أنا مثلكم، إخوتي.
أقعدتني أحداث الأسابيع التي مضت ورمتني فريسة انتظار مقيت.
أمعن الترقب في قضم أعصابي وتركني جثة لا تحسن سوى التماس الأسى من شاشة حاسب أو تلفاز.
ذهبت الأحداث بي وأتت، إلى أن اعتلى شيخ المنبر فجأة، فخطب بالناس وأرغى وأزبد، وهلل الناس له وكبروا.
تقمص روح طارق بن زياد، وأحرق سفناً، إلا أنها ما كانت خاوية فقد كان له أهل فيها.
أفقت لحظتها، ونظرت حولي، وإذ بغول الفتنة مكشراً عن أنياب ظنناها قد ثلمت منذ عهد بعيد.
وإذ ببلدي، التي لطالما ضخت الحراك في عروق من حاول الجميع إقعادهم، كسيحةً.
وإذ بواحدنا، بعد أن كان فاعلاً مرفوع الرأس، صار مفعولاً به، منصوباً عليه.
....
لا يا إخوتي، لا،
لسنا ممن يرضون بأن يجر الآخرون بلدهم إلى حيث لا تريد.
قد قلنا كلمتنا وانتهى الأمر.
قلناها بشكل سوري بحت.
فمقابل الجموع التي خرجت في تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين خرج منا بضعة فقط، قالوا جملتين أو ثلاثاً عبرت عما يجول في خاطر الجميع.
خرج غيرهم، بعدها، وقالوا ما لا نوافق عليه وأفسدوا في الأرض. لكن هذا يمكن نسيانه، فالمهم أن غالبيتنا تنشد إصلاحاً واحداً.
ولئن تفلسف علينا فلان بأنا خائفون، فهذا صحيح، لكنّا على بلدنا لا منه، خائفون.
لم تفلح كل الآمال التي فرشت وتفرش في دربنا في جر ملاييننا إلى الشارع ؛ لا الآمال بانشقاق النظام أو انهياره، ولا بتقسيم الجيش أو اقتتاله، ولا ترقب خروج هذه المدينة أو تلك، ولا قدسية هذه الجمعة أو تلك، ولا الوعد بدعم أممي، سياسياً كان أو عسكرياً، ولا حتى إلغاء دعواتنا لحفلات الزفاف.
لا، يا إخوتي، لا،
لن أسهم في سفك المزيد من الدماء، فما أريق منها قد كفانا أجيالاً.
ولن أصدق أن من في عواصم الغرب حريصون على سؤددنا ومجدنا، فضعفنا ما يفيدهم، لا قوتنا.
واعلموا، إخوتي، أن ما نمر به سيمسي ماضياً، طال الوقت أم قصر، وأن انتهاءه ليس بذي أهمية إذا ما قورن بما سينتهي عليه.
وأننا إن لم نفعل شيئاً غرقنا في دوامة شك وبغضاء واتهامات متضادة كتلك التي خبرناها منذ ثلاثين عاماً.
فالشك والتوتر، إخوتي، لا يقتاتان إلا على صمتنا تجاه بعضنا.
....
سأكتب فيما يأتي بضعة أسطر، أرى فيها ما يجمعنا اليوم، وما يمكن أن نبني عليه غداً.
-
أنا أؤمن أن الإصلاح الهادئ من الداخل هو الأسلوب الوحيد للوصول لإصلاح ذي ديمومة.
-
وأرى أن الحكومة قد فهمت ما أريد، وأنا مستعد أن أعطيها من الوقت ما يلزم للوصول إلى نتائج حقيقية، لا شكلية.
-
وأرى في نزولي للشارع بعد هذا الوقت عوناً لمن أراد بي الشر، لا الخير.
-
وأرى فيمن خرج ينشد الحرية والإصلاح فقتل، شهيداً، ومن قتل لأنه ينتمي لهذه المؤسسة العسكرية أو تلك، أو لهذا المذهب أو ذاك، شهيداً. ولست أرى فيمن حمل السلاح في وجه بلده، أو حرض على جهاد أو فتنة، إلا عدواً.
-
وأرى في التطرف الديني مقتلاً، وفي الاستبداد قهراً، وفي الفساد ذلاً.
-
وأرى في سوريا وطناً؛ يجمعني مع من أختلف معه في القليل، وأشبهه في الكثير. وإن كنت مستعداً لبذل دمي، فإنما في سبيل تقويته وتوسعته، لا إضعافه وشرذمته.
......
سأمد يدي لأخي اليوم، لئلا أخجل من النظر في عينه غداً.
وسأقف في وجه من يحرضني، لئلا يأتي يوم أخجل فيه من النظر في وجه من يقف في المرآة.
وسأبتسم في وجه الجميع، علّهم يشعرون ببعض من تفاؤل ...
... فأشعرَ أنا به أيضاً.
افكارك رائعة استاذ عمار وهي لسان حال الغالبية العظمى ممن امتنعوا عن المشاركة في هذه المظاهرات المشكوك في اهدافها..... نعم استاذي الكريم كما قلت اتهمونا بالجبن و الخوف ومحاباة السلطة لاننا لم نتبع اهواءهم... ونحن نصرخ ملئ حناجرنا " لا و كلا لن ننجر الى التظاهر مهما حاولتم جرنا الى الفتنة و الفوضى" نحن اهالي محافظة الحسكة كلنا فداء للوطن وقائد الوطن وكلنا اكرادا و عربا و مسيحيين مازلنا على عهدنا بالوفاء للاسد ونهج الاسد
من المهم الاستفادة مما حدث،فما أحاط سورية ومن كل الجوانب كشف عن حجم المؤامرة التي تحاك ضدها،و ماتحتاجه سورية الآن وبعد الخروج من هذه الأزمة ونحن أقوى مما كان،هو التحرك بجدية واخلاص والعمل على الإصلاح ،من ذاتنا ومن داخلنا،و أما من حاول أن يركب قطار الاصلاح علىوقع الخارج فهو يغني خارج اطار الوطن،ونحن لن نقبل إلا أن نكون جميعا تحت سقف هذا الوطن والذي هو فقط من يحمي الجميع.
وأرى في التطرف الديني مقتلاً، وفي الاستبداد قهراً، وفي الفساد ذلاً. وأرى في سوريا وطناً؛ يجمعني مع من أختلف معه في القليل، وأشبهه في الكثير. وإن كنت مستعداً لبذل دمي، فإنما في سبيل تقويته وتوسعته، لا إضعافه وشرذمته. ...... سأمد يدي لأخي اليوم، لئلا أخجل من النظر في عينه غداً. وسأقف في وجه من يحرضني، لئلا يأتي يوم أخجل فيه من النظر في وجه من يقف في المرآة.
كلام سليم 100%
مقالة رائعة سيد عمار .. شكراً لك
اعتقد ان اي شخص وطني يغار على وطنه يوافق على هذا الكلام بنسبة مئة بالمئة وأنا أولهم،شكرا أخي عمار على هذا الكلام الرائع،شكرا لاحترامك لعقولنا،كل من مات على حب الوطن سورا سواء من الجيش او من المتظاهرين فهو شهيد بإذن الله،اما كل من مات او لم يموت بعد على تخريب سوريا فاللعنة عليه الى ابد الآبدين،فان كان قد مات فحسابه الآن عسير عن ربه،وان لم يمت بعد فحسابه على يد الشعب والجيش آت لا محالة ومن ثم حساب ربه العسير ما لم يتوب ويرجع عن غيه كائنا من كان