انه زمن السقوط , زمن الانحلال والتفسخ في مجاري التاريخ , زمن الرياح القطبية التي جمدت كل الأخلاق وأعطت للعهر فضيلة , زمن جحيم الآخرة الذي أحرق قلوبا خلقت للمحبة , وأصبحت جمرا يوقد بركان أحقادنا المخبأة تحت قناع الإنسانية .
في عصور الظلام المتقع , كانت الأصنام تجسيدا لخوفنا من مظاهر الطبيعة , التي كنا نجهل ماهيتها فتارة نعبد القمر, وتارة نسجد للشمس .وعلى الرغم من ذلك فقد كانت هنالك ذرة إيمان في قلوب البشر لأنها كانت تبحث عن معنى الوجود دون علم مسبق . أما الآن فقد تلاشت هذه الذرة وتحولت لمجرة من الكفر فالأصنام عادت , ولكن بصورة مختلفة فهنا صنم الجسد , وهنالك صنم المال اللذان أعادا البشر إلى جاهلية ثمود .
أنظر إلى أبناء ادم وأصرخ بحنجرة تقارب السماء وأسأل لماذا أوصلنا العقل إلى هذه الحيوانية في التعامل على الرغم من إبداعاته في رقي البشر فتهمس لي فكرة قائلة حكمة .... نعم حكمة ولكن نحن نملك الاختيار وبقرارنا نغير الأرض ونزرعها أشجارا من محبة بقليل من المعرفة والإيمان , نعم قليل من المعرفة والإيمان يبنيان خلود الإنسان .
أنظر إلى ابن ادم فأراه ساجدا لأدوات أبعدته عن كيانه الحر , وقيدته بشروط خانقة كالدخان , وكأن الدين ولد لنعيش حياتنا مقيدين , و خائفين من النهاية التي لن تنتهي , ومن زاوية أخرى أراه عالما لا يقتنع إلا بما له حيز من المكان , وكأن العلم والإيمان لا يجتمعا على طبق واحد .
كنا أطفالا نخلق السعادة من لعبة صغيرة , مفطورون على بديهيات ولدت معنا , وبدأنا نشب في كياننا, وبدأت رواسب الحضارة تغزو عقولنا شيئا فشيئا , حتى نسينا طبيعتنا وعند اشتداد جدعنا بدأنا رحلة البحث عن السعادة , التي لم ولن نجدها لأننا وبكل بساطة غلفنا أنفسنا بثقافة الحضارة, التي أبعدتنا عن خلقنا الأول
ونشأ مفهوم السلطة والقوة باختصار مفهوم الغاب ,وبدأت تسيل في دمائنا شهوة القتل, والتجرد من كيان خلق بأرقى الصفات ,وتدرج في التحول ,والتبدل ,والانهيار ,والتطور, إلى أن وصل لأيامنا هذه حيث قلبت معايير الخلق ,وأصبحت الوسيلة هدفا ,والفكر سيفا يقطع الأوصال .....
وبقت مشكلة الأصل نسيا منسيا , فالاختلاف في اللون , والشكل , واللغة , جزأ حقيقة البشر, و بات كل قسم ينسب لنفسه إعجاز الله في خلقه, وتكوينه ,وتلوينه , ورسالته في مسح الآخر عن الوجود .
فمن الإنسان تفرق الإخوان, وولدت آلاف اللغات , والاعتقادات, والتقاليد ,والأفكار ,والنظريات, والاختراعات,والعبقريات التي تداخلت ,وأدت إلى انهيارات, وصراعات ,وانقسامات و التي ازدادت مع الفهم الخاطئ لرسالة الأنبياء في توحيد البشر , وإدراك حقيقة ( لا اله إلا الله ) .
وفي عصرنا الحديث , أقصد بالحديث عصر وجودي الممتد بين زمانين , أصبحت الأفكار أساس الصراعات , والغريب أنها تستند على ثقافة الحضارة , فالشعب مسير حيث يتم إرضاعه صناعيا من حليب الحضارة , هذا الحليب الممزوج بالدم والقتل , والجنس , والجنون . مع العلم أنه لو فكر لثانية بعيدا عن هذه الطاقات السلبية التي تشحنه طائفيا وسياسيا واجتماعيا وعرقيا لاكتشف انه إنسان قبل هذه التسميات العفنة
ومن هنا من حيث رؤيتي ويقيني , ادعوكم لأن تفتحوا قلوبكم وعقولكم , وتنفضوا غبار التاريخ عنها, ولنؤمن بإنسانيتنا إن كنا غير قادرين على الإيمان بشيء آخر يجمعنا , فالإنسانية هي الأمل الأخير في جمع شتات البشرية .
هناك حكمة تقول:(لقد كان ذلك يوم قدمت إلى أرضك وأنا عريان؛لا أحمل اسماً وفي لهاثي صرخة منتحبة؛فيما تقف أنت يا رب جانباً لتفسح لي مكاناً أستطيع فيه أن أملأ حياتي؛وحين تغنيك أناشيدي فإنني أستشعر أملاً خفيّاً بأن الناس سوف يقبلون إلي ويحبونني بسببها)،صديقي الراقي..إن انهماك الناس في مشاغل الدنيا وانغماسهم في ملذاتها جعل من أغلبهم فارغين من الداخل لم تبق لديهم تلك الخصال الإنسانية من محبة وإيمان...ربما إذا عدنالبداية الطريق وأصبحت إيدينا خاوية كما كانت سنتذكر تلك الأخلاق..شكراً لك وبانتظار جديد.
نعم إنه عصر مجنون شغلنا بمادياته عن فطرة الله السوية فنسينا أو تناسينا قيم المحبة والتسامح التي هي أصل الحياة وينبوعها الصافي ,وأنكر كل منا الآخر حتى هوينا بإناسنيتنا إلى القاع فأين نحن من أجدادنا دعاة المحبة والانفتاح على الآخر ؟ أين نحن من قول ابن عربي : لقد صار قلبي قابلا كل صورة فمرعى لغزلان ودير لرهبان وبيت لأوثان وكعبة طائف وألواح توراة ومصحف قرآن