أفتقدكِ يا غاليتي
كلما مرَّ الوقت ازددتُ تعلقاً بك واشتياقاً إليكِ، ورأيتُك أمامي في كل زاويةٍ من بيتنا
أسمعُ وقع خطواتك مع كل صباح عندما تستيقظين وتفتحين باب الشرفة لتشربي قهوتَك الصباحية أو لتنشري غسيلك الناصع البياض كقلبك..
أسمع وقع خطواتكِ عندما تقومين لتحضري لي الشاي وطعام الفطور اللذيذ من يديكِ الناعمتين..
كنتِ تحضرين الأكل وتطبخين الطعام بنشاطٍ كبير، وكم كان طعامك لذيذاً!
كلما حدثت قرقعة خفيفة خِلْتُكِ أمامي مستيقظة تحاولين ألا يكون لوقع قدميكِ صدىً أو صوتٌ عالٍ لئلا أستيقظَ صباحاً.
كلما نظرتُ إلى صُوَرِكِ اعتصر قلبي حزناً وألماً وشوقاً، فأنا مشتاقةٌ إليكِ جداً..
مشتاقة إلى وجهكِ وصوتِكِ وحضورِكِ..
مشتاقةٌ أن أراكِ تجلسين على الأريكية تنتظرين مجيئي كي تحضري لي احتياجاتي..
كنتِ توقظينني عند الصباح ثم تشربين قهوتك الصباحية، وبعد الظهيرة تعودين لتشربي قهوة العصر، فأنتِ تحبين القهوة، وقد علَّمتني شربها منذ أن كنت طفلةً صغيرة، والآن وبعد رحيلِكِ لم أعد أغلي القهوة ولم أعد أشتريها كثيراً، إذ يطول الوقت حتى أشتري كميةً جديدة.
*******
لقد رحلتِ قبل الأوان.. رحلتِ باكراً قبل أن أحقق لكِ أمنيتك بأن أصبح عروساً، وقبل أن تري أحفادَك مني. كنتِ تقولين لي: "أريد أن أعيش مدةً أطول لأرى أولادَكِ" لكنَّ القدر لم يمهلْك لتفرحي بي.
ليتني استطعتُ أن أحقق لكِ أمنيتَك، لكنَّ الأقدار تعاكسنا أحياناً..
لقد أسعدكِ الله بحفيديكِ من ابنكِ؛ إذ سعدتِ بهما كثيراً أكثر من أي شيءٍ آخر في دنياكِ وحياتكِ الشخصية..
لم يكن لهما مكانٌ سوى حضنِكِ، ولم يدخلا إلى بيتنا إلا ركضاً وصياحاً ليرَوْكِ... كانا يقرعان الجرس بسرعةٍ وقوة ويقولان: "افتحي يا تيتا"..
لا يمكن لأحدٍ أن يتصور مقدار السعادة التي ترتسم على وجهكِ بمجيء حفيديك الصغيرين.
لقد امتلأت حياتُكِ بهما لا بل كانا كلَّ حياتكِ..
لقد عرفا مخابئَ الحلوى في بيتِكِ، وخصصا لنفسيهما مكاناً في بيتِكِ وقلبِكِ، وشبعا من حنانكِ وحبك ودلالِك لهما، حتى إنهما يذكران اسمَكِ حتى الآن، ولا ينسيانه..
كانت لحظات العيش معهما أجملَ الأيام، وأكثر الأمكنة بؤساً كانت تصير جنةً لكِ معهما..
والآن أخذتُ منكِ ذكرياتِك معهما وبقيتْ في ذاكرتي ولن تُنسى....
لقد بقيتُ على خُطاكِ في دلالهما ومحبتهما، ولم أغيرْ عاداتِكِ معهما.. فمازالت مخابئ الحلوى ظاهرة، ومازالت كلمات الحب سارية، ومازال القلب يفرح للقائهما...
*******
آهٍ يا غاليتي... كم افتقدتكِ وسأفتقدكِ
في كلِّ لحظة، وفي كل حركة..
مع كل لفتةٍ ومع كلِّ همسة..
لقد تركتِ لي أجملَ الذكريات........
لقد كنتِ سري، أودعكِ إياه بحزنه وفرحه، وكنتِ تخبئينه في صدركِ الكبير، ورغم أنَّ المرضَ استقرَّ فيه لكنه بقي صامداً عدداً من السنين من أجلنا..
بقي صامداً يدافع عن حقه في الحياة من أجل الأولاد.. ثم من أجل أولاد الأولاد
والآن لم يعد يعني لي بيتُنا شيئاً كبيراً أو لم يعد ذا أهمية، فبيتُنا ارتبط بكِ وإذا لم تكوني فيه فهو لا يخصُّني..
كنتُ أعمل فيه من أجلكِ، كنتُ أنظفه لتسعدي بجماله، وكنتُ أحاولُ أن أريَحكِ من أعبائه.
أما الآن فلم يعد يعنيني هذا الأمر كثيراً، لقد بهتَ لونه من دونكِ، واكتأبَ لغيابِكِ...
*******
آهٍ يا غاليتي لو أنكِ تعودين مرةً واحدة كلما اشتقتُ إليك لأراكِ وأضمَّكِ وأشبعَ منك قليلاً، فالمحكوم عليه بالسجن يمكن لأهله أن يرَوْه أو يزوروه، لكنَّ غيابك وسجنكِ لا رجعةَ فيه، ولا سبيل للقائك بعد الآن أبداً..
نحن الأبناء لا نريد لأهلنا أن يغادرونا أبداً مهما طال بهم العمر أو تقدم الزمان، يريد الأبناء أن يكون الأهل رمزاً خالداً مثل الأهرام والآثار الخالدة..
تصوروا أنَّ الحجارة لا تموت بل تظلُّ باقيةً على مر الزمان ونراها شامخة بعد آلاف السنين، والإنسان يموت ويفنى جسمه ولا نستطيع أن نراه، لكن يبقى عزاؤنا أنه خالدٌ في السماء لا على هذه الأرض الفانية..
*******
غاليتي...
مهما قلتُ لا أستطيع أن أقولَ ما بداخلي، كنتِ تحبين كثيراً أن أكتبَ عنكِ، وأنا كنتُ أتجنب ذلك، لئلا تفيض عواطفي أو تظهرَ محبتي، لكن مع ذلك كتبتُ عنكِ قليلاً، والآن أكثر وأكثر، لم أكن أحبُّ أن تذهبي من جانبي...
فهل عرفتِ مقدار محبتي لكِ؟ كنتِ تشكّين بذلك لكن يأتي تصرف مني لينفي كلَّ شكوككِ، أنتِ بالتأكيد تعرفين مشاعري، وأنا حتماً أعرف مشاعرَكِ نحوي، لقد أحببتني لدرجة أنكِ جعلتِني همَّكِ، كنت تحملين همّي في صدركِ الذي ناء عن حملِ أعبائي مع مرضكِ، فأتعبناكِ كلانا كثيراً...
لقد ارتحتِ الآن من كل شيء، وصرتِ ملاكاً في أعالي السموات، كل الناس يقولون عنكِ إنك ملاك، وإنكِ لستِ من هذا العالم... فارحلي إلى عالمِكِ واستريحي هناك حيث بيت الراحة والرحمة...
اتركي هذا العالمَ الزائل، واجلسي في أحضان الإله الكبير الذي يعطي الحنانَ والرحمةَ للمتعبين..
أما أنا فلن أنساكِ أبداً، ستبقين في زوايا البيت كلِّه، وستكونين معي أنّى ارتحلت، واسلمي لي يا غاليتي ذكرى دائمة مهما طالَ الزمان....
5 / تشرين الأول / 2011
أي شعاع يبهر القارئ بما ينشره من عطف وحنان في ذهنه ونفسه و روحه حين يلقاه ، رحم الله والدتك و كل الأمهات المخلصات ،و أسمحي لي بهذا المرور السريع
عزيزتي الأنسة هنادي زكي أبو هنُّود . لك الله . فوالله لقد بكيت كثيرا . لقد حركت الحجر القابع في صدري . فهذه المشاعر التي كتبت هي أصدق مصاديق الحب النقي الذي لايشوبه نفاق . رحم الله والدتك الملائكية التي انجبت ملاك بمشاعره . يحكى أن ابراهيم الخليل (ع) لما جائه داعي الموت قال له قل لله أرأيت حبيبا يميت حبيبه . فما لبث أن عاد إليه بالجواب فقال . إن السلام يقرئك السلام ويقول أرأيت حبيبا لايحب لقاء حبيبه . فتبسم ابراهيم (ع) وقال أسرع بي للقاء . اللهم ارحم والدتها واجعلها في رحاب جنتك
الله يرحمها ويعينك على فراقها.. مع انو النص مانو محترف بس اثر فيني كتير لانه صادق وطالع من قلبك.. بتمنالك النجاح بحياتك والسعادة وان شاء الله بتحققي كل احلام المرحومة امك .