتَنَاقَلُهُ النَّاسُ مِنْ أَنَّ وَزِيْرَ العَدْلِ لا يُغادِرُ مَكْتَبَهُ لَيْلَ نَهَار ؟
- السابِعُ : لَيْتَهُ خَرَجَ مِنْ مَكْتَبِهِ لِيَرى بَهْلُولَ وَغَيْرَهِ وغَيْرَهُ وَغَيْرَهُ فَحِيْنَهَا يكَونُ العَدْلُ بِمُتَناوَلِ يَدَيْه لَوْ ابْتَغَاه .
- الثامِنُ : لعله سمع بإنشاء نقابة لأمثاله .
- التَاسِعُ : لا أظن أنَّ هذا يسعده ، فَمثل هذه النقابة تولد عقيمة إن لم تكن ميتة لأنها لا تجد لدى أمثاله طريقاً إلى جيوبها .
- وآخرون وآخرون : لعلَّ ... ربما ... قد يكون ... لا أظن ...
أحد أطفال الحي همس لآخر يقف بجواره :
- أظن أنه استنفذ كل ما لديه من دموع فبدا وكأنه يضحك .
انتبه كبير الحي لوجودي فقال لي :
- أنت محامٍ أيها الجار ، فهل مرَّت بك حالة مماثلة ؟ وهل هو الإجرام أم المرض ألمَّ ببهلول ؟ فلم نعهدْهُ يجيد الضحك .
- وما الغريب في أن يضحك ؟
- كيف وهو الذي لا يضحك " للرغيف الساخن " ؟
- وهل رأى " رغيفاً " من قبل ؟!
سَمِعَ حديثنا أحد الجيران الذي حَصَلَ مُؤَخَّراً على وَظِيْفَةٍ لَدَى مُديْرِيَّةِ التَّمْوِين فأسرع بإحضار " رغيفٍ بارد " فضحك " المجتمعون " ولا زالوا يضحكون ، بينما صمت بهلول وسط دهشته من ضحكات " المجتمعين "
تَوَسَّطَ لَهُ أَحَدُ المُحسِنِين لإدخالهِ مُسْتَشفى الأمراض النَفْسِيَّة فَرَفَضَتْ إدارَةُ المُسْتَشْفَى اسْتِقْبَالِهِ بِذَرِيْعَةِ " أَنَّ عَقْلَهُ يَزِنُ رَغِيْفاً سَاخِناً "
لَمْ يَكْتَرِثْ بَهْلُولُ ، بَلْ ظَلَّ صَامِتاً ، ولا يزال صامتاً .
الاثنين-17-1-2011