اختلط الأمر على كثير من الناس و أصابتهم حمّى مكافحة الفساد فنلاحظ أن معالجة الفساد أخذت شكلا غوغائيا هستيريا بحتا بدلا من أن نعالج الفساد بشكل علمي و ضمن خطة دقيقة و مهنية أخذت مكافحة الفساد شكلا انتقاميا شموليا و اختلط الحابل بالنابل و ذهب الصالح بالطالح
مثال ذالك قام أحد المزارعين بالتعدي على أملاك الدولة ( حراج ) و هذه الأملاك تم استملاكها أصولا من قبل الدولة كأرض حراجية في وقت سابق يعود لأكثر من عشرين عاماُ ولم يعترض أحد على ذالك .عندما أتى موظفو الزراعة لمعاينة حالة التعدي اتهمم المزارع بالفساد لمجرد أنه شعر بأن مصالحه قد يتم خدشها, هذا مثال عن الفوضى التي تحصل يوميا بعد أن انتشرت حمى مكافحة الفساد بين بعض المواطنين . كذالك كثرت حالات التعدي و إهانة الموظفين الحكوميين من قبل بعض المراجعين بسبب عدم إلمام المراجع بالقانون و أصبح يريد أن تمشي معاملته ( عالعميانة )
قبل أن نحارب الفساد ألا يجب أن ندرس هذه الظاهرة ؟ ألا يجب أن نعرّف الفساد ؟ ألا يجب أن ندرس الأسباب ؟ ألا يجب أن نمّيز الشخص الفاسد من غير الفاسد ..ليس فقط لأنك موظف حكومي هذا يعني أنك فاسد
لظاهرة الفساد عدة جوانب أهمها الجانب التشريعي و الجانب الإداري.
لا يوجد في القانون السوري تعريف واضح للفساد و القوانين التي تعالج بعض جوانب الفساد مبعثرة في بضع مواد من قوانين مختلفة و بالتالي نحمّل السلطة التشريعية في البلاد المسؤولية الأساسية في هذه الفوضى
والوضع الذي لا ينم عن نضج تشريعي أو إداري أن الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش هي المناط بها معالجة قضايا الفساد هي هيئة تابعة للسلطة التنفيذية فالهيئة المركزية للرقابة والتفتيش وفق المادة/2/ من قانونها رقم 24 لعام 1981 هي هيئة رقابية مستقلة ترتبط برئيس مجلس الوزراء ... ألا تلاحظون معي أن هناك خلل في التركيبة القانونية و الإدارية للقطاع الحكومي؟؟ فيكف يناط بالسلطة التنفيذية مراقبة نفسها هل نحن في جمهورية مثالية متطورة عن جمهورية أفلاطون؟ إذا قارنا الموضوع بمعايير الإدارة العالمية لنجد اسما آخر للهيئة المذكورة مستوحى من مهامها نلاحظ أن تلك الهيئة لا تعدو كونها جهاز رقابي داخلي في جسم السلطة التنفيذية و بالتالي فمهما كبرت أو صغرت لن تستطيع أن تكافح ما يسمى (الفساد) لا تستطيع أن تكون مدعيا و محامي دفاع و قاضي في الوقت ذاته مع عدم الإنكار أن مثل هذا الجهاز موجود في جميع بلدان العالم و مهامه محصورة بالرقابة الداخلية.
لكي لا نكون سلبيين علينا أن لا نصف المشكلة فقط من دون اقتراح حلول و الحل بسيط كما يقول أنشتاين عن الحقيقة حيث يقول ببساطة (الحقيقة بسيطة )
علينا أولا أن نكف عن إغداق تهم الفساد يمينا و شمالا فلا نستطيع أن نصف أحد بهذه الصفة حتى يصدر النص القانوني الذي ينظم هذا الموضوع بشكل احترافي و مستوحى من تجارب الدول الناجحة أي مبدئيا هناك فساد و لكن لا نستطيع أن نصف أحد بأنه فاسد .
ثانيا الإسراع بإصدار أو سن قانون مكافحة الفساد و إحداث هيئة تشريعية غير تابعة للسلطة التنفيذية ممكن أن تكون تابعة للمحكمة الإدارية العليا .من مهامها لعب دور المدعي العام في القضايا المتعلقة بالفساد و كذالك دراسة القضايا التي يقدمها المواطنون و الموظفون من حيث قانونيتها و البت في الخلافات.
و يجب أن لا ننسى أن اعتماد آلية إدارية متطورة تحد كثيرا من الإشكالات و العراقيل التي يسميها أحيانا المواطنون (فساد) مع العلم أن هذا الإشكالات و العراقيل و التعطيل يمكن أن يكون بيئة خصبة للفساد
من الضروري و الملح سرعة إصدار هذا القانون حتى لا تتحول قضية مكافحة ( الفساد ) إلى شمّاعة و ووسيلة لتصفية الحسابات القديمة بين الموظفين أنفسهم على مختلف مستوياتهم الإدارية و بين الموظفين و المواطنين و تعم فلسفة الثأر و الانتقام .
علينا كمواطنين أن نثمّن الخطوات الهائلة التي تم اتخاذها من قبل سيادة الرئيس الدكتور بشار الأسد في هذا المجال مما يوجب علينا أن نكون متعاونين مع هذه الخطوات و ذالك يكون بتعاون المواطن مع الدولة بشكل إيجابي و فعال بعيدا عن روح التململ و التذمر.