syria.jpg
مساهمات القراء
فشة خلق
الإبداع بين (الكم) و (الكيف) ... بقلم : صفاء شاهين

لا جدال في أن أهم الإشكاليات التي تواجه الإنتاج الأدبي في مستواه العربي والعالمي هو مدى اقتراب هذا الإنتاج من، أو ابتعاده عن الالتزام القيمي والغائي، بما يعني أن تكون أمام المبدع قيمة أو غاية يسعى لتحقيقها، ولا يكون الأمر مجرد إغراق الساحة بكم من الإنتاج الإبداعي يعتمد النص الجيد وتوظيف الكلمة، المنمقة المنغومة، توظيفاً راقياً.. ثم لا يجد المتلقي قضية أو قيمة أو غاية في هذا الإنتاج.


ولا جدال في أن الساحة الأدبية، تأسيساً على ما قدمنا، لا تعاني فقط وجود كتاب لا يبدعون، أو  (قلة) الإبداع الأدبي بجميع أشكاله وصوره رغم (كثرة) هذا الإنتاج، بل تشتكي أيضاً من وجود (مبدعين) لا يلتزمون بغايات أو أهداف سوية ومحددة، بحيث يتضح للمتتبع الموضوعي أن غالبيتهم يكتبون لمتلقين لا يعيشون بينهم... وهو ما نراه في هذا الكم الهائل من النصوص التي لم تحقق ما تأمله القاعدة العريضة من المتلقين من إبداع (غائي) يخاطب الوجدان والحس الإنساني ويرقى بالوعي والذوق لدى الناس دون أن يخدش هذا الإبداع الفطرة... ودون أن يتصادم مع الشرائع والتقاليد والقيم النبيلة.

 

فالقيمة والغائية ثنائية تفتقدها بعض الأعمال الإبداعية في المجال الأدبي كما يفتقدها الإبداع في بعض المجالات الأخرى. فعلى المستوى العلمي - على سبيل المثال - كان اختراع (القنبلة الذرية) إبداع علم متفوق، لكنه من منظور الغاية النبيلة والأهداف السامية كان إبداعاً ضاراً جلب على البشرية المصائب والدمار.... وهكذا العديد من المنجزات العلمية التي ظاهرها (الإبداع) وباطنها الضرر والتصادم مع الفطرة والقيم المتعارف عليها.

 

فالإنتاج الأدبي المفيد، أو ما أسميناه (الإبداع الملتزم) هو الذي ينطلق من فكر جيد ومن نصوص موضوعية، لكي يحقق أهدافاً سامية تشبع الحاجات السوية للناس وترتقي بالحياة البشرية لتأصيل وتجذير إنسانية الإنسان.

 

وبهذا الصدد فإنه يبدو لنا أن الأمر لم يعد يستلزم توصيف تلك الأهداف النبيلة والغايات السامية مما يندرج تحت لافتة الحفاظ على سلامة الأداء وقوته، ومعالجة القضايا الاجتماعية والثقافية وسواها من المسائل الأساسية الأكثر إلحاحاً في حياتنا العربية الراهنة، والدفاع عن تقاليدنا وتراثنا وقيمنا وأروماتنا وطموحاتنا، وتحصين أدبنا العربي وحماية لغتنا، وتقديم التجارب الذاتية للآخرين، وترقية الوعي والذوق لدى المتلقين.. وسوى ذلك مما له صلة عضوية بالإبداع الملتزم... فإبداع الفكرة والهدف لا يقل عن إبداع النص.

 

ولكي يتحقق الجمع بين إبداع النص وإبداع الهدف لابد أن يعايش الكاتب مجتمعه وبيئته وواقعه المعيش والطموحات المستقبلية لجماعته.. ولابد من إعمال الفكر في مختلف مفردات جوانب الحياة، فهو وحده الذي يشكل المدخل الأساسي، والمطلوب، لعملية الإبداع.

 

وعملية تحقق الأهداف والغايات لا تحتاج إلى رقابة استثنائية وتنظيم متفرد يأتي من خارج المبدع، وإنما سلطان ذلك هو (التزام) المبدع نفسه من منطلق مسؤولية الكلمة وخطورتها ووظيفتها. والعلاقة بين التزام المبدع والإبداع الملتزم علاقة جدلية نوعية.. بمعنى أنه كلما كان المبدع حريصاً على تحقيق أهداف سامية وغايات مرتقية، قدم إبداعاً ملتزماً وهادفاً ونافعاً. والمبدع الذي نعنيه هنا هو الذي يحسن بطبيعة الحال تقديم أفكار ويملك ناصية الكلمة.. ولكن ما يعيبه هو عدم توصيف ماهية هذه الأفكار أو تحديد وتوجيه أهدافها وغاياتها، أما الذين لا يحسنون تقديم أفكارهم فهؤلاء لا تعنيهم هذه السطور، لأنهم ليسوا بمبدعين، حتى لو حسنت نياتهم وغاياتهم وأهدافهم!

 

2011-09-26
التعليقات