syria.jpg
مساهمات القراء
قصص قصيرة
فـارس قريـتـنا ( 2 ) ... بقلم : ياسر محمود حاحي

لمحة عن الجزء الأول

فكر فارسنا مليً في هذا لأمر قبل أن اتخاذ قراره


فتارة يتلبسه شيطان الفرار ويفكر بالفرار من القرية بعيدا" عن النظرات

التي أوشكت على قتله

 

ولكن كيف يهرب وهو فارس ٌ لم يعتد على الفرار من أرض المعركة

كان هذا عليه أصعب من نظرات رجال القرية

وتارة أخرى يتلبسه شيطان الخيانة ويقول له تزوج فتاة من فتيات القرية

وحينها تستطيع التخلص من نظراتهم القاتلة

 

وكان هذا الأمر عليه أصعب من سابقيه

لأن ليس هناك مكانا" في عالم أخلاقه للخيانة

فالخيانة شيء ٌ كبير عليه وأن فعلها سيتخلص من حقد رجال قريتنا عليه

ولكنه في المقابل سيضع سهم الخيانة في صدر فتاة المدينة التي يحمل سرها

أفكار كثيرة وشياطين ٌ كثيرة زارته في ليلة ً غريبة

 

الجزء الثاني

 

قرر  فارسنا أخيرا" أن يبوح بسره ويضع بين عيون رجال قريتنا عذره

و أن يدعو وجهاء ورجال قريتنا

وكان مكان الدعوة داره المتواضعة التي يسكنها مع أبويه الكبيرين

 

وأختٌ في الثاني عشر من عمرها

وأخا" قد تجاوز العشرين من العمر

هذه الدار البسيطة التي تتألف من حجرتين صغيرتين

فراش هذه الدار بسيط كل البساطة

حصيرها من القش وفراشها من القطن الذي لا يشبه بقسوته القطن بشيء سوى في تسميته .......

أما سقف الدار كان من أخشاب شجرات يابسات وبقايا من قش الحصير

 

سقف لا يقي من أمطار الشتاء وهذا بحسب غزارة الأمطار أو قلتها

ولكن تحت هذا السقف نشأ فارسنا وتعلم الأخلاق والكرم والجود من والديه .........

كانت هذه الدار يومها هي مقصد وفد الوجهاء والرجال

وحين أقبلوا أجلسهم الوسيم في حرم الدار الصغير وهو كما نقول عنه اليوم (أرض الدار)

لأنه لم يكن في داره حجرة تستوعب هذا الكم من الزوار

بل أظنها لا تستوعب حتى قليلهم

 

بعد أن قام في واجب الضيافة الخاصة التي عرفت عنه

لشدة كرمه رغم أنه فقير الحال ولكنه نشأ على هذا وأصبح الكرم عنده وكأنه الماء والهواء يستقر في جسده

حينها سأله أحد الوجهاء بل كبيرهم وهو شيخ قريتنا

ما خطبك أيها الوسيم أظن في نفسك شيء ً ما ؟

يجبه فارسنا نعم أيها الشيخ الجليل فأن في داخلي

 

رماح تؤلموني وسيوف تقطع أحشائي وأوشكت أن تقتلني

تفاجأ الشيخ لهذه العبارات السوداء التي تحمل في كل واحدة" منها ألف سؤال

فبدأ الشيخ الاستفسار عن سبب هذه الجمل

فقص عليهم فارسنا سبب وجعه وما يؤلمه من نظرات رجال القرية

وقص لهم عذره وسر فتاة المدينة

قال لهم عن تلك الفتاة التي يعشقها وتعشقه منذ خمس سنوات

 

وبأنه أقدم على خطبتها من أبيها مرات عدة ولكن أبها كان يرفض

في كل مرة يتجرأ بها ويذهب إلى قصر أبيها ويطلب يدها

وبأن أمله لم يمت وسيبقى يحلم ويأمل بأن تصبح زوجته يوما" ما

ثم سأله الشيخ مقاطع ٌ وهي هل تريدك أيها الوسيم

أجبه فارسنا نعم أيها الشيخ الجليل وأن لم تكن كذالك فما الذي يمنعني من الزواج إذا

ولكن أباها هو الذي يقف في طريق سعادتنا

 

يقاطعه الشيخ مرة أخرى قائلاً وهل هي من قريتنا ؟

سيطر الصمت على لسان فارسنا للحظات قليلة

و أجابه وهو يبدو عليه حصرت القلب

لا يا شيخنا إنها من المدينة

وحينها تفاجئ شيخنا ووجهاء القرية عندما علموا منه بأن تلك الفتاة

هي ابنة والي المدينة المعظم أدام الله فضله .

 

وللعلم تلك الفتاة تدعى فيروزه التي أعجب بها فارسنا حين كان في أحدى المعارك التي غزت بلادنا عندما حاصره أربعة ٌ من جنود العدو وكان أحدهم قد استعد لتوجيه ضربة غدرا" نحوى فارسنا في ظهره لولا لطف الله كان السيف اخترق ظهر فارسنا

وهنا كان للقدر مكان في أرض المعركة إذ أن رجل ٌ ملثم ٌ من جيشنا أدرك الموقف وأنقذ فارسنا من ضربة محققة قد لا يقوم بعدها

وحينما انتهت المعركة كان لا بد من فارسنا أن يشكر ذلك الملثم

 

وكانت المفاجئة حين علم فارسنا أن من يختبئ خلف ذاك اللثام لم يكن

رجل بل كانت فتاة ويا لها من فتاة جميلة

وراح يتأملها وشك للحظة بأنها قطعة ٌ من القمر لذلك الجمال الذي يختبئ في وجهها

وأصبح فارسنا يجهل كل كلمات الشكر

بل أصبح وكأنه الأبكم الذي لا يستطيع النطق

لما َ لا وهو للمرة الأولى تلفت نظره امرأة

 

بل سرقت فيروزه حينها قلبه بنظرة أو دونها بقليل

وجعلته يسأل نفسه ألف سؤال

وحين عاد فارسنا إلى نصابه راح يسألها تلك الأسئلة التي لم يجد لها جواب في نفسه

وعلم منها بأنها ابنة والي المدينة وبأنها شاركت في بعض المعارك التي غزت المدينة وبأن أبيها يجهل هذا الموضوع

حديث طويل دار بينهما

 

علم من خلال حديثها أنها معجبة بشجاعته بالمعارك والحروب وبما سمعت عن أخلاقه الحميدة

وكان هذا سبب كشف لثامها وهويتها أمامه

هكذا بدأت قصتهما معا" وبقيا على تواصل مستمر

وكان فارسنا كلما جالسها شعر بالراحة التي ما بعدها راحة

 

وكان شعور فيروزه ذاته لا يقل عنه في شيء بل أظن كان يكبر عنه بعض الشيء لأنها هي من صارحته ذات يوم بحبها له

وكان مكان ولادة هذا الحب في أرض كل معركة جمعتهما

وإما عن فارسنا كان قد اعترف لها بأنه وقع في حبها منذ اليوم الأول الذي رآها به

ولكن الذي كان يمنعه من قبل تلك الفوارق الاجتماعية وأهم تلك الفوارق بأن أبيها هو والي المدينة المعظم

ولكنها تطلبت منه أن لا يقيس حبهما بهذا المقياس الذي لا تهواه ولا تطيقه

 

وخلال تلك السنوات الخمس كان فارسنا قد طلبها من أبيها زوجة له

مرات عديدة لا تقل عن خمس ولا تكثر عن خمس

كان في كل عام يكرر المحاولة اليائسة التي كانت تتكلل بالفشل في كل مرةِ

يفعلها ولكنه لم ييأس ولم يمت حبه لفيروزه بل على العكس كان هذا الحب ينضج شيء فشيء حتى أنهما وصلا لمرحلة العشق الذي لا يستطيعان بعده التخلي عن بعضهما حتى يفرقهما الموت أو يجمعهما

 

وكان رفض فارسنا لفكرة الزواج من القرية هي أكبر دليل عن مدى حبه لفيروزه واكبر دليل على وفائه لها

رغم تلك الضغوطات التي لاقاها من أهل قريتنا إلا أنه بقي متمسك بهذا الحب الذي قد يكن ميتً ومستحيل تحقيقه في نظر الجميع

إلا أنه كان حي في قلبه لأنه مؤمن أن لا من مستحيل ما دام الصبر هو القاضي بينه وبين والي المدينة

ولأن رجال قريتنا وعلى رئسهم شيخها أصابهم شيء من الخجل من أنفسهم بعدما استمعوا لعذر فارسنا

قرروا بان يقدموا له يد المساعدة بهذا الخصوص

 

واتفقوا على أن يقصدوا قصر الوالي ويطلبوا فيروزه لأبنهم وابن قريتهم

سٌرَ فارسنا لما سمعه ولكنه في نفس الوقت شعر بالخوف بعض الشيء

لا خوف الجبان من شيء ما

إنما هو خوف العاشق على عشق ٍ قد لا يكتمل

وبالفعل بعد مرور أيام قليلة لم تتجاوز الثلاثة أيام

 

وفى شيخنا ووجهاء قريتنا بوعدهم وأخذوا معهم فارسنا وقصدوا قصر الوالي

كان فارسنا في تلك اللحظات وهم في طريقهم إلى القصر

يتفاءل حين ً و يتشاءم حين

ولم يكن يشغل تفكيره حينها سوى رد الوالي هذه المرة

 

 

 

ترى ما الذي سوف يحدث انتظروني في الجزء الأخير

 

2011-11-09
التعليقات