syria.jpg
مساهمات القراء
قصص قصيرة
ورقة .. من دفاتر أرملة... بقلم : ماهر إبراهيم حسن

{ يما }  جوعان...


قالتها بكل براءة سامية  الطفلة التي لم تتعدى الثالثة من عمرها ... كانت كلماتها متلعثمة لكنها مفهومة بالنسبة لأم أحمد ....فهذه الكلمة بالذات كانت الكابوس الذي يؤرق حياتها والتي تخشى سماعها من أحد ابنائها   وبالذات من الصغيرة سامية....

أسندت رأسها إلى الحائط واسترجعت مخزونها الإسترتيجي من الطعام .... كان لا يتعدى { اللقيمات } ولكن حتى هذه اللقيمات كفيلة بسد جوع سامية وأشقائها الأربعة في هذه الليلة على الأقل ...

زينب ... زينب ... نادت أم أحمد بأعلى صوتها على بنتها الكبرى التي كانت مشغولة برهان

العائلة الأكبر { دراستها}...

 

جاء الصوت من زينب دافئآ .. غضآ ... حنونآ ... نعم { يما }..

جهزي العشا لإخواتك الله يرضى عليكي...

لحظات من الصمت الثقيل تزامنت مع غياب زينب في المطبخ  خرجت بعدها زينب من المطبخ

متثاقلة مترددة كمن يحمل نبأ سقوط بغداد ...ما في سكر { يما } ....

 

هنا كانت القشة التي قصمت ظهر البعير ...لا تعلم أم أحمد كيف استملكتها رغبة عارمة

بالبكاء ...أو الصراخ .. أو النحيب ... لكنها استجمعت قواها وصمتت قليلاً ...

استحضرت ببالها كل بيوت الجيران ... فوجدت أنها طرقتها كلها لإستدانة السكر فيما مضى ...

 

وقرارها بالاستدانة مرة أخرى قرار غبي للغاية ...

مر ببالها أبو سمعو صاحب الدكانة الملاصقة لبيتها ... لكن كلماته القاسية بضرورة سداد الـ 400ليرة كانت تقاسمها حياتها ...

كم أنت ظالم أيها الزمن ... وكم أنتي مريرة أيتها الحياة ..

لم تكن تعلم أم أحمد أن 40ليرة ثمن كيلو سكر ستغرقها ببحور الألم .. خاصة أن جارتها فريال { زوجة الجمركي } كانت قد أخبرتها في الصباح أنها ستذهب مع زوجها لقضاء ثلاثة أيام على الساحل .. وقد رصدو 40ألف ليرة لهذه الرحلة ...

 

40ألف ليرة ؟؟ قالتها أم أحمد في قرارة نفسها بإستغراب ؟؟ يعني بشتري ألف كيلو سكر ؟!!

لكني لا أريد سوى كيلو واحد ... فلطالما أقنعها أبوها بأن الطمع ضر ما نفع ...

خرجت أم أحمد من متاهات الحسابات ... ودماغها يشتغل على ألف موجة ... والهدف : كيلو سكر ...تذكرت مختار القرية ... فهو والي الأمر في القرية ... ويجب أن يساعدها بشتى السبل وهي أرملة .. لا تملك من حيلة أمرها إلا دموعها ...لكنها سرعان ما رفضت الفكرة عندما تذكرت نظراته الحقيرة تجاهها .. وكلماته التي تعكس نفسه الخبيثة ...

{ يما } شو صار معك ؟؟ .. قالتها زينب بخجل ...

 

كان سؤالها بمثابة رصاصة الرحمة ... التي أزهقت روحها على مذبح الفقر...

والله يا { يما } ما معي مصاري ..

إعتراف محبط للآمال ... وكلمات ممزوجة بالغصة والألم ...هذه أصدق الإعترافات..هذه أصدق الكلمات....

 

أصدق من أي إعتراف ملفق { يبرمجه } مسؤول فاسد مع لجنة المحاسبة والتدقيق..

أصدق من أي كلمة يلقيها المسؤول المنتخب .. على مسامع من إنتخبوه ..

 

بل أصدق من كرم غيوم  كانون الأول ..

أصدق من الكلمات الأولى التي يتلعثم بها طفل ...

أصدق من إعتراف الحبيب لحبيبته ... لماذا ؟؟

لأنها إعترافات الفقير ... للفقير ...

سكتت زينب بإستسلام وإنكسار .. وساد الصمت الجشع مرة أخرى ...

 

أنا معي خمسين ليرة { يما } ....

رفعت رأسها أم أحمد بتثاقل .. لإيمانها الكامل بأن وجود الخمسين ليرة في بيتها هو معجزة الله في خلقه ... تتبعت مجرى الصوت فإذ به ينطلق من فم إبنها أحمد ...

عدة تساؤلات دارت في خلدها بلحظات ..

من أين له خمسين ليرة ؟؟ وهو الذي لم يتعدى السابعة من عمره ؟؟..

يبدو أنه يمزح ... فنظراته المتعبة كانت تطاردني كشبح بغيض يومياً قبل خروجه إلى المدرسة وهو يومئ إلي بما يدعى الخرجية ...

الخرجية ... تلك الظاهرة الحمقاء التي علمت أم أحمد التنصل والتملص بحذاقة كبيرة ..

 

ولكنها باتت مكشوفة بالنسبة لأحمد فالزاوية الوحيدة التي تذهب إليها أم أحمد يومياً لتفادي نظرات أحمد هي شجرة الليمون الكبيرة التي تقاسم أم أحمد أجمل الذكريات...حتى أن أحمد بات يتعمد تغيير طريقه ليمر بجانب الليمونة وبجانب أمه .. فيزيدها ألمآ ... لتواسيه بضحكة امتحنها اليأس قائلة :  بكرا أحلى خرجية لحمودة ..

عاد الصوت من جديد معي خمسين { يما }ولكن هذه المرة قولاص وفعلاً ... فالخمسين في يد أحمد ...ركضت بإتجاهه كتائه في صحراء رآى من بعد واحة مياه ...

هزته بعنف من وين جبت الخميس { يما } وخوفها من كونه قد سرقها قد بدد فرحتها...

إطمني { يما } أشتغلت مع جارنا الخضري يوم الجمعة الماضية ... { صيحت } بطاطا .. بندورة

.. خيار .. وعطاني إياها ...

 

يا الله ما أجمل { مفترجك } . هنا أبت الدموع إلا نزولآ ....

بكت أم أحمد يا إعزائي بمرارة ... ولماذا لم تدري ...؟؟

هل كانت دموع قهر ... ألم ... فرح ... ضعف... حزن ... وجع ... لم تدري ...

ولكنها كانت دموع لذيذة ....

 

شرح المفردات :

{ يما } :  ماما ... ميمة .. يامو .. أمي ..

{ صيحت } :  ندهت ناديت بأعلى صوتي ..

{ أم أحمد } :  أرملة من بلادي ..

 

2011-07-20
التعليقات
سكر
2011-07-28 00:39:14
رائعة
لما قرأت القصة دمعت بس ما حبيت اكتب شي بس لما كتبت انك بحاجة لتشجيع حبيت شجعك والك القصة روعة ابعتها على بي بي سي اكسترا لحتى نتفاخر فيك

سوريا
ماهر إبراهيم حسن
2011-07-23 10:31:31
للإيضاح..
بسم الله الرحمن الرحيم : ورقة من دفاتر أرملة عبارة عن مجموعة قصصية تمتد على ثلاثين ورقة .. تهدف بشكل مباشر الى تسليط الضوء على زوايا الفقر والعوز في وطني .. من خلال فئة الأرامل .. قررت جمعها في كتاب بعد طرحها عليكم حيث شاءت الأقدار أن يكون مولدها على ثرى هذا الموقع الكريم فمن لامس جمالآ ومغزى ولسعات في الورقةالأولى .. فلينصحني بالمتابعة... ومن كان أعرف مني بفن القصة القصيرة ... ورآى فيها خللآ .. فلينصحني بالتوقف.. أم أحمد الأرملة شخصية واقعية بحتة ... وهي إلى الآن تحتل صفحات حياتي ..

سوريا
د وهيب
2011-07-22 09:33:13
نجاح باهر
نجاحك مبهر.قرأت العديد من القصص ولكن اول مرة أزرف الدموع قبل ان تنتهي القصة. فشكر كبيرا ,استمر كما انت.كاتب كبير.

سوريا
البائس
2011-07-21 10:40:29
لقمتي ...هي لقمتك
هل هذه مواطنة عربية سورية ؟ إن كانت كذلك فالرجاء إحالة القصة لمن يظهر علينا على التلفاز ليقنعنا بأنه لاأزمات في سوريا وأن المواطن السوري هو الهدف والغاية ..وأن لقمتي هي لقمتك ... وأننا معا سنبني سورية الحديثة ( طبعا لايهم إن كان أحد الفريقين متخم والآخر يتضور جوعا ، فتلك جزئية لاتستدعي التوقف عندها) .. وفي النهاية كلنا للوطن .. كلنا للقضية

سوريا
متابع
2011-07-21 08:20:34
شكرا
بس بعتقد هي مجرد قصة وغير موجودة بواقعنا حتى لو كانت موجودة مفروض يتم استئصالها من قبل الأغنياء والمقتدرين

سوريا
هندي بريشة
2011-07-21 04:46:34
انا مو هندي
هاد وجع الشعب الفقر والجوع والذل وين الكرامة ازا الواحد ما عندو بيت يسكن في وين الكرامة ازا الواحد ما بيقدر يطعمي ولادو حاجة نضحك ع بعض نحن شعب بلا كرامة

سوريا
تغريد
2011-07-20 16:51:48
نفسي صفقلك
عنجد رووووووووووووعة ما شاء الله عليك يا ماهر لانك بجد بتستاهل الانحناء ورفع القبعات بوركت يداك وسلامي لاقلامك واوراقك (بس سامية بتقول جوعانة مو جوعان)مع انو هيك نقد بكون تافه قدام عظمة كلماتك شكرا الك

سوريا
الحمامة البيضاء
2011-07-20 14:07:00
صباح الورد
يالله والله هيك كثير بس هي لازم تلاقي مصدر رزق تعيش منه ولادها ولو قليل

سوريا