بعد يوم حافل قطع فيه مسافات طويلة سيرا على قدميه جلس على المقهى يستريح،
طلب مشروب العـِـناب و أخذ يحتسيه ببطء و هو يتفرج على الشارع المزدحم بالمارة بينما رأسه مزدحم بالأفكار، أخذ يستعرض أحداث اليوم و التي لم ينتج عنها أي شيء إيجابي، لم يعد الفشل يسبب له إحباطا، أصبح يتلقاه ببرود من كـِـثـَـر ما تعرض له.
مرت به سيارة كبيرة يقودها رجل فخم، ثم سيارة إسبور يقودها شاب وسيم، بعدها بلحظة ركنت أمام المقهى سيارة قديمة يغطيها الصدأ و بها العديد من الخبطات و نزل منها رجل في منتصف العمر يبدو من ملابسه أنه صنايعي و جلس على المقهى غير بعيد منه، سأل نفسه "هل توجد علاقة بين نوع و حالة السيارة و شخصية صاحبها؟"، أعجبه السؤال، قرر بينه و بين نفسه أن هذا موضوع مهم و فكرة جديدة تستدعي تأليف كتاب يتناول هذا الأمر بالبحث و الدراسة، بالتأكيد هذه فرصة للثراء إذا أحسن اختيار الناشر.
مر أمامه العديد من الشبان، كثير منهم يرتدون قمصان و فانلات مكتوب عليها مختلف الكلمات و العبارات، بعضها بالعربية و أغلبها بالإنجليزية، هذه ظاهرة أخرى تستحق الدراسة، هل المكتوب على الملابس يعكس شخصية صاحبها؟ هل هؤلاء الشباب عندهم نزعة استعراضية؟ و أيهما يأتي أولا؟ هل اللابس يختار العبارات التي تتناسب مع شخصيته أم أن الشخصية تتغير لتوائم المكتوب؟ هذا موضوع آخر يحتاج لكتابة كتاب، طبعا عليه أن يقوم بالأبحاث و الدراسة أولا.
أخذ يرشف العِناب البارد ببطء و تلذذ، نظر بتمعن للعديد من النساء السائرات أمام المقهى، سأل نفسه "ترى هل قوام المرأة له علاقة بشخصيتها؟ هناك الرفيعات و الممتلئات، القصيرات و الطويلات، أهناك صفات معينة تجمع ما بين صاحبات القوام المتشابه؟" فكر بعمق و استنتج أن صاحبات الصدر الكبير يغلب عليهن الطيبة و الكرم، أرجع ذلك إلى سيكولوجية عملية الإرضاع، فصاحبات الصدر الكبير بغض النظر عن كونهن أمهات أم لا عندهن الشعور بأنهن على استعداد لإرضاع العالم أجمع، هذا الشعور هو سبب طيبتهن و كرمهن، بالتأكيد هذا موضوع آخر يمكنه أن يكتب عنه كتاب بعد إجراء الدراسات و الإحصائيات اللازمة، و بالتأكيد سيعود عليه بعائد مادي محترم.
توجه إلى منزله، بادرته زوجته متسائلة في تحدي:
ـ ماذا جرى اليوم؟ هل عثرت على عمل؟
أجابها بصوت حاول أن يضع فيه بعض التفاؤل:
ـ مررت على العديد من الشركات و حصلت على بعض الوعود.
ـ و لكن هذا ما تفعله يوميا منذ أكثر من ستة أشهر، مقابلات و وعود بلا نتيجة.
أجابها بلهجة محايدة:
ـ أنا أفعل ما علي و الباقي على الله.
انفجرت فيه بصوت عال متوتر قبيح:
ـ لا، أنت لا تفعل ما عليك، لو كنت تفعل ما عليك لكنت تعلمت القراءة و الكتابة أولا، طبعا لن يـُعـَـيــِن أحد شخصا أُميا في أي وظيفة.
استمرت في الصياح و الشكوى بطريقة هجومية، نظر إليها بتمعن و قد ضبط حواسه و حالته النفسية بحيث لا يسمع ما تقول، أدرك أنه وقع في خطأ فادح، فزوجته رغم صدرها الكبير في غاية الشراسة و العدوانية.
الأستاذ المحترم شريف رفعت : أضحكتني كثيرا فهي كالدعابة وعنصر المفاجأة في أخرها يدعو للضحك . والتفكر مليا . من أين تأتي بهذه الأفكار .