إني أهدي هذا العمل البسيط :
-إلى الله الذي منّ عليّ بحبّ والدي
-إلى رسولي اليتيم -صلّى الله عليه وسلم- الذي أتشرّف بأتباعه
-إلى كل بعيدٍ عن أولاده لطلاقٍ ,أو لسفر ,أو غير ذلك ليرجع إليهم
-إلى كل يتيم و يتيمة
-إلى كل والد قد سيطرت الدنيا عليه بماديّتها,فشغلته عن الالتفات لحاجات أولاده
-إلى كل عاقّ, و عاقّة لآبائهما ونسوا بأن الوالد هو( وسَطٌ) أبواب الجنة
أي (خيرها) كما جاء في الحديث الشريف فإن شئتَ , فأضع ذلك الباب أو اِحفظه
-إلى كلّ والدٍ يهمل صحّته
-إلى كل ابٍ اِنزعج لمجيء اِبنته إلى الدنيا
و تناسى أنها ستأخذه للجنة إن أحسن تربيتها و تهذيبها
-إلى كل غربي ترك والديه
-الى كل من بقلبه ذرّة من وفاء لوالديه
إلى والدي المغيّب في السّماء(عطر اللقاء)
يَنبِض القلبُ في أنين, تضيع العبارات, وتتشَتَّتْ الكلمات,
فلا القلم يستطيع أن يسطّر, ولا الأوراق تستطيع أن تتحمّل أنين القلم عليها
وجودي...,فخري...,سندي ولحن دمي .....
اأبتي...
اذكركَ في كل مكان , في كل زمان , في كل الثواني,
و مع كل خاطرة.
ذكرتكَ في سنيِّ عمري كلها
لم أُعلَّم كلمة بابا إلى أن قرأتها في المدرسة
وأنا في السادسة
مرسوم قربها صورة بابا يجلب الحليب
سمعتُ صوتكَ لمراتٍ قليلة
إحداها كانت
عندما كبَّرتَ في أذنيَّ الصّغيرتين
حين كان عمري ساعة
ولو كنتَ تعلم أنكَ ستغيب عني
بعد أربعين يوم من عمري
لقلتَ أيضاً
صغيرتي
لن يطول الغياب
فإن موعدنا الجنة
إن صبرتِ و احتَسَبْتِ
*****
عرفتكَ و بكيتكَ
عندما نظرتَ اليَّ من صوركَ القليلة
فأنا أعرفكَ من الصور
- صوركَ لا تفارق محفظتي -
إحداها وأنت في صف التاسع...
والثانية وأنتَ في الثانوية ...
والأخرى و أنتَ في الصيدلية....
كنتَ على باب العمل
يتلألأ على جبينكَ قطراتٍ أطهر من الندى
شامخاً كشموخ الصقور
نعم كنتَ تغطي الشمس بفيء جبينك
(في الجنة لن أدعكَ تتركني)
****
أتَعلَم أبي قد رأيتكَ ثانيةً في غير الصور .....
رأيتكَ في المنام تضمّني
قلتُ بابا ...قلتَ ابنتي
لا تخافي
قلتُ أفتقدكَ, و وقفتك معي في مواقف الحياة المتلونة ...المختلفة...
قلتَ لكِ الله القوي الجبار خالق الأكوان و الطيور و الجبال
لا تتركي اللجوء إليه في لحظات الخوف والاضطراب
أبداً لوذي به......
قلتُ حبيبي
قلتَ صغيرتي
قلتُ أرجوكَ لا تذهب طمئنِّي عنكَ أكثر كيف حالكَ ؟
قلتَ أنا مع الصالحين و الأبرار
في حياةٍ سالمة, هانئة, مطمئنة, ليست كحياة الدنيا يا صغيرتي
قد وصلني بالأمس جدكِ لأمكِ الذي ربَّاكِ بعد رحيلي عنكِ
فأحسن تربيتكِ وتهذيبكِ يا له من إنسانٍ صالحٍ يا حلوتي
واصلي استغفاركِ له كما تستغفرين لي
و رأيتُ في عينيكَ المدورتين بحراً عميقاً من الحنان
ومسَحَتْ يداي الصغيرتان
دموعاَ من عينيَّ و عينيكَ
انهالت على وجنتيك
قلتُ خائفةُ أنا... قلتَ أنتِ مازلتِ معي بين يدي
و ضمَمْتَني أُخرى وربَّتَّ على كتفي
لتقوِّيني
(في الجنة لن أدعكَ تتركني)
****
كتبكَ الكثيرة القيّمة التي تركتَها
أنا في كل مساء أضمُّ بعضها أشم رائحتها وتضمني
و بعدها
ومن الدنيا وبكل ألوانها وبكل ما حوت من ناسٍ وكائنات و صور
آخذ فقط صورتك أنتَ و حدك
آخذها
أغفو عليها و تنهال دموعي على وجنتيك
(في الجنة لن أدعكَ تتركني)
أهذي بكَ .....
أراكَ في البحر
أراكَ في عبير العطر الذي اِشتريتَه أنتَ من القاهرة
أراكَ في الغفو
في الصحو عند تنفس الفجر
عندما انظر إلى القمر أذكر وجهكَ المدور
وتشتاق الصحراء للمطر اشتياقي لكَ
(في الجنة لن أدعكَ تتركني)
****
أراكَ في مراحل عمري كلها ....
- لكن فقط في أحلامي -
رأيتكَ تهدهدني وأنا في لفلافتي ...
رأيتكَ تعلمني المشي على قدميَّ في سنَتِي الأولى ...
وبلبل صغير و كتكوت حلمت بك قد اشتريتهما لي
كما كان جدي الذي تركتني بين يديه الحانيتين يفعل
رأيتكَ تُقِلُّني بيديكَ الكبيرتين الدافئتين إلى باص روضتي
حتى أني أراكَ أحياناً تزجرني بصوتكَ الرخيم
لكن برفق
حين أجنُّ و أعلن عصياني
رأيتكَ تأخذني في الليل إلى الطبيب عندما اِرتفعت حرارتي
-لكن فقط في أحلامي-
و مرة تدافع عني في المدرسة أمام معلمتي المختبئة التي ظلمَتْني
لكني بعد ذلك نَمَت عندي القوة والجرأة
و لم أسمح بعد ذلك الحين بأن يسيء أحد إلي
أيما كان
لكنّي مع ذلك أبقيتُ على
أنوثتي...
وعندما صرتُ في الجامعة أصبحتُ أراكَ تفخر بي
بأدبي
بشموخي
بلغاتي التي أتقنها
وحجابٍ قد وضعتُهُ حباً لربي
(في الجنة لن أدعكَ تتركني)
***
تمرُّ الساعات و السنين والثواني و أنا وحدي بدونك
أفتقدكَ في كلّ سنة أطفئ فيها شموع ميلادي
هل ستكون معنا روحكَ الطاهرة في كَتْب كتابي؟!!
و لعينيكَ والدي ستكون عيناه كجمال عينيكَ
و سأقنعه بأن يكون اسم اِبني على اِسمك
سأعلمه حبّكَ مني..
(في الجنة لن أدعكَ تتركني)
***
أراكَ تدخل إلى غرفتي و أنا على طاولتي
وتقول لي ادرسي بنتاه لا تدعي الزمن يضحك عليكِ
أراكَ تشاركني أنفاس حياتي ..
-لكن فقط في أحلامي-
أسْكنتكَ في قلبي ... فكنتَ له النّبض
وعشتَ في روحي ...فكنتَ لها الفرح و لحن السلام
عيونكَ ملاذي في لحظات وحشتي وخوفي
أرى فيكَ الهدوء و سكينة العلماء و الشيوخ
يا من أرى كل يومٍ على جبينه إشراقة العزّ
ومن عينيه أستمدُّ الأمل و التحدي
ومن وقفته العنفوان
و يبتسم الحبُّ والعطاء على وجهكَ كل يوم
-أدركُ ذلك من الصور-
(في الجنة لن أدعكَ تتركني)
***
أراني أخبز لكَ عند المساء
صحوناً من البيتزا
فإنّي أعرف أن كثيراً من الآباء يحبونها
و أراني أقدّمها لكَ وأنتَ تشاهد المباراة أو الأخبار
أو, و أنتَ معنا محلّقاً على المائدة
تشرب معنا الشاي
أراني ألفُّ لكَ عند الصباح قبل العمل عروسة الجبن أو الزعتر
ومعها التّفاح أو الخيار في كيسٍ
و يكتب قلمي الصغير على ورقةٍ في قلب اللّفافة
( أبتاه قد طال السفر) ..
أراني أوصلكَ عند كبركَ بسيارتي الجميلة
فقد تعلمتُ القيادة بجدارة, ونجحتُ في الفحص منذ المرة الأولى
أراني امدُّ لكَ سجادة صلاتك
أراني أسوي لكَ ربطة عنقك
و أختار لكَ ثيابك
بعد أن أطلي حذاءك الأسود الجميل
(في الجنة لن أدعكَ تتركني)
***
لو تدري بذات يومٍ حينما كنت في الخامسة من عمري وجدتُ نفسي
بين أصدقائي و قد جلس كل واحدٍ منهم في حضن أبيه
ليُصوَّر لهم فيلم يؤخذ إلى خالي الذي يعيش في الخارج
و بحثتُ عن طيفكَ يناديني إليكَ فلم أجده
ضائعة من دونكَ أنا
أريد أن أجلس معكَ أبثّكَ همومي و تستمع لمشاكلي
لكني مع ذلك أرتشف من صفحات حياتك تذليل الصعاب وتحدِّيه
ا
ملأتَ بعطركَ أنفاس حياتي....
شعاع عينيكَ مصدر قوتي و ضعفي معاً
(طيفكَ يأبى’ أن يفارق مناماتي في الليالي الباردة )....
قلتُ أتلهَّف لأن يحين الوقت الذي أسمَعُكَ فيه تناديني ...
بِاسمي
قد اِستطعتَ أن تسمِّينيه قبل الرحيل
وتقول لي هاأنذا عدتُ إليكِ فاِجلسي صغيرتي على حضني
كما
الأطفال كانوا يفعلون في الفيلم
-عندها سأقبّل جبينك العالي عندها-
ستغار مني النجوم إذاك
همستَ:
حينها...
سيكون صوتي ينبوعُ دافقٌ يسقي دوحة أحلامكِ
قلتُ وأنا إذاك سأُسمِعكَ كلّ قصائدي
قلتَ: في الجنة عند اللقاء
ستجدين فيَّ حنانًا....تحتارين فيه
وحبًا.... تدهشين منه
-ستعلو ضحكاتنا-
سأراكِ صغيرتي إذاك
كل يومٍ...
مع نسمات الصباح...
عندما أشرب قهوتي
قلتُ سأراكَ هناك تجلس على الأرائك مع الأندلسيين
فقد كنتَ تحبهم و تدرس عنهم في الأزهر مثلي أنا هنا
(في الجنة لن أدعكَ تتركني)
ضائعةُ من دونكَ أنا
وأدعو لكَ و أستغفر ... أنتَ وصية الرحمن
وتَحتدم ضرباتُ قلبي وترتجف ضلوعي تريدكَ عند قبرك
لي منكَ أمي قد اِخترتها لي وبالتالي جَدّي و جَدّتي وخالي
فكانوا لي مصدر حناني وعمود نجاحي و سُموّي
أحاكيكَ عند قبركَ وأقول لكَ
لو كان في اليد حيلة ....لكنتُ قلبتُ القدر
ولصرتُ أنا القتيلة..... وبَقيْتَ أنت القمر
-شكراً ...قد كنتَ سبباً لوجودي-
(في الجنة لن أدعكَ تتركني)
***
أبتاه...ستهرب الكلمات و حروف الأبجدية كلها مني
لا ادري ما سأقول لك عند لقياكَ بإذن الله في الجنة
يالجنوني بك حينذاك ...
إذ ذاك لن أتركك لحظة واحدة تغيب عني ...
سنأكل معاً..... سنلعب معاً ..... سنحكي معاً عن الدنيا
و ما فعلتَ و فعلتُ في الدنيا ...
وكم كان سروركَ بي عندما رأيتُ الدنيا ....
أو هل كنتَ بي مسرورا؟ !!....
في الجنة....
سأغفو على صدركَ في الجنة .....
بالساعات....
بدلاً من صوركَ في الدنيا
ستغنّي لي مثلما كان جدي يفعل
ستحكي لي قصص ما قبل النّوم
سأرجع طفلة مرة ثانية كي أغفو بين يديك وتَهدي لي
(في الجنة لن أدعكَ تتركني)
سلامٌ مني إليكَ ...وإلى جدي الحبيب أجمل تحية
من الآن لحينها
وحينها على الدنيا المُتعِبة السلام .....
في الجنة
سأسمِعُكَ قصائدي كلها.... وسيكون هناك للحديث وللقصائد بقيَّة
أو ستقرأها معي فإني أريد أن أرى دموعك تسيل كما سالت دموعي
وتقولَ لي....ساديَّة ....ساديَّة ....ساديَّة
وردة من غرناطة 1-1-2011
من وحي قلمي المتواضع
1-1-2011
ملاحظة: (ساديَّة) تعني من تتلذَّذ برؤية الناس يتعذّبون أمامها.
يللا وهلّأ صار دوركم شاركوني بتعليقاتكم و آرائكم
فبدونها لا يكتمل جمال العمل
وأنا أرحّب بأن يُكمل كلّ واحد منكم ما قد كتبتُ
على ذوقكم
ودمتم بود
كلماتك دخلت قلوبنا وأدمعت عيوننا هنيئاً لأب في الجنة ببنت مثلك
لكم شغفت بكلماتك واحسست بدفئها, عميقة هي مشاعرك قوية تحاكي الروح... هنيئا لأبيك بك... هو سعيد وفخور بك.. واصلي محبته بكتاباتك الجميلة وياليت اسمك الجميل يصبح اجمل لو قلته... شكرا لك ثانية وهنيئا لجدك بك...
كلام أكثر من رائع.... أنا كمان توفى أبي كان عمري 5 سنين...الفراغ اللي بيتركو شخص غالي و خصوصا الأب بيكون كبير كتير... بيأثر علينا بكل مراحل حياتنا و حتى بتربيتنا و نفسيتنا وبتعاملنا مع العالم وحتى بتعامل الناس معنا... بس منقول ألف الحمدلله و لازم نكون متل ما أبي و أبوكي بدون يانا نكون... لحتى بس نشوفون بأذن الله يفرحو فينا ولحتى نريحون محل ما هني موجودين... الله لا يحرم حدا أهلو ويرحم أبي و أبوكي ويخلي أمي و أمك ويحميون يا رب....
والدك رحل بعد اربعين يوما من عمرك وامي رحلت بعد اربعين سنة من عمري(شهرين مضوا) ابكيها كل يوم ولو للحظات لم تتركنا قط في حياتها ورحليها المفاجئ يشعرني بشعور طفلة هجرتها امها رغم قناعتي بان هذا قدرها ولو خيرت لما تركتنا فهي امنا لا يفارقني صوتها ولا صورتها الحياة لا معنى لها بدونها فهي الوطن وبعد الوطن يرخص كل شئ رحم الله والدك ووالدتي
والله دموعي ما هديت من كلامك أنا توفى أبي من سنة والله العظيم كأنك عم تحكي عن أبي !!!!!!!!!!! من كل قلبي شكرا (ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب) شكرا جزيلا"
الله يرحم أبوكي ويخليلك أمك أنا خسرت أمي وأنا بالغربة وناطر مناقشة راسلة الماجستير لحتى خليها تحضر وترفع راسها فيي وهلق الحلم صار فارغ وبلا أي معنى خسرت أمي وأبي غايب عني ومتناسي ألمي كل الناس بتقول لازم تابع حياتي وأنا حياتي وقفت من بعد رحيل ست الحبايب أنا مقدر ألمك ووجعك لانه مافي حدا بيفهم بهالجرح الا يلي عاشه رح نتم نتذكرهم لآخر لحظة بحياتنا
الله المعطي و الآخذ لا إله إلا هو الحي القيوم يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير .. اصبري وصابري فإن كان أباك ليس معك فالله معك .. ادعي الله أن يعوض صبرك بأولادك في المستقبل .