كيف هي الحياة من بعدي؟
كان هذا سؤاله المقتضب لامرأته. لامرأة ما اعتادت الإجابة لكنها اعتادت فعل الإيماء والإيحاء. في ذلك اليوم شعرت أن السؤال يحاصرها، يلاحقها، ينام معها في السرير ويخترق حرمة حمامها الصغير.
كان السؤال يقفز من عناوين الكتب وكلام الأفلام ونفاق الممثلين. نعم كيف لها أن تجيب. في مطبخها الأنيق، كانت حبوب الفلفل تروي حكايات انتظارها لوجبات مسائية مترعة بالطعم اللذيذ. كان إناء الملح يعكس ابتسامة رجل ساخر وحنون أمام كل نصائح الطب وارتفاع الضغط ووجع شرايين الحب والقلب. فكيف لها أن تجيب، وخزانة ملابسها تتنطح بعشرات الفساتين، التي كانت تنتظر دورها برفقته، نعم كانت تتحضر تلك الفساتين لطقوس غناء، احتفال ، احتفاء ساخر بألقاب حب مجنونة أو ربما ملغومة بعطاء قد يفشل لاحقا لكنها ما كانت تهتم.
فقد أدمنت الفساتين لغة الوعد كصاحبتها ، لماذا عليها الآن أن تجيب؟ . كامرأة ظلت معلقة ما بين سماء السؤال وأرض الإجابة. كمشنقة التفت حولها، حول رقبتها ، كانت حقيبة ذكرياتها المرمية على أرض طاولة مترعة هي الأخرى، بأوراق الملاحظات، أوراق المواعيد، أوراق قلب عاش مشغولا لفترة بحدث لطالما ظنه كبيرا، كبيرا اكثر مما يجب وأكثر مما يليق بحب عابر.
هناك في مكان ما داخلها بحثت كدجاجة يتيمة، عن صندوق سحري، عن آلة تسجيل عتيقة، عن صوت رباني كان يغازلها وهما، يباغتها في الليل ويوقظها في النهار، صوت لا يشبه صوت رجلها، لكنه صوت أليف داخلها. صوت اعتادت عليه، أدمنته حتى الثمالة. كانت تخبره عن يتم مشاعرها المراهقة، عن هموم جمالها المغبر بترهات الموضة، عن حماقة حلاق الشعر النسائي، وعن تطاول بقال مخبول، وعن إدمانها المبكر على حضور أفلام رعب خسيسة، عن شعرها الأشقر المصبوغ وعن طلاء أظافر جف في انتظار موافقة رجل. لم يمنحها شرف الموافقة يوما على طلاء أظافرها بألوان الشجر والسحر ، كما لم يمنحها صك الإذعان لبأس أحلامها، أحلام امرأة ..عليها أن تجد إجابة تليق ، بسؤال رجل أحمق.. عن حياة امرأة ضالة في قاع بئر جفت فيه مياه الذكريات.. ويصدح فيه فقط صوت آلة تسجيل ربانية .. بأحاديث فيها رعب الوحدة والبعد والخواء.