بعد الثورة الصناعية و الفورة الإنتاجية في الدول الغربية و دول أوربا الشرقية تجلت حتمية الارتباط العضوي بين الاقتصاد و السياسة و المجتمع حتى تجرأ العلماء و المفكرون على القول أن ظاهرة التطور الإنساني عبر التاريخ ما هي إلا عبارة عن ( تطور علاقات الإنتاج ) و نجد صعوبة في نقض هذا المبدأ لدى الرجوع إلى التاريخ مما يضعنا أمام التعامل مع هذا المبدأ العام كحقيقة علمية تاريخية راسخة .. و بالتالي عند دراسة أي ظاهرة اجتماعية سياسية يجب علينا وضع في الاعتبار أو علينا الانطلاق من مفهوم (الإنتاج ) كمنطلق عام و بالتالي عند دراسة مفهوم الدولة الحديثة يجب أن نراعي هذا المفهوم أو هذا المتحول .و الشكل الأخير السائد لعلاقات الإنتاج هو الشكل الرأسمالي الحديث مع أن مصطلح الرأسمالية قد تطور كثيرا منذ الثورة الصناعية و حتى الآن ...
بالتالي مفهوم الدولة هو عبارة عن تفصيل ضمن المفهوم الأكثر شمولا و هو النظام العالمي القائم على أساس (علاقات الإنتاج الرأسمالي )
مفهوم الدولة و الحياة السياسية في القرن العشرين
تشكلت السياسة من الناحية التطبيقية في بداية القرن العشرين بناء على الخلاف أو الجدل حول حجم و دور الدولة المناسب في الحياة الاقتصادية و الاجتماعية فقد بدأ القرن العشرين بنظام دولة ليبرالي بقيادة انكلترا تجلي باقتصار دور الدولة على المجال العسكري و الأمني و بعض الخدمات العامة , مثلا لم تكن هناك ضرائب دخل أو برامج تنموية و ما شابه ذالك , و بعد سلسلة من الأحداث الدراماتيكية التي هزت العالم ( الحرب العالمية الأولى , أزمة الكساد الكبير 1929 الحرب العالمية الثانية ) انهار هذا النظام الليبرالي حيث تغير دور الدولة لتصبح أكثر تدخلا و أكثر مركزية في معظم أنحاء العالم أي ظهر مفهوم ( الدولة المتدخلة أو المركزية ) و نتج عن هذا النوع من الدولة مفهوم ( الدولة الشمولية ) و هو الشكل الأكثر تطرفاُ للدولة المركزية هذه الدولة حاولت إلغاء المجتمع المدني و إخضاع الأفراد بشكل مباشر لسياسة الدولة و كان لهذه الدولة (الشمولية ) نسختان نسخة يمينية ( إلمانية النازية ) و فشلت هذه التجربة عام 1945 و انهارت النسخة اليسارية لهذه الدولة بسقوط جدار برلين عام 1989 أما في البلدان غير الشمولية و لكن المركزية الأخرى فقد تعاظم دور الدولة لتسيطر الدولة على أكثر من 50% من الناتج المحلي و حتى 80 % في بعض الدول الاسكندنافية ..أي أن كان القاسم المشترك حتى بداية الثمانينات موضوع الدولة المركزية (المتدخلة) سواء كانت شديدة المركزية (شمولية ) أو مركزية إلى حد ما ( أقل شمولية ) .. و منذ بداية الثمانينات بدأت الأحزاب المحافظة بالسيطرة على الحكومات في معظم الدول المتقدمة و من المعروف أن هذه الأحزاب لا تؤيد المركزية الشديدة للدولة أي بدأنا نلاحظ محاولات تخلي الدولة و لو بشكل جزئي عن مركزيتها.
.المفهوم الحديث للدولة :
على كل حال في الوقت الراهن هناك معياران (متحولان) للتعرف على طبيعة دولة ما من الناحية السياسية والاقتصادية و هذان المعياران هما 1- حجم (عدد)وظائف الدولة 2- القوة المؤسساتية للدولة
و من أمثلة وظائف الدولة الدفاع و الأمن .. حماية الملكية ..الصحة العامة ..البرامج التنموية .. التعليم ..تنظيم الحياة النقدية ..البيئة ,معالجة مشاكل البطالة , تأمين العدالة الاجتماعية , حيث تتفاوت الدول من حيث قيام الدولة بهذه الوظائف بعضها أو كلها.
أما المتحول الثاني وهو( القوة المؤسساتية للدولة )فهو المتحول الذي نحن بصدده هنا و المقصود بالقدرة المؤسساتية للدولة هي نجاح المؤسسات في أداء عملها ( كيفية أداء وظائف الدولة ) و كفايته وقدرة الدولة على وضع الأنظمة و القوانين و تطبيقها ومن متطلبات هذا النجاح هو انخفاض معدل الفساد و البيروقراطية و رحابة مجال الحرية المتاحة للأفراد و و تطبيق مبدأ الديمقراطية بالشكل السليم.
و بالتالي هناك أربع نماذج من الدول وهي 1- حجم وظائف أكبر للدولة و قوة مؤسساتية أكبر (أوربا الغربية )
2-حجم وظائف أصغر و قوة مؤسساتية أكبر (الولايات المتحدة) 3 حجم وظائف كبير و قوة مؤسساتية صغيرة (سورية )4- حجم وظائف صغير و قوة مؤسساتية صغيرة (دول وسط افريقية )
الدول المتقدمة تقع ضمن التصنيف الأول و الثاني و القاسم المشترك بين هذين النموذجين هو القدرة المؤسساتية الكبيرة بغض النظر عن حجم وظائف الدولة مع العلم هناك حد أدنى لوظائف الدولة لا يجب أن التنازل عنه مهما بلغت القدرة المؤسساتية للدولة .
الديمقراطية ليست مفهوم جامد :
إن الديمقراطية و نوعها و شكل العملية الانتخابية أتت لتضفي الشرعية على نظام مؤسساتي ما و كل ما كانت شرعية النظام المؤسساتي أكبر كلما كان ذالك مساعدا للنجاح. بل أكثر من ذالك القوة المؤسساتية للدولة تعتمد بشكل جوهري على الشرعية التي تتمتع بها من قبل الشعب و تتجلى هذه الشرعية من خلال الديمقراطية . و بالتالي لا يمكننا طرح شعار الديمقراطية بشكل مجرد بل علينا أن نختار أو نجيب عن السؤال التالي : ما هو نوع الديمقراطية التي تحقق أكبر قدر ممكن من النجاح في مؤسسات الدولة ؟ و بالتالي لا يمكن طرح الديمقراطية كمفهوم مجرد ليس له علاقة بغيره من المفاهيم و إنما يتم طرحها بالشكل الذي يعزز قدرة المؤسسات على النجاح في خدمة المواطن..لأنه في النهاية رفاهية المواطن هي الهدف الأسمى .
أسباب الإخفاق في سورية
خلال العشر سنوات الأخيرة انتهجت الدولة في سورية نهجا باتجاه تقليل عدد وظائف الدولة وحاولت إرساء ما يسمى (اقتصاد السوق الاجتماعي ) لاشك أن تغيير شكل الدولة لجعلها دولة أقل مركزية و السماح للقطاع الخاص للقيام ببعض الوظائف التي كانت تقوم بها الدولة أمر طبيعي و ضروري و عصري خصوصا أن الدولة في سورية تعتبر شديدة المركزية على مسطرة قياس مركزية الدولة ....و لكن خطوة تقليل عدد وظائف الدولة في سورية رافقتها عملية ( إضعاف القوة المؤسساتية للدولة ) و كأن الموضوع اختلط على القياديين فتقليص عدد وظائف الدولة لا يعني أبداُ تحطيم قوة مؤسسات الدولة إن هذا الإضعاف لمؤسسات الدولة أدى إلى الفشل و من مظاهر هذا الفشل :
1-العجز عن تحقيق زيادة مقنعة في الدخل القومي
2-سوء توزيع الدخل القومي بين فئات المجتمع
3-انتشار البطالة و البطالة المقنعة
3-سوء تطبيق مبدأ العدالة الإجتماعية و تكافؤ الفرص
4-استشراء الفساد بشكل واسع النطاق
5-التعرض لغزو ثقافي من الخارج من قبل دول متخلفة من الناحية الفكرية و العقائدية
ففد زاد تأثير الأفكار المتطرفة الهدامة و الفوضى بسبب عجز المؤسسات عن استيعاب و خدمة الجماهير بشكل فعال الأمر الذي يعتبر وصمة عار ..فبدلا أن تؤثر سورية العريقة فكريا بحولها أصبحت متأثرة ..
6- عجز القطاع الخاص عن القيام بأي دور اجتماعي بسبب سوء تنظيم العلاقة بينه و بين الشعب بسبب الفشل المؤسساتي الآنف الذكر .
موقف النظام :
الحق يقال أن و هنا لا أتبنى موقف النظام و لست بصدد تسويق لأي موقف سواء أكان موقف للنظام أو موقف ما يسمى المعارضة و لكن الحق يقال أن نظرة النظام أو على الأقل نظرة رأس النظام تعتبر متقدمة بمراحل عن أفضل موقف للمعارضة حيث بدأ النظام في سورية بانتهاج خطوات عملية و فعالة باتجاه الإصلاح و بدأنا نشعر بتأثير هذه الإجراءات على أرض الواقع فقد بدأ النظام فعلاُ بتعزيز ( القدرة المؤسساتية للدولة ) و كما رأينا أن تعزيز هذه القدرة يكون عن طريق القضاء على الفساد ( قانون مكافحة الفساد ) و تفعيل الديمقراطية ( قانون الأحزاب ) و زيادة هامش حرية الأفراد ( إلغاء حالة الطوارئ) أي أن النظام عنده برنامج واضح و معلن و مميز للإصلاح لا أحد يستطيع أن ينكر ذالك .نلاحظ أن النظام قام بالتريث بموضوع تقليص وظائف الدولة ريثما يتم تعزيز القوة المؤسساتية أي أن النظام يحاول و ضع الأمور في نصابها
موقف ما يسمى ( المعارضة) :
يجب أن نميز بين ما يسمى ( معارضة ) و بين المتظاهرين ..لا يوجد شيء في سورية اسمه معارضة حتى الآن و إنما المعارضة سوف تتبلور بجهود المتظاهرين أصحاب المطالب المحقة , و هذه( المعارضة الحقيقية) ستظهر في سورية بفضل المتظاهرين , و بفضل الدولة التي استجابت لهؤلاء المتظاهرين, أما ما يسمى الآن (معارضة ) و أذيالها من الجماعات المسلحة التي تعيث فساداُ فسوف تضمحل تدريجيا ريثما تظهر المعارضة الحقيقية من صلب مؤسسات الدولة
أما لماذا نتهم المعارضة الحالية بأنها معارضة مزيفة , فالجواب هو : لأننا نجد أن هذه ( المعارضة )بأبواقها و عملائها و مفكريها لم تقدم برنامج واضح لحل المشاكل التي تعاني منها سورية صحيح أن يستعملون الشعارات البراقة و لكن هذا أسهل شيء يمكن فعله فأي شخص معه شهادة محو أمية يستطيع أن ينادي بالحرية و الديمقراطية ,, حيث أن هذه الشعارات تبقى من دون معنى إذا لم يتم رسم هيكلية علاقتها مع المؤسسات و الدولة و هنا يكمن جوهر الموضوع ...لم نجد أي تشخيص للمشكلة السورية و اقتراح لحلها أو وضع برنامج لحلها في أدبيات (المعارضة المزيفة ) كل ما قامت به المعارضة هو السب و الشتم و المطالبة بالإسقاط و التفكيك و الهدم و ما شابه ذالك للأسف .. هذه المعارضة تطالب بإسقاط المؤسسات عمليا, و عندما تطالب بإسقاط المؤسسات فهي تطالب بإسقاط المواطن .
أما الشعارات المطروحة فهي خاوية المعاني ..مثلا تم طرح موضوع الحرية كهدف و هذا خطأ ..فالحرية في العصر الحديث إنما وجدت كوسلية لضمان نجاح المؤسسات في أداء عملها و بالتالي ينعكس ذالك إيجاباً على رفاهية المواطن
تجارب فاشلة
و الدليل على قصور طرح الديمقراطية و الحرية كهدف , و ضرورة طرحهما كوسيلة فعالة لتعزيز دور المؤسسات , هو ما نشهده في التجربة العراقية و اللبنانية و التركية ففي لبنان هناك ديمقراطية فعلا و لا أحد يستطيع أن ينكر ذالك و لكن هذه الديمقراطية قامت على أساس طائفي حيث قامت هذه الديمقراطية بتعطيل دور المؤسسات و بالتالي تعطيل عملية اتخاذ القرار و لا يتم اتخاذ هذا القرار إلا برضا جهات إقليمية و دولية و لا يتم اتخاذ أي قرار أيضا من دون دراسة البعد الطائفي له دون التفكير بالبعد الوطني و بالتالي هذه الديمقراطية اللبنانية و العراقية قامت بدور معكوس فهي كبلت و عرقلت عمل المؤسسات بدلا من دعم هذه المؤسسات..
ما هو الحل في سورية ؟
علينا أن لا نستقي من التجارب الفاشلة بل من التجارب الناجحة أي أن نختار الديمقراطية التي تعزز دور المؤسسات و بالتالي ليست المشكلة وجود ديمقراطية و حرية كيفما اتفق , المشكلة هي كيفية توظيف الديمقراطية و الحرية المزمع تحقيقهما في خدمة المواطنين عن طريق دعم مؤسسات الدولة..
تحولات السلطة والسيادة لقد شكلت السلطة والسيادة قاسما مشتركا بين عدة فلاسفة اوربين تناولوها بالتحليل والشرح بدءا من توماس هوبز نصير الحكم المطلق الى جان جاك روسو الذي فصل في السيادة حتى قيل ان روسو حك السلطة حتى العظم وليبدو المفهوم واضحا وجليا نبين افكار ووجهة نظر كل فيلسوف حول هذا المفهوم/: • السلطة والسيادة عند هوبز: ناصر هوبز الحكم المطلق لذا السيادة برا يهلاتقبل التجزئة والانقسام ولايجوز فصل السلطة فلا بد من وجود شخص له القرار النهائي والاخير وهو الملك والملك هو صاحب السيادة وهو مركز ال