syria.jpg
مساهمات القراء
خواطر
وقال الوطن ...بقلم : :م فواز بدور

عندما كنا صغارا و نعيش معنى الحرية بأن نمد أيدينا لملامسة القمر ولم نكن نعلم أن للقمع سلطة سياسية  أو أمنية ولم نكن ندري أن ما يمنعننا من تحقيق أحلامنا يعرف بقوانين الجاذبية وكان خيال الطفولة فينا يتساءل لما لا يسمح لنا بامتطاء الغيمة  للوصول إلى قبة السماء ورؤية انبعاث الضوء من الشمس وأيضا لم نكن ندري أن المانع قوانين الطبيعة 


وما أن ازداد طولنا حبة شعير حتى صارت تعني لنا الحرية أن نأخذ ألعاب الأطفال الآخرين وحاجاتهم بلا اقتناع بأي من القوانين وسندات الملكية وكان القمع في نظرنا حينها أن يقال بأنها ليست لنا وكان البكاء وسيلتنا للتعبير عن الظلم الذي يلحق بنا من عدم مراعاة الرغبة أو المشاعر الطفولية

 

وكبرنا ودخلنا في مرحلة المراهقة المتزينة بجمال الرفض لكل أشكال التوجيه والتعليم والأساليب التربوية فقد كانت  تعني لنا الحرية أن نمضي النهار بطوله  في الأزقة ننتقل من ممارسة اللعب إلى هواية الرماية على اللمبات والحاويات  والسيارات وكل ما يمكن اعتباره دريئة وكان القمع حينها  أن يتم منعنا من التكسير وممارسة هوايات التخريب الممتعة 

 

وكبرنا واشتعل القلب حباً واكتوى  شوقاً  وارتقت  الحرية لتصل إلى درجة الإبداع ورسم اللوحات الفنية على جدران المباني التي كان باعتقادنا بأن هناك من معنى لوجودها إلا لكتابة الشعارات  أو رسم القلب العاشق والسهم الذي يخترقه بلا إدراكٍ لمعانيه الأسطورية ولا تكتمل اللوحة الفنية إلا بكتابة اسم الحبيبة  بلا مراعاة لتقاليد أو أعراف اجتماعية  والقمع كل القمع أن يقال  "الحيطان دفاتر المجانين " وأن من المعيب استخدام حريتنا بالتعبير عن أحاسيسنا ومشاعرنا بتلك الطريقة الهمجية 

 

وكبرنا ونبتت بذور الوعي فينا وكبرت  معها معاني الحرية فمرة كانت تعني حرية شتم الرموز الدينية أو الاجتماعية أو السياسية ومرة تعني  التمرد على التقاليد والأعراف الاجتماعية

 

وجاء ربيع الثورات  مقترنا  بسبات الفكر والخير واعتمرت  النشوة رؤوسنا فطبقنا كل أفانين الحرية بكل أساليبها الهمجية التي كبرت معنا  وعشنا معها وللمرة الأولى بقمع غير ذاك القمع  منذ نعومة أظفارنا فرحنا تأخذ ما ليس لنا وزينا الجدران بالشعارات وأسوء العبارات وعدنا لممارسة هوايتنا في التخريب والتدمير فلم نترك إشارة ضوئية أو لافتة طرقية  ولم نترك  سيارة خدمة أو سيارة شرطة أو سيارة إسعاف أو إطفائية ولم تسلم منا حتى السيارات المدنية  وبالغنا بالسب والشتم ولم نترك رمزاً دينياً أو اجتماعياً وتسترنا على من حمل منّا السلاح وقتل ونكل واغتصب وقطّع على الهوية ورحنا تارة ننساق وراء تطبيق الفتاوى الطائفية من شيوخ الفتنة وتارة خلف القنوات التحريضية

 

ولأنها لم يستطيعوا أن يقتلوا  بذرة الخير فينا فقد علا صوت الوطن من أقدس بقعة في  ضمائرنا :

أفيقوا  . . . أفيقوا . . . أفيقوا يا أولادي أفيقوا

لا يُبنى الخير بالشر

لا يُطلب السمو بالصعود على الأجداث

لا تُكتب الحضارات بالدم

فصرخنا :

 

يا وطننا . . . يا أعز وأغلى ما نملك . . . نحن أبناؤك . . . وما منا من يخالف كلمتك . . . لكنهم

قد سلبونا كل حقوقنا

لم يسمحوا لنا بالتعبير عن ذاتنا . . . صادروا كل كلماتنا

قد تشبثوا بمناصبهم ولم يلتفت منهم أحد لهمومنا, لم يكترثوا بتحقيق أيٍّ من خدماتنا

 

قد انتشر الفساد ولم يعد للشرفاء من مكان . . . حاربوهم . . . سجنوهم . . .  حطموا فيهم معاني الشرف والفضيلة

حرمونا حقنا في العمل والبناء . . . لم يسمحوا لنا حتى بالعطاء

لم يحترموا كبيرنا ولا صغيرنا ولم يحترموا مشاعرنا ولم يراعوا إنسانيتنا وكم من مرة انتهكوا كرامتنا 

صدقتم  . . .بصوت مهيب حزين  رددت أشجار وجبال وأنهار الوطن

 

صدقتم وهذا حقكم . . . ولا تسمحوا بعد الآن . . . لأحد أيا كان  . . . بحرمانكم من كل وليس من  بعض حقوقكم

طالبوا بحقوقكم لكن من غير أن تهدموا وطنكم . . . طالبوا بحقوقكم  من غير تفرقة أو تفريط بأخوتكم في الوطن

طالبوا بحقوقكم وأنتم تقولون للمغرر بهم بينكم . . . هذا وطننا . . . لن نسمح لكم بتخريب ممتلكاته . . . لن نسمح لكم بقتل حماته . . . لن نسمح لكم بزرع الأسافين بيننا وبين إخوتنا

 

طالبوا بحقوقكم بأن تقولوا للفاسد أنت فاسد. . .  لن ندفع لك . . .كما لن نسكت عنك . . .  سنطالب الإذن بالمظاهرات ونرفع الشعارات بتغييرك وتغيير من يحمي فسادك 

 

طالبوا بحقوقكم بأن  تعيدوا الكرامة للشرفاء . . . للحق والفضيلة 

طالبوا بحقوقكم عبر انتخابات نزيهة . . . ولا تبيعوا أصواتكم  بالمال أو بالغرائز الطائفية أو العشائرية  أو بأي من الأمراض الاجتماعية

وحينما تصونوا كرامتي وكرامتكم . . . لا تنسوا أن تعودوا إلى أحلام  طفولتكم وحريتكم الصحيحة. . .   لتكتبوا  اسمي على وجه  القمر. . .  لتمتطوا  الغيوم وتصلوا  إلى قبة السماء وتروا الشمس تشع نورا باسم سوريا

2011-12-09
التعليقات
شبيح نظام معتق
2011-12-12 15:54:05
كم اصبحنا بحاجة للحنان
شكرا لملامستك احاسيس الناس وتحية لنقاء ذهنك

سوريا
أبو العز
2011-12-09 14:04:12
الله محييك يا أخ فواز
من أجمل المقالات التي قرأتها ، اعتدالاً ، احتراماً للجميع ، الهدف منها والغاية منها جميلة جداً ، ثابر يا أخي الغالي نحن الآن بحاجة لآلاف المقالات من مثل هذا النوع ، أرفع لك قبعتي احتراماً وتقديراً لك .

سوريا