بقينا نمدح (الفيسبوك) في الزوايا السابقة حتى ظن بعض القراء أننا سنورِّثه.. الآن سنقف مع واحدة من مثالب الفيسبوك.. وربما هي من مثالب الديمقراطية أيضاً..
وتنسحب على هذا العالم الافتراضي الذي يتيح بديمقراطية مطلقة لأي شخص مهما كانت درجة ثقافته واطلاعه.. مهما كانت متابعته للأحداث السياسية والاقتصادية معدومة.. تتيح له أن ينظّر في كل شؤون الحياة.. الثقافة والسياسة والمجتمع والاقتصاد.. وحتى الرياضة والفن.. وأن يسفِّه رأي أي كاتب أو مثقف أو مختص أمضى عمره في نبش المعرفة ومراودة الحرف.
الفكرة يكتبها الشاعر رائد وحش فيقول::
على سبيل المثال.. لو كان طه حسين حيّاً وكانت له صفحة شخصية على (فيس بوك..) لما توانى بعض الصبيان عن شتمه والتعريض به، على اعتبار أنه متعالٍ معرفيّاً، أو لا يعجبهم، أو لأي سبب صبياني آخر.. فلغة وفكر صاحب (في الشعر الجاهلي) و(مستقبل الثقافة في مصر) ستبدوان غريبتين عند من لم يكملوا قراءة كتاب في حياتهم.. وسيبدو (أعني طه) مجرد مريض نفسيّ يريد التعويض عن عاهته بالجرأة الفكرية.
ومثل (عميد الأدب العربي) سيأتي من يقول مثل ذلك لبدر شاكر السيّاب أو غسان كنفاني أو أمل دنقل أو نزار قباني أو.... إلخ.
* * *
وعلى سيرة الديمقراطية فقد غادر الرئيس البرازيلي لولا دي سيلفا مقر الرئاسة بعد أن استنفد دورتين رئاسيتين حسب الدستور البرازيلي.. عن هذا الموضوع تكتب صفحة المحشش السوري الإلكتروني التي تقدم نفسها سخرية حيادية اجتماعية ناقدة.. وهي تحاول فعلاً أن تكون حيادية بمعنى التهكم على سلبيات السلطة والمعارضة، فتورد الخبر كما يلي مع التعليق:
من كلماته في خطبة الوداع: (أنا أغادر الرئاسة. لكن لا تعتقدوا أنكم ستتخلصون مني
لأنني سأكون في شوارع هذا البلد للمساعدة في حل مشكلات البرازيل).
الرئيس البرازيلي المنتهية ولايته، لويس إناسيو لولا دا سيلفا يودع شعبه في نهاية فترة ولايته بالدموع.
كان المشهد مؤثراً وقد شاركه البكاء جموع الشعب البرازيلي الذين يحملون له مشاعر الود وهو الذي نشأ نشأة فقيرة وكافح حتى وصل إلى سدة الرئاسة. وعمل ماسحاً للأحذية.. في ضواحي ساوباولو، وعاملاً بمحطة بنزين، وخراطاً، وميكانيكي سيارات، وبائع خضار. وهو من أبرز الزعماء السياسيين الذين خرجوا من رحم الفقر والتهميش إلى قمة هرم السلطة. فلما انتهت ولايته لم يملك إلا البكاء وسط محبيه.. شاركوه البكاء نعم.. أحبوه من قلوبهم نعم.. أخلصوا له طوال فترة ولايته.. نعم، ولما أزف موعد الرحيل ودّعوه بالدموع.
لم يُرَ من بينهم واحد يهتف بالروح بالدم
لم يخرج من يطالب بتعديل الدستور ليبقى الرئيس مدى الحياة).
* * *
الشاعر والباحث الدكتور بشار خليف ينقل حواراً افتراضياً بين الإسكندر الأكبر ومجنون يسميه م:... والإسكندر أ:
(م: ابتعد يا هذا إنك تحجب دفء الشمس عني.
أ: أيها المجنون أنا لست مجرد رجل، أنا الإسكندر الأعظم.
م: و لماذا أعظم أنت؟
أ: غزوت نصف العالم.
م: ثم ؟
أ: سأغزو النصف الآخر وأصبح سيد العالم
م : ثم ؟
أ : سأعود إلى وطني)
* * *
الصديقة اليمنية عهد الحضرمي تطرح فهمها (النسائي) للديمقراطية.. فتكتب: ليست الديمقراطية أن يقول الرجل رأيه في السياسة دون أن يعترضه أحد. الديمقراطية أن تقول المرأة رأيها في الحب... دون أن يقتلها أحد.
* * *
وللمرأة والحب نصيب الأسد من اهتمامات ضيوف الفيسبوك.. وهذا من طبيعة البشر... وربما كان هذا الفضاء أكثر مكان يبث فيه العشاق والشعراء لو اعجهم ونظرتهم إلى المرأة والحب.. والجمال:
على صفحة لقمان ديركي يكتب سام عزيز:
الجميلات...كجميع ثورات الربيع العربي إذا تزوجت تحجبت (النهضة والعدالة والحرية)نموذج
الجميلات..ككل الماركات العالمية.. يأتي يوم أوكازيونهن وديسكاوندهن وسولدهن.
الشريرات أغلبهن جميلات.
عندما رأيت الأسماك تتراقص علمت أنكِ تستحمين في الجهة الأخرى.
عام 2012 عندما تقول لفتاة أحبك! ستنتظر قليلاً حتى تأتيك البشرى على جوالك (لقد تم تفعيل حبك بنجاح)!
* * *
ويكتب الأديب يحيى جابر على صفحته نصاً يماهي بين الشجرة والمرأة بأسلوب جميل...
(لن أصدق الأشجار.. أذكر شجرة رشقتني بالفوؤس, وأخرى صمّغتني, أذكر شجرة عرّتني من أوراقي وتركتني كرضيع في مهب الثلج.. وشجرة دبّستني بخروب الظلام، وشجرة فلّعتني من جذوري وأطعمتني لنمل القلق.
لن أصدق الأشجار..من المرأة السروة التي جرّتني إلى ضريحي لتنوح فوق قبري.. والمرأة الصفصافية التي نزّهتني قرب نهرها ثم دفشتني لأغرق.. والكستنائية التي رمتني في موقدها وتركتني أُفرقع بقشوري.. والمرأة النخلة التي أغوتني بتمرها، واللوزية بفمها، والخوخية بخدودها، والأجاصية بمؤخرتها، والكرزية بحلمتيها، والتفاحية بنهديها..حان الوقت لتحطيب ذكرياتي مع أشجاري..ثمة شتاء قارص في الطريق..).
* * *
واحة الأدب
سبق أن كتبنا في العدد الماضي أننا سننشر في هذه الزاوية أسبوعياً نماذج من نصوص كتاب الفيسبوك، وسنحاول التركيز على الكتاب غير المكرسين.. الذين لا توجد لهم كتب مطبوعة ولا ينشرون في الصحافة الورقية.. منهم الصديقة خزامى علي.. نقرأ لها هذا النص:
(حلمت الصبيّة أن:
بين أصابعها نبت الماء
وأن خرافاً تململت عند ضفة النهر
قضمت عشباً وشربت حتى الارتواء
وفي الضفّة الأخرى لمحت راعياً،
... يكش بعصاه هبوب الريح
وينتزع أشواكاً علقت أسفل قدميه
نادته بصوت عال:
أيها الراعي: تريد خرافك؟
قال : لا.. أريد الماء وأريد الناي!
بكت الخراف وضجّ المنام
وعلى صوت الأنين أفاقت الصبيّة....)