التقيا في منتصف الطريق , لم تكن المفاجأة سارةً لكل منهما بهذا اللقاء , فقد ارتضى كل منهما في هذه الحياة طريقاً بعيداً جداً عن الآخر, ارتسمت على وجه الذميم ابتسامة ساخرة مليئة بالشماتة , وارتسمت على وجه الحميد علامات استهجان بلقاء لم يكن يتمناه يوماً .
كان الذميم البادئ بالكلام : كنت أظن أن الجبال يمكن لها أن تلتقي , أما أنا وأنت فقد كنت أشك شكاً يصل إلى درجة الاستحالة في حصول لقاء بيننا , وأنا من أشد المستغربين لهذا اللقاء , فهل أنت انحدرت , أم أنا ارتقيت , ما هو الجواب في ظنك ؟ .
قال الحميد : لعلها صدفة , ولكنها صدفة نحس بالنسبة لي .
قال الذميم : لم لا تقول أن هذه الصدفة خير لي ولك من ألف ميعاد ٍ قد لا يتم بيننا .
قال الحميد : وما الذي يشجعني على اللقاء بك وأنا أسمع عنك أخباراً محزنة ومؤسفة يندى لها الجبين , وأطأطئ رأسي خجلاً أمام الله عز وجل من سوء فعلك , و أدعو الله ألا ينزل فينا عقابه بسببك .
فقد سمعت بأنك تؤذي جارك فلان أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن. قيل: مَنْ يا رسول الله ؟ قال: مَن لا يأمن جاره بوائقه ) .
وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو إليه أذى جاره فقال : ( اطرح متاعك في الطريق) , ففعل , وجعل الناس يمرون به ويسألونه , فإذا علموا بأذى جاره له لعنوا ذلك الجار , فجاء هذا الجار السيئ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو أن الناس يلعنونه , فقال صلى الله عليه وسلم : ( فقد لعنك الله قبل أن يلعنك الناس ) .
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره ما يحب لنفسه ) .
وقال الشاعر :
ما ضـرّ جــاري إذ أجاوره ألا يـكون لبـيـته ستر
أعمى إذا ما جارتي خرجت حتى يواري جارتي الخِدْرُ
وتأكل أموال الناس بالباطل , أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( من لم يبال من أين اكتسب المال لم يبال الله من أي باب أدخله النار) .
ولا تصل رحمك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( قال الله تبارك وتعالى: أنا الله وأنا الرحمن، خلقت الرَّحِم، وشققت لها من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته ) .
والناس تخشى أذى لسانك فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : (يا رسول الله! قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك قال : قل : آمنت بالله ثم استقم ، قال: فما أتقي ؟ فأومأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى لسانه ) .
وقوله صلى الله عليه وسلّم : (من كان يؤمن بالله واليوم والآخر فليقل خيراً أو ليصمت ) .
وتتبع عورات المسلمين , يقول عليه الصلاة والسلام: ( يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان إلى قلبه ! لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنه من يتتبع عورات المسلمين يتتبع الله عورته حتى يفضحه في بيته ) .
وتستغيب الناس , وتسخر من خلق الله , وتسرق ما يقع ما تحت يديك .
ظهرت علامات التعجب على وجه الذميم ممزوجة بالأسى ثم قال : أو سمعت كل ذلك عني ولم تسمع بأني قد مرضت ولم يعدني أحد , وجاع أولادي حين مرضي ولم يطعمهم أحد أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إنّ الله عزّ وجلّ يقول يوم القيامة : يا ابن آدم ، مرضتُ فلم تعدني ، قال : يا رب ، وكيف أعودك وأنت رب العالمين ؟ قال : أما علمت ان عبدى فلانا ًمرض فلم تعده ؟ اما علمت انك لو عدته لوجدتني عنده ؟
يا ابن ادم ، استطعمتك فلم تطعمني ، قال : يا رب ، وكيف أطعمك وأنت رب العالمين ؟ قال : أما علمت أنه استطعمك عبدى فلان ، فلم تطعمه ؟ أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندى ، يا ابن ادم ، استسقيتك فلم تسقني ، قال : يارب كيف أسقيك وأنت رب العالمين ؟ قال : استسقاك عبدي فلان فلم تسقه ، أما لو سقيته لوجدت ذلك عندى ) .
وافتقرت و مددت يدي إلى الناس ولم يبسط أحد يده إلي بالمعونة ,أما سمعت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس ، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على قلب مسلم ، أو تكشف عنه كربة ، أو تقضي عنه دينا ، أو تطرد عنه جوعا ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إليّ من أن اعتكف في المسجد شهرا , ومن كف غضبه ستر الله عورته , ومن كظم غيظا ولو شاء أن يمضيه أمضاه , ملأ الله قلبه رضاً يوم القيامة , ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له ثبّت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل ) .
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( من نفـّس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يسر على معسر في الدنيا ، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ، ومن ستر على مسلم في الدنيا ستر الله عليه في الدنيا والآخرة ، والله في عون العبد ، ما كان العبد في عون أخيه ) .
وبكيت في الليل والنهار ولم أرَ أحداً يأتى إلي مواسياً يطيب خاطري لما ألمّ بي من المصائب .
أما بلغك قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم ، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو ، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) .
فأين ذلك التكافل الإجتماعي الذي نادى به الإسلام , وأين نصحك لي لدى رؤية المنكر من العمل الذي آتيه , أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : ( الدين النصيحة ) , لماذا عندك هذه السلبية المقيتة , أما أعطاك الإسلام شيئاً إلا ما تنفع به ذاتك , أما سمعت أن الإسلام بني على عقائد ومعاملات فأخذت بالعقائد لأنها انطواء على الذات والتصاق وقرب بالذات الإلهية ظناً منك أنها تغني عن المعاملات وتبعدك عن التأثير بالآخرين من أبناء جلدتك وقومك .
هذه يا صديقي السلبية بعينها , ولقد كان حكمك فيّ قاسياً ليس فيه رحابة صدر ولا رحمة من رحمات الله , وكان حكماً متسرعاً , ولعل الله قد أبقى فيّ باقية من خير تحتاج من يستثيرها ويخرجها , أما سمعت الله يقول في سورة الأعراف :
( وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ).
أما سمعت يا صديقي قبل أن تتهمني بأني سوف أكون سبب كل مصائبكم وكوارثكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( أيها الناس، إن الله يقول لكم مروا بالمعروف و انهوا عن المنكر، قبل أن تدعوني فلا أجيبكم، و تسألوني فلا أعطيكم ) .
وقال تعالى: ( وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) .
إن سبب كوارثكم هو إعراضكم عن الدعوة إلى الله فترى المنكر بعينيك وتستنكره في قلبك متبّعاً خطى أضعف الإيمان لأنها أرخص سلعة ً و أقلّ كلفة ً ولا تحرك للمرء جنباً ولا تلقي في القلب همّاً , وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) .
وبما أننا التقينا تعال لنصلح ذات بيننا , فأنت بقربك من الله ستجذبني إليه و أنا بهمتي أحصّل ما أعانني الله عليه , فلا تأنف مني يا أخي , فإني أرى أن الله قد قدّر جمعنا هذا ولم يكن فيه شيء من الصدفة .
وتعانقا وقبّل أحدهما الآخر وبعدها أصبحت أمة الإسلام من جديد أعظم الأمم .
حكاية رائعة وأسلوب سلس ونهاية بتجنن وكل انسان بحاجة للناس يفيدهم ويستفيد منهم
لك جزيل الشكر دكتور أحمد على هذا الموضوع الرائع بارك الله فيك وأطال بعمرك