بالتأكيد لم تهبط الثورة المصرية على النظام الكومبرادوري العميل بالمظلات ، كما لم تقم بها كائناتٌ خرافية ٌ وأسطورية ٌقادمة ٌمن الفضاء الخارجي...
الثورة المصرية وبشكل شرعي هي بنتُ التراب المصري وهي إبداع ٌخلاّقٌ لهذا الشعب العظيم ،وهذا البحر المتلاطم من الشباب المصري الثائر هو من أبناء العمال والفلاحين والفئات الوسطى التي تدهورت أوضاعها المعاشية إلى الحضيض بفعل التحولات الليبرالية وسياسة الانفتاح والانبطاح الاقتصادي التي أسس لها العميل المقبور أنور السادات، وطوّرها وحدّثها وريثه المُطاح به حسني مبارك كلب الحراسة الوفي لأمن إسرائيل
هذه الثورة التي حاول و يحاول الإعلام الرأسمالي جاهدا ًتصويرها وتعويمها على أنها ثورة شباب ..!! للإيحاء بأن المسألة هي مسألة صراع أجيال وليست مسألة صراع طبقي ووطني عميقين ..! لا ليست ثورة شباب ..إنها ثورة شعب بأكمله يثأر لكرامته الطبقية والوطنية المهدورة والتي أُهينت منذ كامب ديفيد و وما رافقها من سياسة اقتصادية كان من أهم منجزاتها بيع القطاع العام ، أي تشريع النهب المنظم من قبل القطط السمان..
إنها ثورة شعب شكلت فيها فئة الشباب الدينامو المحرك لها وقلبها النابض كما في كل ثورة عظيمة وأصيلة و لم تكن هذه الثورة مفاجئة إلا للذين تبنوا وجهة النظر (قصيرة النظر ) التي تقول : ( أن الشعوب العربية جبانة ونائمة وخاملة) ، لقد روج لهذه النظرية البائسة والغبية عندنا في سورية - وربما في غير سورية - أعضاء قياديون في حزب ما زال يدّعي تبنيه للفكر الماركسي كما تبناها المرتدون عن الماركسية الذين التحقوا بصفوف الاشتراكيين الديمقراطيين، والذين رشتهم أو اشترتهم أو استخدمتهم الإمبريالية(و أحيانا ً استخدمت بعضهم بشكل مجاني ) ، هؤلاء البائسون اليائسون رأوا أن التغيير من الداخل بات أمرا ً مستحيلا ً ولذلك طرحوا في المرحلة الماضية نظرية (التغيير من الخارج ) والتي تُرجمت عمليا ً بصورة الالتحاق بالمشروع الأمريكي والتحالف معه في احتلال العراق، والتي انتهت بأغلبهم بالسقوط في مستنقع الخيانة الوطنية الموصوفة.. هؤلاء أشهروا في المرحلة الماضية تهمة اللغة الخشبية في وجه كل من لم يفقد روحه النضالية المقاومة ولم يعمل على إشاعة اليأس والإحباط والتخاذل، و رأوا أن تطوير الفكر الماركسي يتلخص في التصفيق للاحتلال الأمريكي والتصفيق للسياسات الليبرالية في الاقتصاد وتمجيد الرأسمالية العظيمة في وقت لم يوفروا فيه هجوما ً على المقولات الرئيسية في الماركسية و على الرموز الشيوعية و الوطنية ومحاولة تحطيمها وتشويهها، في وقت رفعوا فيه قبعاتهم شكرا ًللسافل بوش وللصبي الغبي سعد الحريري بل أن بعضهم طأطأ رأسه الفارغ احتراما ً لمجرم اسمه سمير جعجع..!!
ولكن لابد من أن نُذكّر هؤلاء ونسألهم : ما ذا فعل التغيير من الخارج بالعراق مقارنة مع التغيير الذي يحصل في مصر الآن من الداخل، تعالوا لنقارن على سبيل المثال لا الحصر ما جرى للمتحف في العراق وما جرى للمتحف في مصر ؟؟؟، ولنقارن عدد ضحايا الشعب العراقي حتى سقوط الديكتاتور صدام حسين ( مئات الألوف ) بشهداء الثورة المصرية حتى اختفاء كلب الحراسة الصهيوني مبارك( بضع مئات )، ولنلاحظ كيف أشعل التغيير من الخارج نيران العشائرية والتعصب الديني والطائفي والقومي وأثار كل ما هو عفن ومريض ورجعي؟؟؟ وكيف أطفأت الثورة المصرية نيران الفتنة الدينية التي كان يؤججها النظام الكومبرادوري المتصهين بين أبناء الشعب المصري ليسهل له التحكم برقاب المصريين وتسهيل التوريث لجمال مبارك لاستمرار الحراسة للكيان الصهيوني وخنق قطاع غزة والثورة الفلسطينية!
ولا بد للمرء أن يرى حالة الذل و الإهانة والقتل اليومي للعراقيين والتي لم ولن ينقذهم منها إلا المقاومة البطلة ,ويميز ويلحظ حالة الكرامة والفخر والتحضر التي منحتها الثورة للمصريين ،نعم المهزومون والاشتراكيون الديمقراطيون والعملاء والإمبرياليون ذهلوا وصدموا، لكن أصحاب اللغة الخشبية باعتقادي لم يفاجؤوا بالمعنى التاريخي ، لا بالثورة التونسية ولا بالثورة المصرية ولا بالثورات القادمة في العالم العربي وغير العربي لأن قراءتهم الماركسية العلمية، والتي رفضت بالأساس منطق نهاية التاريخ الذي طرحه الفكر الإمبريالي لسبب بسيط يتلخص بقناعتهم الراسخة والقائلة أن حركة التاريخ هي جدل مفتوح لا نهاية لها، وأن الحل الإمبريالي هو حل تدميري للبيئة وللبشرية ومن لا يعجبه كلامنا فليراجع ما قاله القائد خالد بكداش في لحظة انهيار التجربة السوفياتية، وليراجع أدبيات ومواقف الحزب الشيوعي السوري وما نشره كتاب نضال الشعب ومن ثم كتاب صوت الشعب ..إذا كان الغرض البحث عن الحقيقة ..!
واسمحوا لي أن أستشهد أيضا ً بلغة خشبية - مستوردة هذه المرة من مصر - نشرتها مجلة الطليعة في عددها المزدوج (1-2 ) لعام (2010)وهي صادرة عن اللجنة المصرية لمناهضة الاستعمار والصهيونية تحت عنوان تلازم النضال الديمقراطي مع النضال الاجتماعي ..وجهة نظر من مصر وصادرة بتاريخ (8) مارس / 2010 / تشير الوثيقة وبالحرف : ( وتلاحظ اللجنة اتساع هذه الحركة ( أي حركة المعارضة لنظام حسني مبارك – ن ) نسبيا ًفي الشهور القليلة الأخيرة بانضمام عناصر جديدة ومجموعات من المثقفين والشباب نازعة للانخراط في ساحة النضال السياسي مما قد يمثل خطوة هامة- إذا استوفي بعض الشروط الغائبة- على طريق التسييس الواسع لجماهير الشعب، والذي هو الشرط الرئيسي لتغيير وطني ديمقراطي حقيقي يرعى في المقام الأول مصالح وحقوق الأغلبية وهي الطبقات الكادحة المظلومة.
فاللجنة تلاحظ أيضا ًأن هذا النزوع بقوم على اقتناع متزايد لكنه غير مشروط بأي شرط آخر عند أغلبية المشاركين ، وقادتهم بالذات ، بأن مجرد الخلاص من نظام الحكم الاستبدادي الفردي القائم وإقامة نظام يتيح تداول الحكم بين متنافسين هو مخرج بلادنا من أوضاع التخلف السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعلمي وحل المشكلات التي يعاني منها الشعب في كافة ميادين حياته اليومية ، بل يردد أغلبهم –بكل بساطة – أن نظام الحكم المنشود في حد ذاته ودون ارتباط واضح مسبق معلن أمام جماهير الشعب بسياسات بديلة جذريا ً لسياسات النظام القائم الداخلية والعربية والدولية، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية السياسية والعسكرية ، هو العتبة المباشرة والفورية لعصر من الرخاء والتقدم لبلادنا وشعبنا ) وتضيف الوثيقة : (ومن الواضح ارتباط تصاعد واتساع الحركة باقتراب موعد انتخاب رئيس الجمهورية في / 2011 / وانتخابات مجلس الشعب في اكتوبر /2010/وتخطي الرئيس الحالي عمر الثمانين )
وتضع اللجنة رؤيتها وتحليلها لما يمكن أن يجري وما هي المواقف والاتجاهات في المعارضة و أعتقد أن هذه الرؤيا وهذا التحليل ما يزالان في كثير من جوانبهما صحيحين ، ومن المفيد العودة إلى هذه الوثيقة.
لكن ما يثير الضحك والسخرية ما يدعيه جماعة العملاء في لبنان ( جماعة المستقبل والقوات اللبنانية والكتائب وجماعة الياس عطا الله ) إذ يعتبرون أن الثورة المصرية هي من إبداعاتهم ، وأن الثورة المصرية تعلمت من حركتهم المقدامة ناسين أن شعارات الثورة في مصر كان يكتبها الثوار على الكرتون وعلى القماش بأنفسهم وبوسائل بسيطة ورخيصة بينما شعاراتهم كانت تأتي جاهزة وبأحدث التقنيات والموديلات ،إن ما صرف على شعارات الرابع عشر من آذار كما أتصور لا يقل عما صرف على قمع الثورة المصرية وربما يزيد ، ولأنهم لا يستحون ويعتقدون أن الناس عديمة الذاكرة فجأة ينسون أن مبارك كان البارحة صديقهم وحليفهم الاستراتيجي ، متناسيين أن حركتهم أثارت السعادة في أمريكا وإسرائيل على عكس الثورة المصرية التي أثارت الذعر في أمريكا وإسرائيل ، إن الحريري وشركاه في لبنان و وشركاه في أمريكا وإسرائيل لا يكتفون بسرقة المال العام وسرقة الأوطان وسرقة جهد ودم الكادحين بل يريدون أيضا ً سرقة ثوراتهم.