الحيرةُ تتملّك عقلَك , والوجومُ يُخَيّمُ فوقَ ظلِّ صمتِكَ , ينتابُك شعورٌ بالقلق , وتخوض في بحرٍ لُجّيٍّ من الشك. فقل لي : متى سترسو سفينةُ شكوككَ على شواطئِ اليقين ؟ ومتى ستصلُ ـ بعد طول الطريقِ ـ إلى كهف السكينة وغارِ الطمأنينة ؟!
ما لكَ تجلببتَ بالأسى؟ , ولأيِّ سببٍ اتّشحْتَ بسوادٍ يغشاك, وسيطرتْ على لُبّك حالةٌ من السوداويةِ والتّشاؤم, وأخذتْ سُحُبُ الاكتئاب تُمطرك بغيثٍ من الشَّجَنِ, ووابلٍ من الأحزان ؟ وعلامَ تَحمل فوق سفح صدرك جبالاً شامخةً من الهموم ؟ , وأنت قادرٌ في لحظةٍ من اليقين والرضا أن تجعلها كالعِهن المنفوش , وأن تنسِفَها من خيالك وصدرك نسفاً , فتُصبحَ قاعاً صفصفاً , لا ترى فيها عوجاً ولا أمْتاً....ـ إلى متى ستبقى على هذه الحال ؟
حياتُك عابثةٌ لاهيةٌ , وأوقاتُك هازلةٌ لا مكان فيها للجِدية , إنما هي هَزْل في هزل , وسراب يتبع سراباً...تمر أيامُك ببطءٍ شديدٍ , ولياليك يُكلّلها سوادُ قلبك , فهي سوادٌ في سواد , وحلَكٌ يغشاه الدجى , وتُحيط به الدياجير...ـ ....
تعلمُ علمَ اليقين بأن الحياةَ لا تنتظرُ , وقطارَ الزمن لا يتوقف ولا يستريح , وأنّ ما مضى من عمرك فلن يعودَ... وفي الوقت ذاته , يضيعُ وقتُك سدىً , وتُمضي أيامَك في هوىً ويا لَلمفاجأةِ ! , فبعد أن كنت تلهثُ وراء زُلال الحقيقة لتنهلَ من معينها , تكتشف أنك إنما كنتَ تركض وراء سراب الوهم ,وعُدتَ مُتضلّعاً من شراب الحرمان , وحميم الشقاء !..ـ
إلى متى سيخدعكَ الزَّيفُ البَرّاق ظانّاً أن كل ما يلمعُ ذهبٌ ؟, وإلام ستُقِلُّك الأماني على أجنحة الأمل لِتحيا مع الآتي , فكُنْ على يقينٍ أنّ كلَّ ما يُراود خيالَك ما هو إلا رجْمٌ بالغيبِ ؟!,هل ستظلُّ مبحراً في مياه الغياهبِ , وتتهادى بك مراكبُ أحلام المستقبل يمنةً ويسرةً , وتتقاذفُك أمواجُ الحياة العاتيةِ بلا بصيصِ رحمةٍ , ولا أدنى شفقةٍ.؟!..
فحتّامَ ترنو بناظر المترقّب إلى ما تأتي به السنونَ ؟ , ومتى ستترجّل بعد أن كنتّ تمتطي جناحَ الآمال , وخيولَ الأُمنيات ؟ , وهل سترسو بك مراكبُ أحلامك بعد أن كانت تتهادى ذاتَ اليمين وذاتَ الشمال ؟ وأبن تلك اليدُ الحانية ذاتُ اللمسةِ السحرية التي تنشُلك من براثن الأمواج الغاضبة , وصخَب البحر الهادر ؟ .
ـ هل رأيت دموعاً عادت إلى مآقيها بعد أن ذُرفت منها ؟ وهل رأيت قطراتِ مطرٍ عادت إلى عيون السّحب بعد أن سحَت منها ؟ هل شاهدت عينُك دخاناً تبتلعه الأرض بدل أن يصّاعدَ في السماء ؟ ....فمالكَ ترجعُ القهقرى؟ وما لِنفسك تعود إلى ما كنتَ عليه بعد طول غيابٍ عنه , ومُضيّ زمنٍ سحيقٍ على عهدٍ به ؟ , وما لِقلبك يصبح جلموداً , ويعود إلى قسوته بأن كان غضّاً طريّاً ليّناً , وماله لا تؤثّرُ فيه النُّذُرُ , ولا تنفعُه الذكرى ؟, وها هو قد جفّت أجفانه , بعد أن كان سريعَ العَبرة, ينتصحُ بالعِبْرة ! وما لعينك أصبح دمعُها عصيّاً , بعد أن كان طيّعاً مُنساباً ؟ !
.ـ إلى متى ستبقى شارداً عن طريق الهدى , سادراً في قِفار اللهوِ المجدبةِ , غارقاً في مستنقع الآثام الماجن الآسِن ؟! ,عجباً لأمرك ! تستنيرُ بالظلام وقد زُيِّن لك على أنه نورٌ وهّاج , وتتبع عتَمة المعاصي ودياجيرها , وأنت تظن أنك تتبع شمسَ التقى, وبدور َالهدى ووميضَ الفضيلة ؟ .ـ
حَرِيٌّ بدموعكَ أن تعودَ إلى أخاديدِ وجنتيك ـ التي حفّرتْها في بِمِنجَل السَّحَر ـ بعد طول جفاف! , وحريٌّ بأوردتك وشرايينك أن تنبض بالحب والصفاء بعد أن سئمت من الكراهية والبغضاء , وبعد فترة كُمُونٍ ويَباس ! وحريٌّ بك أن تنزِع لباس الغدر الفاضح وتتدثّر بل تكتسي بالوفاء !....وعليك أن تكونَ قد تعلمت من الأيام : أن أعمال الإخلاصِ تستمرُّ , وتصبحُ هباءً أعمالُ الرّياء .ـ مالك تَمَلُّ من الحياة وخاصةً عندما تتكاثر عليك خطوبُها , ويَجلّ مصابُها , ويُضنيك الأنينُ , وتعاديك الأيامُ , وتُرمى في الصميم بسهام من قِسِيِّ السنين ؟.....فعلامَ إذاً تتمنى الموت وناجيه ؟! أظن لأنك ترى فيه راحةَ البال , وسعادةَ الضمير , وطمأنينةَ الروح, ...ولكن ذلك ـ ربما ـ لن يكونَ , ألا تتذكرُ ما اقترفت يداك , وما جنيتَ على نفسك ؟ , أ غرّك عفوُ ربك , أم تظن أن ربك كان نسيّاً ؟ أم اطّلعتَ الغيبَ بأنك ناجٍ , أم اتَّخذت عند الرحمن عهداً ؟. ـ ...حياتُك عذابٌ , ومعيشتك ضنكٌ , لأنك تعيش في غفلةٍ عن الله ,وبعدٍ عن نهجه القويم , وصراطه المستقيم ... فيهمسُ الإيمان في أذن قلبك : نعم , لقد آن الأوانُ أن تصطلح مع الله , وتعودَ إلى جداول الهداية مياهُها العذبةُ , لتنبتَ فيك غراسُ التّقى وتترعرعَ من جديدٍ !.