syria.jpg
مساهمات القراء
خواطر
عيد وفاة ... سيدة عصري ... بقلم : فراس فقاس

في ذات اليوم ... من كل عام ... ومنذ ربع قرن...

وفي تمام الحادية عشرة ليلاً ...


أجلس وحيداً في صومعتي الصغيرة .... لأبدأ ....!!!!

وفي الغرفة الصغيرة ... أُشعل شمعتي الوحيدة لتلقي بظلال جسدي المتعب على الحائط الشيخ ...

على وجه صديقي الشيخ ...

ولأُسندَ ظهري المتعب على الكرسي الخشبي المتأرجح ليصدر أطيطاً يمثل الموسيقى التصويرية لمشهد الاحتفال المنهك ....

والذي بات عجوزاً يشتهي عودة الذكريات وطول الأجل في سبيل التزيد من متعة الحياة والموت معاً....

 

*****************

 

وها أنا ذا .....

وكعادتي ومنذ زمن بعيد ....

وعلى اطراد موسيقى الكرسي التي تشبه موسيقى موزارت... في التراتبية والأناة ...

يبدأ قلبي الضعيف المتعب بمراقصة مخيلتي الجامحة الوثابة ذات الألق المضيء أبداً ....

فيشكلان ثنائياً راقصاً غايةً في الروعة ... 

 

نعم إنهما يرقصان بخفة وبتناسق ... وكيف لا وهما شيئين مصدرهما جسد واحد ...

لتمر الأحلام والآلام والدعابات والضحكات والدموع ....

فترتسم بسمة على شفاهي التي لا تشتهي الابتسام ، وتحزن عيوني التي لا تشتهي الحزن ، فيحار وجهي بين باسم الشفاه وحزين العيون ... فأغدو موناليزا حائرة تحيا وتموت ...

 

 بين ... وبين ... وبين ...

فرح الذكريات وأيضا حزن الذكريات ...

إنه الزمن الجميل ...

إنه زمانها ...

إنها سيدة عصري ...

ربيع عمري ...... وشتاؤه القاسي ......

 

*****************

 

ومرة أُخرى ...

أشعل لفافة تبغي وأستنشق دخانها ....

ليستقر مرارها في جوفي ....

فأهرب إلى كأس النبيذ الأحمر المعتق في حلاوته التي تطفئ لهيب المرار ...

فأرتشف منه ....

 

وكأن الدنيا اختصرتْ خنظلها وحُلوَها ...

في لفافة تبغ ... وفي رشفة شراب ...

وشفاهي المضمومة تستزيد ذاك الحلو الباقي عليها في كناية عن بالغ الولع باستمرار ذاك الشعور بوجود السكر ..

وعيوني باقية .. تراقب ، تراقص ظلي على منعكس لهيب صديقتي الشمعة ....

لا بد أنه الحب ...

 

إنه بالتأكيد الحب ...

ذاك الشعور الخفي بالخدر الذي يصيب قلوب وعقول وعيون وجسد وروح المحب حين يطرق مسمعه حروف اسم من يحب .... من يعشق .... من يموت ويحيا ثم يموت ويحيا ...

وكأن جميع الحياة هي ... هي ....تلك هي سيدة عصري ...

فإن كان الأمر كذلك فكيف الحال إن رأى من يحب ...

 

الله الله الله ...

الله      الله       الله      الله

إنه الحب ...

إنه أسمى اللغات

إنه فلسفة الكون المختصرة في أبسط حرفين ...

إنه دين القلوب ...

*****************

 

وبين هذا وذاك .... وذياك وذيانك ..!!!!!

أنتبه .... وأنتبه ....

وفجأة إلى خطوط يدي قد شاخ جلدها واتضحت في خجل خيوطها الزرقاء ....

ولأول مرة أعي أن العمر بات في عتبة  الأربعين ...

 

أوفٍ من الأربعين ...

تباً للأربعين ...

سحقاً للأربعين ...

وبدون وعي وببالغ الحنو والحنان تلمست يدي برودة الكأس عل أن تجد تلك اللمسة القديمة ليداها السمراوين ...

لتتسمر عيوني في محاجرها ...

 

ويقف الزمان ...

وتنتهي الأشياء .... وتقف الأفكار ... وتموت الحروف والألفاظ  ...

ولأدرك وببساطة البساطة أنها ليست بين يدي ... أنها ليست لي  ... أنها ملك أياً كان ..... سواي .....

نعم أتحدث عنها اليوم وبجرأة بلغت حد الوقاحة ...

*****************

 

نعم هي سيدة عصري ... سيدة كل النساء .

منارة الكون ... شطرُ حُسْنِ الأرض والسماء .

هي ألمي وأملي ... على حد سواء ...

هي حلمي وصحوي ، والأمر بها وعندها ، في جلاء ...

أَنها العشقُ والوَلهُ والتّيمُ والشبُّ والجَواء  ...

 

أَنها ببساطة مختصرُ مختصرِ الأشياء والأسماء ...

هي تاريخٌ رُسِمَتْ لوحته بأبهى الخطوط والألوان ...

هي تاريخ ...

نعم تاريخ ... من زمن جميل ...

نعم هي ماضي ..

*****************

 

مغمض العينين أنا  ، مسلوب اللّب أنا ، تحرقُ مجدداً لفافة التبغ أصابعي ، لأعود فأشعل ثانية وثالثة ورابعة ولأحتسي سؤر كأسي حتى القطرة الأخيرة ..

نعم حتى القطرة الأخيرة ...

قد انتهت لفافات التبغ وانتهى الشراب ...

وها هو أيضاً قد انتهى الشارب ...

منهكاً...

مهزولاً ...

 

مهزوماً... في معركة ذكريات التي ابتدعها فأصبح فارسها وفرسها ... أو على أقل تقدير بطلها ... أو حتى حياتها وموتها ...

ولم يتذوق طعم النصر ...

لا فرق ....

نعم لا فرق ....

ففي عتمة الذكريات تستوي جميع الأشياء ومختلف الألوان  .

*****************

*****************

 

إنها الثانية عشر ليلاً...

إنها الثانية عشر ليلاً...

إنها الثانية عشر ليلاً...

*****************

 

الآن أدركت .... والآن اكتشفت  ....

أن حُلوَ الشراب ومتعته هو يوم الولادة السعيد .

ولادة سيدة الزمان والعصر...

ومُرُّ اللفافة وطعمها هو يوم الموت البغيض .

 

موت سيدة زمان والعصر ....  

بالغ السخرية أن يولد إنسان يوم موته !!!!!

فيغدو هناك احتفالاً بولادة ....

وبجانبه احتفالاً بموت ...

2011-10-08
التعليقات