قبل عدة أيام، قبل عيد الأضحى بيومين، سافرت لوداع أهلي قبل ذهابهم إلى الديار المقدسة لأداء فريضة الحج، سافرت بسيارتي الحكومية من دمشق إلى مدينتي في درعا. وبعد ذهاب أهلي بقيت إلى جانب أبي الشيخ الكبير لأرعاه وأطمئن على صحته، ولم أكن أعرف يوم ذاك ماذا كان ينتظرني ليلاً.

إذ أنه في ساعة متأخرة من الليل، سمعت أصوات أناس تصيح قرب منزلي، وسمعت أصوات حجارٍ تُضرب على الجدران والأبواب، كنت في تلك اللحظة مع ابنتي ذات السبع سنوات في الطابق الثاني، هرعتُ إلى النافذة، فتحتها قليلاً بحذرٍ شديد، فشاهدت ألسنة نارٍ تشتعل ولهيب دخان أسود، صُعقت بما رأيت. للوهلة الأولى ظننت أن طابقي الأول يحترق، ولكن كسر ذهولي أصوات جيراني يصيحون السيارة تحترق... السيارة تحترق، علمت أن سيارتي هي التي تحترق. 

حضرت قوى الأمن والإطفاء على الفور، وغصّت الساحة قُبالة المنزل بجيراني الطيبين، جاء بعضهم يركض حافي القدمين، وجاء بعضهم الآخر بلباس نومه، وجاءت أخواتي يبكين ويصرخن، وجاءت بعض النساء ورحن يرفعن الأكف إلى السماء تشكو ربها ما صنعته يد الغدر في جنح الظلام، وجاء أبي الشيخ الكبير فافترش الأرض وراح ينظر تارة إلى السيارة التي تأكلها النيران وتارة إلى السماء يدعُ ربه بالفرج وعودة الأمن والآمان لهذا البلد الآمن، ويشكو إلى ربه ما تراه عيناه .

مرت لحظات رهيبة، رجالٌ يعاركون ألسنة نارٍ ارتفعت أمتار وأمتار، ودخانٌ أسود كثيف يلفّ المكان، وأصواتٌ تحذر أن تنفجر السيارة، وبكاء النساء وصراخهن يقطّع القلوب. كان لهيب النار يُعمي عيني وكان دخانها يسد أنفي، وكانت التساؤلات تلتهم رأسي، من الذي أحرق سيارتي، ولماذا فعل ذلك؟ إلتف الناس حولي يحاولون مواساتي ومراضاتي، وكنت أطمئنهم بابتساماتي وأجول بنظري بين سيارتي التي تلتهما النيران وأبي الذي أرقبه خوفاً وقلقاً على صحته.

وبعد أن إلتهمت نيرانهم سيارتي بالكامل، رأيت بياناً على شبكة الانترنت نشرته جماعة تُسمي نفسها (تنسيقية الثورة) في مدينتي، تتبنى فيه استهدافي لأسباب طائفية بحتة وتتوعدني فيه بنسف منزلي بالقنابل والعبوات الناسفة وقتلي وطرد أهلي ونفيهم!!!

مجدداً لم أصدق عيناي، أيعقل أن ينشر أبناء مدينتي مثل هذا البيان، أيعقل أن يتوعدوني وأهلي بالقتل والطرد والنفي، ونحن نعيش معاً منذ سنين وسنين، شركاء في السراء والضراء، نحزن معاً ونفرح معاً، نتنفس معاً ذات الهواء، نشرب معاً ذات الماء، ونأكل معاً ذات الرغيف!!! أيعقل يا أبناء وطني أنكم تريدون قتلي وأنا ما أذيت واحداً منكم وما أردت لكم يوماً إلا الخير؟ أيعقل أنكم تريدون قتلي وأنا مثلكم أومن بالله القائل (من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا)، وأنا أيضاً مثلكم أؤمن برسوله القائل (المسلم من سلم الناس من لسانه ويده، وأن قتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا) أين أنتم من هذه الآيات والأحاديث الشريفة وأنتم تبدؤون بياناتكم بالبسملة وتملؤنها بذكر الله؟ أي إله هذا الذي يبيح القتل وترهيب الناس في بيوتهم وترويعهم في حياتهم؟ أي دين هذا الذي تدينون به؟ وأي إصلاح هذا الذي تنشدون؟ وأي حرية هذه الذي تدعون؟ ألا تتصورون معي أنه لو انفجرت السيارة في تلك اللحظة كم من الأرواح البريئة كانت ستزهق؟ وربما كان لكم بينها قريب أو نسيب أو جار أو صديق. أي فساد أعظم من هذا؟ أهذه هي حريتكم وديمقراطيتكم... أهذا هو إسلامكم؟؟.

أرجوكم قفوا لحظة صدق مع أنفسكم، أبهذا أمركم الله الرحمن الرحيم ونبيه المبعوث رحمة للعالمين. أيعقل بمجرد اختلاف المرء معكم في الرأي أو المذهب أو الدين تستبيحون دمه وماله وعرضه؟ ثم أليس غريباً ألا تتطابق أفعالكم مع أقوالكم، فأنتم تنادون بالحرية والديمقراطية وأراكم تعتدون على من يخالفكم حتى في الرأي.

فيا أخوتي نحن وُلدنا هنا معاً، ترعرعنا هنا معاً، وكبرنا هنا معاً، فإلامَ هذا الشقاق والعنف والترهيب والترويع، إلامَ كل هذا وإلى متى؟ إلى متى  نظل نسير نياماً خلف مصاصي الدماء وشيوخ الفتن وأباطرة الحروب؟ لذا أرجوكم تعالوا جميعا ننشد الإصلاح والحرية بلا نار وحديد تحت سقف بيتنا الكبير، فوطننا هو بيتنا الكبير الذي علينا أن نبنيه معاً، لأنه لو سقط هذا البيت حتماً سيسقط على الجميع...