بعد أن تحدثنا في مقالتنا السابقة عن مفهوم العَــلـْمانية والفرق بينها وبين العِـلْــمانية ومكان وزمان وأسباب ظهورها، نتحدث في هذه المقالة عن كيفية انتقال فكرة العَـلـْمانية إلى المنطقة العربية وكيف تم فهمها والنظر إليها، وما هي الاتجاهات التي نتجت عن فهمهما لاحقاً.
لا بد من التذكير أولاً بأن أول احتكاك مباشر مع الحضارة الغربية والفكر الغربي الحديث كان من خلال الحملة الفرنسية على مصر عام (1798 – 1801) والتي كما يعتقد الدكتور لويس عوض[1] "بأن الحملة الفرنسية و ما تلاها من اتصال مستمر بين مصر وأوروبا تعتبر عاملاً فاصلاً في تكوٌّن الأفكار السياسية والاجتماعية بالمعنى الحديث في مصر خاصة وفي العالم العربي بوجه عام.
وقد تجلى ذلك من خلال التجارب المختلفة لبناء هيكل الدولة وتنظيمها السياسي والإداري والقانوني على الطراز الحديث إضافة إلى التطورات الاقتصادية والمادية في العالم العربي نتيجة تصفية الإقطاع التركي والمملوكي. كما تجلى ذلك في التطورات الاجتماعية والتي نتجت عن انتشار الكلمة المطبوعة أو عن طريق الاختلاط الحضاري المباشر وغير المباشر. والأهم من كل ذلك هو التيارات الفكرية التي انبثقت نتيجة الالتقاء بالحضارة الغربية الحديثة والصراعات التي نتجت فيما يتعلق بالمعتقدات السياسية والاجتماعية والثقافية، وكذلك فيما يتعلق بالعلاقة بين العلم والدين".
من ضمن الأفكار والمذاهب التي انتقلت إلى العالم العربي كانت فكرة العَـلْـمانية التي وصلت أولاً إلى كل من لبنان، سورية، تونس والعراق في القرن التاسع عشر ثم لحقتها بقية الدول العربية في القرن العشرين. وإذا أخذنا بعين الاعتبار تبني المتنفذين في الدول العربية لفكرة العَـلْـمانية وأن الدين الإسلامي يتعارض معها ويجب إلغاء سيطرته على بعض نواحي الحياة العامة، فقد ظهر ذلك من خلال " إلغاء الجزائر الحكم بالشريعة الإسلامية عام 1830، وإدخال الخديوي اسماعيل القانون الفرنسي عام 1883، وتبني تونس القانون الفرنسي عام 1906. ثم لحقت المغرب بالركب عام 1913. وفي عام 1924 عملت سوريا ولبنان على نفس المنوال بعد إلغاء مفهوم الخلافة الإسلامية"[2].
وتمثلت الأفكار العلمانية آنذاك في تيارين رئيسين: "تيار التنوير العَـلْـماني" الذي تبنى عملية "أوْرَبَة" الحياة الاجتماعية والوعي الاجتماعي وخصوصاً في كل من سورية ومصر ولبنان وأن أي تطور لا يمكن أن يحدث إلا بالاعتماد على العقل والتنوير.
أما التيار الثاني فقد ظهر في "حركة الإصلاح الديني" التي تبنت الاتجاه العقلاني البراغماتي في النظر إلى الإسلام وأنه قادر بعد إصلاحه على تأمين تقدم المجتمع.
ولكن من أين انطلق "تيار التنوير العَـلْـماني" وعلى أية أرضية استند؟ وكذلك من أين بدأت "حركة الإصلاح الديني" وإلى ماذا استندت هي الأخرى؟ يؤكد معظم المفكرين والباحثين[3] في هذا المجال على أن "تيار التنوير العَـلْـماني" بدأ أولاً وخصوصاً بين المسيحيين العرب ومسيحيي بلاد الشام تحديداً.
يقول وائل السواح: " لا بد للعَـلْـمانيين في المشرق العربي من الاعتراف بنقطتين أساسيتين لا فكاك من الاعتراف بهما. الأولى أنَّ العَـلْـمانية مفهوم مُسْـتَـورَد من الغرب، والثانية أنَّ العَـلْـمانية مطلب من مطالب الأقليات الدينية والطائفية في هذا المشرق"[4]. وفي الحقيقة فإن هذا الكلام يحمل جزءاً كبيراً من الصِحّة خصوصاً أنه كان مدعوماً من السلطات الغربية بشكل مباشر. فعلى سبيل المثال يقترح العقيد أوسمون رئيس أركان الحملة الفرنسية على سوريا ولبنان: "يجب ان يعاقب الدروز على أعمالهم الآثمة بطردهم من بلادهم وإجبارهم على اللجوء إلى أبناء طائفتهم بحوران.
وسوف يتيح هذا التدبير الأخير التصرف بعدد كبير من القرى والأراضي الخصبة التي يمكنها أن تعوِّض على الموارنة ومسيحيي دمشق خسائرهم. وهكذا سوف يصبح لدينا من طرابلس إلى بشرّي حتى حاصبيا وجنوب صيدا، بلاد شاسعة يقطنها المسيحيون فقط"[5].
"وقد أدى هذا إلى احتكاك المسيحيين -بالحضارة الغربية التنويرية الحديثة- أكثر من غيرهم مما أدى زيادة تعلمهم وكانت لهم مساهماتهم الواضحة في نشر الأفكار التي تستند إلى الحرية والمساواة بين أبناء الوطن الواحد"[6] ,مما أثار لاحقاً حفيظة بعض المفكرين المسلمين في لحظات تشنج واتهامهم إياهم صراحة بالعمالة للغرب.
أما "حركة الإصلاح الديني" الحديثة والتي كان أنصارها من المسلمين، فقد بدأت في مصر على يد رفاعة الطهطاوي الذي كان من أوائل من كتب حول القومية العربية، والذي كان يرى أنّ مدنية أوروبا الحديثة التي تقوم على العقل، تحقق النتائج نفسها التي تهدي إليها مدنية الدين.
ثم ظلت هذه النزعة التوفيقية هي السائدة بعد الطهطاوي إلى أن تبلورت مع ظهور محمد عبده (1849-1905)، والذي كان يقول: "إن الحضارة الحديثة تتوافق مع الإسلام". أما التيار التالي لهذه النزعة التوفيقية، فقد بدأت مع لطفي السيد (1872-1963) وطه حسين، وعلي عبد الرازق .. إلخ، حيث تم قلب المعادلة السابقة إلى "إنّ الإسلام يتوافق مع ما تأتي به الحضارة الحديثة".
"وبالتالي تحوّل الإسلام من كونه معياراً لقياس مدى صلاحية الأفكار الجديدة التي تأتينا من الحضارة الحديثة (عند محمد عبده)، إلى أن أصبح مجرد سند للآراء التي ترغب هذه الفئة من المفكرين في الإتيان بها من الحضارة الغربية، ومع هذا الجيل بدأت حركة القبول شبه التام للأفكار الغربية العَـلْـمانية"[7].
وبالنتيجة، فإن "تيار التنوير العَـلْـماني" لم يكن تياراً ناشئاً نتيجة لتميز بعض المفكرين الجهابذة وتميزهم بقدرات فائقة، أو احتكاكهم بالآخر المتفوق، بل كان جزءاً من مخطط أكبر على مستوى الدول وأصعب من أن يستوعبه بعض الأفراد إلاّ القلائل منهم. مخطط يستهدف المنطقة العربية بأكملها بقيَمها وعقيدتها ووجودها، هذا المخطط الذي نجح بشكل كبير بتعاون مقصود أو غير مقصود من أبناء الأمة أنفسهم.
أما "حركة الإصلاح الديني"، فإنها وكما نرى في واقعنا الراهن قد انكمشت إلى درجة أصبح كل من يتحدث أو يكتب في تحديث أو إعادة قراءة التراث مارقاً أو زنديقاً ويجب تكفيره أو عدّه مرتداً. وهذا إن دلّ على شيء، فإنه يدل على مرحلة المخاض الطويلة التي على هذه الأمة أن تمرّ بها.
لقد تحدّثنا حتى الآن حول ما ورد إلينا من أفكار وعقائد ومذاهب من مناطق أخرى من العالم ليس لدينا أي تشاركية معه في عملية التطور التاريخي، بل على العكس، غالباً ما كان الاحتكاك عنيفاً وحاداً ويهدف إلى السيطرة على الآخر أو إلغائه. فهل لما أطلق عليه "تيار التنوير العَـلْـماني" أو "حركة الإصلاح الديني"، جذور في التاريخ الحضاري العربي؟ هذا ما سنحاول الإجابة عليه مستقبلاً.
المصادر:
[1] تاريخ الفكر المصري الحديث من الحملة الفرنسية إلى عصر اسماعيل، مكتبة مدبولي، 1987، ص 9-10 بتصرف.
[2] التيار العلماني الحديث وموقفه من تفسير القرآن الكريم، عرض ونقد، منى الشافعي، جامعة الأزهر، 1429 هـ، ص 56.
[3] العلمانية في المشرق العربي، مجموعة باحثين، إعداد وتحرير: لؤي حسين، دمشق، 2007.
[4] المصدر السابق، ص 9.
[5] فرنسا والموارنة ولبنان، تقارير ومراسلات الحملة العسكرية الفرنسية على سوريا ولبنان (1860-1861)، العميد الركن د. ياسين سويد، ص 21.
[6] المسيحية في العالم العربي، الحسن بن طلال، مكتبة عمـَان، 1995، ص 108-115 و ص 131-132، بتصرف.
[7] التيار العلماني الحديث وموقفه من تفسير القرآن الكريم، عرض ونقد، منى الشافعي، جامعة الأزهر، 1429 هـ، ص 61.
العَـلْـمانية والديــن العرب (1)... بقلم: الدكتور المهندس أكرم شحيدة
أخي brave knight ، أسعدني تعليقك ، وأشاركك رأيك في أكثر ما يكتبه الأخ د.م. أكرم شحيدة في الموضوع. ولعلك قرأت عنوان تعليقي: (كلا ، لم يكن رائدا في الإصلاح الديني) فظننتَ أني اعارض الصحيح مما يكتبه الأخ معد الموضوع. الكاتب يقول (ما معناه) ان من حمل (العلمانية) إلى بلادنا صنفان ، وأن الصنف الثاني هم (رواد الإصلاح الديني!). كلام حضرة الكاتب صحيح في أن هؤلاء الرواد كانوا علمانيين ، وانا كتبت اقول ان الطهطاوي كانا رائدا من رواد العلمانية (التي تعنى بإبعاد الدين عن الحياة) فلم يكن مصلحا دينيا.
أوجه شكري الشديد الى الأخ الكاتب لسعة علمه وحيادته ولكني من قراءة التعليقات استفزني السيد محسن سالمت فلو أن المقالة أثرت عليك كثيراً ولم تستطع الا المشاركة فالاوجب أن تكتب مقالة خاصة بدل التشويش على المقال بتعليقاتك الكثيرة وذات الافكار المتشتتة وهنا أشكر الاخ الكاتب مرة أخرى على سعة أفقه ورده الممتاز على كافة المعلقين. المقالة ممتازة وهي أفضل ما قرأت حتى الان وهي تلخيص موضوعي لعدة كتب وآراء
عمل الطهطاوي٥٠ سنة على إحلال العلمانية بدل الإسلام ! وذلك اولا بتلبيس العلمانية لباس الشرع:(وما نسميه العدل والإحسان يعبرون عنه بالحرية والتسوية، وما يتمسك به أهل الإسلام من محبة الدين والتولع بحمايته مما يفضلون به عن سائر الأمم القوة والمنعة يسمونه محبة الوطن)كتابه المرشد الأمين. وعمل على تعرية الأخلاق من الدين والفصل بينهما:(فالرقص في باريس دائمًا غير خارج عن قوانين الحياء، بخلاف الرقص في أرض مصر فإنه من خصوصيات النساء؛ لأنه لتهييج الشهوات، أما في باريس فإنه لا يُشم منه رائحة العهر أبدًا!)
الطهطاوي كان متقد الذكاء أتم حفظ القرآن ودرس الشريعة في الأزهر. أرسلته الحكومة المصرية إلى فرنسا مع البعثات التغريبية التي نقلت الحضارة الغربية الغث منها قبل السمين، فخرج في الأصل إمامًا للصلاة والوعظ مع البعثة ، ولكن كانت هذه هي خطوة انزلاقه الأولى فقط. عاد إلى مصر ليكتب كتبا يناهض بها الشريعة !! وأنشأ مدرسة الألسن لتُملأَ بالمدرسين الفرنسين الذين عملوا بعدها على تشويه صورة الحضارة الإسلامية في عيون المصريين!!
تلك بدايات الغزو العسكري والإقتصادي ، فمنذ نهايات القرن السابع عشر والغرب يعمل على اصطياد وتربية أي عقل فذ يقع في المصيدة من أبناء المسلمين. المال والشهوات والخواء العقيدي كانت تسهل مهمة تغريب تلك العقول. يعاد هؤلاء إلى بلادهم مصابين بعقدة الخشوع للغرب! ليُعطوا فيها المناصب والألقاب وليُستعلموا فيما بعد في التشكيك في صلاحية الإسلام. لكن لإقتلاع الإسلام كان لابد من أفكار جامعة رنانة بديلة عنه ولا بد من منهج عوض منهج الإسلام.. اخترعت فكرة القومية والوطنية لتكون هي البديل مع اقحام المنهج الغربي!!
وقع لويس التاسع ملك فرنسا في أسر المسلمين ووُضع في دار القاضي لقمان في مصر ، جلس لويس يتفكر في سر قوة المسلمين واحباطهم للحملة الصليبية السابعة على مصر. ولما فداه قومه بالمال عاد إلى فرنسا ليقول أن لا تحاولوا هزيمة المسلمين بقوة السلاح فقط ولكن يجب عليكم أن تنزعوا عقيدتهم أولا. لم يعِ الأوربيون الدرس حتى مطلع القرن الثامن عشر. فقبل ان تطبق القوات العسكرية على أكثر ارض العرب مهد الغزاة الفكريون لهم الطريق وكان من أوائلهم الطهطاوي.
يعتبر العلمانيون رفاعة الطهطاوي من رواد التنوير ، وهو اسم مضلل يقصدون به بدء خطوات الفصل بين الدين ومناشط الحياة في العالم المسلم!! طبعا كالعادة هم ينقلون نفس تعبيرات العلمانيين الغربين ويرددون أن أوربا بدأت تتنور حين تحررت من الدين وفصلته عن مناشط حياتها. لكن الدين في أوربا كان سبب تأخرها ، وبديهي أن الدين في عالمنا المسلم كان سبب قيام حضارتنا ، فلماذا يسمون إبعاد الإسلام تنويرا ، إلا ان يكونوا يخفون تحت فعاليات عملية (التنوير) بدء نشاطات الغزو الفكري للأمة المسلمة.
ما سألته سيادتكم هو نفس ما ختمت به المقالة الثانية (العَـلْـمانية والدين-2-العرب). طبعاً، من المفيد إلقاء الضوء حول عدم نجاح هذه الدعوات الفكرية في تلك الحقبة من تţور الفكر الإسلامي. أشكر لكم إثارتكم مثل هذه الأسئلة التي تغني الحوار.
سيدي .. تعليقك الاخير يدل أنك لا تعرف عن ماذا تتكلم لأن الأناجيل التي ذكرتها تعود للقرن الاول واولها على ماأذكر كتب سنة 64 ميلادي. وجميعها )ماعدى مرقس) كتبت من قبل رسل المسيح. أما ماتظن انه اقدم نسخة فقد كتب بعد 300 سنه عنها ولك ان تعرف من هو المحرف.
كتب البريطاني المعروف Roger Bolton بتاريخ ٦ تشرين الثاني ٢٠٠٨، مقال مهم على موقع BBC بعنوان The rival to the Bible حول ما يعتقد بأنه اقدم نسخة للإنجيل (من القرن الرابع الميلادي) وعثر عليها في سانت كاترين في سيناء واخفيت فترة حتى تم الإعلان عنها يقول الكاتب (لمن يعتقدون أن الكتاب المقدس هو كلمة الرب الغير المبدلة والغير المحرفة سيكون عليهم الاجابة على الكثير من الأسئلة المزعجة،فالمخطوطات تظهر آلاف من الاختلافات مع الكتاب المقدس الحالي) ثم يقول (مع وجود نصوص مختلفة: أيها الأصلي الموثوق؟)
كان عثمان حافظا و مجيدا في قراءة القرآن ، لكنه لم يكن الوحيد ، بل هو واحد من الآلاف ممن يحفظون كتاب الله كاملا. وكان كثير من الصحابة يدونون القرآن فور نزوله ويضيفون على هامشه شروحا لأنفسهم كما يدون أحدنا اليوم شروحا يكتبها على حاشية اي كتاب يتعلم منه. أمر عثمان الصحابة بإحراق هذه النسخ الشخصية وأن ينسخوا من المصحف الذي جمعه ابو بكر مخافة أن تختلط الشروح بالآيات بعد فترة فلم يخالفه أحد من الصحابة. لماذا؟ لأن كتاب الله مدون منذ عهد الرسول ص وما ينسخه عثمان يوافق ما دُون وما يحفظه الآلاف.
المكرم\ة رورو ، القرآن كتاب الله كان ينزل على النبي ص ويكتبه كتبة الوحي ويداوم على تلاوته الصحابة ويحفظه الآلاف ، بمعنى لو أراد خبيث ان يغير حرف في القرآن ، فآلاف الصحابة يصححون له ، يقولون له: هذا الحرف لا يوجد في هذه الآية. وفاة الرسول ص واستشهاد الكثير من الحفاظ جعلت أبا بكر يجمع القرآن في نسخة واحدة ثم ينسخها إلى ٤ نسخ أخرى أودعت بعدها عند حفصة. عثمان نسخ من مصحف حفصة نسخ متعددة وأرسل إلى كل بلد نسخة لينسخ منها الناس. لم يحرق عثمان القرآن! ولم يحرق ال ٤ نسخ المنسوخة من مصحف حفصة!! أين دليلك؟
النسخ الغير مشموله بالإنجيل الرسمي (انجيل متى - انجيل لوقا – انجيل مرقس – انجيل يوحنا) وهي تتحدث عن حياة المسيح على الأرض وتعاليمه وهناك عدة نسخ أخرى ولكنها وصلتنا منقوصه أو جزئيه ولكن في جميع الحالات هي موجوده لما يريد الإطلاع عليها ولم يتم احرقها أو التخلص منها. أما إذا كنت تتحدث عن انجيل برنابا فجميع المصادر توكد انه كتب في القرن الخامس عشر وحتى هذا الذي يتعارض مع بعض المعتقدات المسيحيه محفوظ بالمكتبه الوطنيه في النمسا ومتوفر للجميع.
سيدي الكريم. مرة اخرى لا اجد ان هذه طريقة مناسبة للحوار. فيمكننا ان نقول وبنفس المبدا ان القرآن الكريم تم تحريفه من قبل عثمان بن عفان فكلنا يعلم انه كان يوجد 5 نسخ من القرآن وانه احرق 4 وابقى على واحده (ولا أنا ولا انت نعلم لماذا احرق مااحرق وابقى ماابقى) وارجو ان لا تحاججني بان القرآن الكريم لا يمس لانه من الله فيمكنني ان اقول الشيء نفسه عن الانجيل. سيدي فكرة ان الانجيل محرف ليست ذات معنى لأن تعاليم الانجيل متطابقة حتى في النسخ الغير مشموله بالإنجيل الرسمي.. يتبع ...
في الغرب بقي الدين عند الأقلية (المتدينة) مجرد مشاعر ووجدانات ، وعلى الأكثر بعض (العبادات) ولكن هذه وتلك لا تحكم شيئا فى واقع الحياة . وبهذا وحده – أى بمسخ الدين على هذه الصورة المنقوصة – أصبحت العلمانية تتعايش – على مضض ! – مع الدين ! وقد كان هذا تقزيما بالنسبة للدين الكنسي ذاته الذى غيرته الكنيسة حتى قطعت صلته بالأصل السماوي .. فكيف يكون الأمر بالنسبة لدين الله الحق الإسلام.
إذا صحت دعوى العلمانيين فى الغرب بالنسبة للدين الكنسي في أنهم يتعايشون معه ويتعايش معهم دون تدخل من أحدهما فى شؤون الأخر ـ وهذا ليس صحيحا فى الحقيقة - فإنها بالنسبة للإسلام لا تصح على الإطلاق ! لقد كان الدين الكنسي منذ اللحظة الأولى دينا يهتم بالآخرة ويدير ظهره للحياة الدنيا ، نتيجة ما دخل فيه من تحريف فصل الشريعة فيه عن العقيدة ، وجعلها عقيدة صرفة إلا فيما يتعلق بالأحوال الشخصية.
بعبارة أخرى نقول إن ما نبذته أوروبا حين أقامت علمانيتها لم يكن هو حقيقية الدين – فهذه كانت منبوذة من أول لحظة ! – إنما كان بقايا الدين المتناثرة فى بعض مجالات الحياة الأوروبية أو فى أفكار الناس ووجداناتهم فجاءت العلمانية فأقصت هذه البقايا إقصاء كاملا من الحياة ، ولم تترك منها إلا حرية من أراد أن يعتقد بوجود إله تؤدى له شعائر التعبد ، على أن يصنع ذلك على مسئوليته الخاصة ، وفى مقابلها حرية من أراد الإلحاد والدعوة إليه أن يصنع ذلك بسند الدولة وضماناتها !
ونخطئ إن قلنا أن العلمانية حدثت فقط بعد النهضة . الحقيقة – من وجهة النظر الإسلامية – أن الفصل بين الدين والحياة وقع مبكرا جدا فى الحياة الأوروبية ، أو أنه – إن شئت الدقة – قد وقع منذ بدء اعتناق أوروبا للمسيحية ، لأن أوروبا قد تلقت المسيحية عقيدة منفصلة عن الشريعة ، ولم تحكم الشريعة شيئا من حياة الناس فى أوربا إلا على الأحوال الشخصية فحسب ، أي أنها لم تحكم الأحوال السياسية ولا الأحوال الاقتصادية ولا الأحوال الاجتماعية فى جملتها . وهذا الوضع هو علمانية كاملة من وجهة النظر الإسلامية.
فإذا كان الإنسان عابدا بفطرته ، وكان الدين جزءا من الفطرة أو هو من طبيعة الفطرة فإن الإنسان الراشد في مثل الوضع الذي وجدت فيه أوربا كان ينبغي عليه أن ينبذ ذلك الدين الذي تحوطه كل تلك التحريفات في نصوصه وشرحه وكل تلك الانحرافات فى سلوك رجاله ، ثم يبحث عن الدين الصحيح فيعتنقه ، وقد فعلت أوربا الأمر الأول فنبذت دين الكنسية بالفعل ، ولكنها لم تفعل الأمر الثانى حتى هذه اللحظة إلا أفرادا متناثرين لم يصبحوا بعد ظاهرة ملموسة.
ولأن دينها كان محرفا ولم يكن صالحا للحياة كان على اوربا ان تنسلخ منه. ولقد كان على مقربة من أوروبا ، وفى جزء من أرضها دين آخر يقدم المنهج الصحيح للحياة ، فلا هو دين أخروي بحت بمعنى إهمال الحياة الدنيا ، ولا هو الدين الذى يفرض السلبية الكاملة على الإنسان ، ويفرض عليه الخضوع للأمر الواقع وعدم التفكير فى تغييره . إنه دين يعمل للآخرة من خلال العمل فى الدنيا (الدنيا مزرعة الآخرة) ويبين أن العمل للآخرة لا يعنى إهمال الحياة الدنيا {وابتغ في ما آتاك الله الدار الآخرة ولاتنس نصيبك من الدنيا}
ومن جهة أخرى كان هذا الدين يحصر كيان الإنسان فى نطاق محدود ومحصور، ليبرز جانب الألوهية فى أكمل صورة. ألوهية الله فى ذلك الدين معناها السلبية الكاملة للإنسان ، وحصر دوره – لا فى العبادة بمعناها الواسع ، أى على النحو الذى قرره الإسلام ، والذى يشمل عمارة الأرض بمقتضى المنهج الربانى – إنما فى الخضوع لقدر الله القائم ، وعدم العمل على تغيير شئ من الواقع المحيط بالإنسان ، لأن محاولة التغيير – ولو إلى الأحسن – تحمل فى طياتها عدم الرضا بالأمر الواقع ، وهو لون من التمرد على إرادة الله لا يقره ذلك الدين.
قامت النهضة في اوربا على أسس معادية للدين من أول لحظة ، قامت على أصول (بشرية) بدلا من الأصول الدينية أو الإلهية كما كانت تصورها لهم الكنيسة. كان الدين الذى قدمته لهم الكنيسة على أنه الدين الإلهى دينا أخرويا لا يقيم وزنا للحياة الدنيا ، بل يحتقرها ويزدريها ويدعو إلى إهمالها وعدم الالتفات إليها فى سبيل الحصول على (الخلاص) ، خلاص الروح ، الذى لا يمكن الوصول إليه إلا بالتجرد من متاع الأرض ، والاستعلاء على مطالب الجسد ، والتطلع إلى ملكوت الرب الذى يتحقق فى الآخرة ولا سبيل إلى تحقيقه فى الحياة الدنيا.
إلى المكرم\ة رورو ، الموضوع الذي نتحاور حوله هو العلمانية في أوربا وبلاد العرب. لماذا صارت أوربا علمانية؟ الجواب لأنها نفرت من دين حرفه البشر ويعارض نهضتها. نحن المسلمون نؤمن بأن النصرانية كانت هي الدين الصحيح وكانت عقيدة توحيد لله ، لكن قسطنطين (الإمبراطور الروماني) حارب الموحدين وفرض عقيدة التثليث على النصارى بعد مؤتمر نيقيا (حوالي 325م) وادخل التماثيل إلى الكنيسة واحرق كل كتب الإنجيل التي كانت تنص بحق أن عيسى ع نبي الله وأن أمه عبدة من عباد الله ، وأستبقى الإنجيل الذي حُرف أكثره وبدلت معانيه!
الاخ الدكتور اكرم: اذا حسب مراجعك تقول ان العلمانية تسربت الى العرب من خلال الغرب و الاستعمار.فلماذا اذا كنا نرزح تحت اكثر اشكال التخلف بحيث هم استعمرونا؟ الم نكن نحتاج الى العلمانية كي نتطور حسب مراجعك؟ و ماذا تسمي : المتنبي و ابن خلدون و المعري و الجاحظ وابو نواس (غيض من فيض) الم يتباهو بالحادهم؟ هذا قبل ظهور ابن تيمية. الم يكن التيار الديني و يمثله ابن تيمية و الغزالي, و العلماني و يمثله ابن رشد في صراع ادبي راقي؟ طبعا انتهى الصراع بانتشار افكار ابن تيمية حتى اصبحنا على ما نحن و استعمرونا
انا علماني يا اخ/اخت رورو و لا اتفوه هكذا امور..الاخ البازي, لم توفق في ذكر هذه الآية فمطلعها : يا ايها الكافرون!.
ان القوميون العرب ذو الديانة المسيحية ساهمو و يساهموا الآن ايضا ببناء الفكر القومي العربي كغيرهم من ابناء الامة العربية, و يجب على الدوام ان نذكر بهذا ونشجعه, لأن هذا تحصين للعروبة وعدم قوقعتها.وهذايفند ما ذكرت باتهام التيار التنويري العلماني ان يكون( مخطط يستهدف المنطقة العربية بأكملها بقيَمها وعقيدتها ووجودها، هذا المخطط الذي نجح بشكل كبير بتعاون مقصود أو غير مقصود من أبناء الأمة أنفسهم).لان هذا التيار التنويري اريد به الانحراف لكنه قدم افكارا كبيرة في بناء المشروع القومي العربي.
اخي رورو تقبل مروري .ان قوله (الدين الصحيح)ليس فيه اي اهانه فانا اعتقد ان ديني صحيح وغيره خاطئ وانت تعتقد ان دينك صحيح وغيره خاطئ وانا اقبل بوجودك وانت تقبل بوجودي ولا يعني اذا اعتقدت ان ديني هو الصحيح ان اطالبك واجبرك عليه اي (لا اعبد ما تعبدون ولا انتم عابدون ما اعبد لكم دينكم ولي دين)
أشكر لكم صراحتكم. لكنكم قد أخطأتم في الحقيقة، لأن ما ذكرتم من حديث لم يقله م. جميل السيد. وإنما قاله الأخ محسن سالم. وعندما أوجه شكراً لأحد الأخوة المتابعين، فلا يعني أني أوافقه الرأي في كل ما قاله. وإذا دققتم النظر فيما كتبت حتى الآن، سوف ترون أني بعيد كل البعد عن الدخول في المقارنة بين الأديان. ما نحاول قوله هنا، هو توصيف تاريخي مكثف ومختصر لما حدث، لتوضيح الصورة من خلال عرض مختلف الآراء.
اقدر الجهد المبذول واشكرك على تنويرنا...بانتظار المزيد
كل يوم بتصفح مساهمات سيريا نيوز وبكون عم دور على مبدع جديد حتى إنبسط بقراءة نصه، طبعاً وإختكن إم شوقي بتكون عم تبحث معي، وبتقلي والله يازلمة في مساهمات كثير متواضعة وأصحابها بدون يقروا كثير حتى يصقلوا موهبتون بالكتابة (فرجاء لا تخجلوا إختكن إم شوقي وأقروا منيح ) وبتقلي كمان إش رأيك بهاالتعليق نذكر اسماء يلي بيكتبو كثير كويس مشان غيرون يستفيدو منهون وهلق أخذت مني الكيبورد وراحت تكتب /بالشعر :ريم آغا / بالخاطرة : بسمة/ بالقصة: فراس الراعي / وبالمقالة آراسوفاليان..مع تحيات إم شوقي وأبو شوقي الحلبي.
سيدي الكريم … في الجزء الأول أثنيت على تعليق السيد م. جميل السيد وعلى "الأسلوب الرصين في الحوار" واذكر من ماكتبه مايلي "اسبانيا كانت مزدهرة فى نفس الوقت بتأثير دين الإسلام - الدين الصحيح" وبغض النظر عن صحة ماتفضل به من معلومات وعن مصداقية المراجع التي اعتمدها ولكن هل تعتقد بان هذا هو الحوار الرصين وهل نحن المسيحيين ننتمي للدين “غير الصحيح" وهل ستعتبر اسلوبي رصين إذا وصفت في نقاشي الاسلام بدين الارهاب “مع الاعتذار من جميع المسلمين الحقيقين على هذا التعبير “.
يعني هالناس مالها شغلة الا ان تكتب عن العلمانية ؟؟ انا عندي اقتراح لادارة سيريا نيوز : تعمل زاوية ثابتة وتسميها مقالات العلمانية مشان تخلي هالناس تكتب وترد على كيف كيوفها وتتبرطع وتعمل يلي بدها
إلى كلِّ من يحدثنا بالمستورد من المفاهيم على أنَّه غربي عليه أن يقاطع الغرب و ما يجلبه من منافع في العصر الحديث،فلا يجوز الكيل بمكيالين،فالحاسوب الذي عبره تنشر هو أساس التنوير الغربي فلتدعه سيدي لو تمكنت و لنر إلى أين سنصير بأفكار مناصريك من المتشددين الذين تستعطف.انفتحوا على العالم فالحضارة ليست غربية و لا شرقية من المؤسف تقسيمها بهذه الصَّلافة الحمقاء.احترامي للفكر.
الله يعطيك العافية أخي الكاتب. قرأت مقالتك الأولى والان الثانية وأنا أشكر لك اختيارك الموفق لطريقة عرض علمية وموثقة للفكرة أبعدتها عن فخ (الشخصانية) التي غرقت به خلال الأسابيع الماضية وعن شرك المهاترات الفردية.نحن بحاجة لمزيد من العلم لنكون فكرة صحيحةونكون قادرين على تبنيها. شكرا لك مرة أخرى
يقول الأخ الكاتب أن طه حسين كان أيضا من العلمانيين ، أقول طبعاً ، فإن طه حسين كان ممن حاولوا صبغ الفكر العربي الإسلامي بصبغة تغريبية علمانية كانت غايتها محاولة نبذ الدين عن واقع الحياة من خلال التشكيك بالقرآن! يقول في كتابه الشعر الجاهلي (للتوراة والإنجيل أن يحدثانا عن إبراهيم وإسماعيل ، وللقرآن أن يحدثنا عنهما كذلك ، ولكن هذا وذاك لا يثبت لهما وجوداً تاريخياً)!! إذا فطه حسين يوهم بأن قصص القرآن من نسج خيال الرسول ليبذر الشك في أن الإسلام كان ايضا من نسج الخيال. كان طه حسين علمانيا وغير مصلح!