أرسلت لي السيدة "أم داني" برسالة تقول فيها: "أنا متزوجة ولدي ولدان، وهما طفلان لم يتجاوز عمر أكبرهما 10 سنوات أفعل كل ما بوسعي ليكونا ابنين ناجحين وعلى درجة سوية من الخلق والتربية لكني أعاني من مشكلة واحدة فقط معهم
وهي أنهما يتعاملان مع والدهما بنفور بعيداً عن أي تعاطف أو حنان، وألاحظ في أغلب الأحيان أنهما لا يحبان وجوده في المنزل فماذا أفعل؟ وما سبب هذا السلوك الذي يصدر عنهما؟؟
الدكتور "أحمد عصام الدبسي" نائب عميد كلية التربية للشؤون العلمية في محافظة الحسكة، والأستاذ المساعد في المناهج وطرائق التدريس في كلية التربية – جامعة دمشق يشير إلى دور التربية والتنشئة في هذا المجال، ويقول: "الطفل يتعامل مع الوالدين أو أحدهما بهذا الشكل لعدة أسباب أهمها عدم التعامل مع الطفل بحنان واستبدال هذه الطريقة بالقسوة، إذن الأمر مرتبط بتركيبة الوعي عند الوالدين، الطفل الذي ينشأ تنشئة تربوية مرتبطة بالعاطفة والحب لا يقابل أياً من أهله بهذا النفور الذي ذكرته السيدة "أم داني"، والطفل المُشبع من الناحية العاطفية يستطيع أن يقوم بأعماله المدرسية ويتعامل أيضاً مع الرفاق بشكل متوازن دون توتر أو خوف، ويُدرك تماماً أننا عندما نوجّه إليه ملاحظة فهي ليست من باب عدم المحبة، وإنما من باب التوجيه، بينما التعامل مع الطفل بقسوة يشعره بالعدوانية تجاه أهله ونراه يعترض على ذلك بطريقته الخاصة إما بالنفور أو الانسحاب أو الخوف والانعزال، وبالنتيجة تزداد الهوة بينه وبين المحيطين".
التوازن في التربية:
ويضيف: "الحنان المفقود عند الأطفال دليل على التربية الخاطئة، وعدم بناء علاقة متوازنة مع الطفل، فدعونا نربي أبناءنا على المحبة والحنان والدفء الأسري لكي يشعر الطفل أن مكانته محفوظة، طبعاً مع أهمية عدم الإسراف في هذا الحنان لدرجة "الدلال المفرط" على حساب القيم والمبادئ والواجبات، فالبعض يبالغ في دلال الطفل لعدة أسباب وعندما يكبر الابن نبدأ بمعاقبته وقمعه لأن سلوكه يصبح مشيناً، وتتحوّل العلاقة بين الأهل والأبناء إلى عدائية، وهذا طبعاً خلل كبير في بناء القيم والشخصية يؤدي إلى حالة من التمرد".
دور المدرسة:
وعن دور المدرسة في تنشئة الطفل على الحنان والمودة يؤكد د. دبسي أن التعاون يجب أن يكون بين كل الجهات التربوية في المنزل والمدرسة: "الطفل عندما يدخل المدرسة يجب أن يشعر بأن المعلم ليس عدواً له بل أنه موجود لتقديم مزيد من التوجيه والدعم التربوي والتعليمي والعاطفي للطفل في جو دافئ وحميمي، ولا يخفى على أحد أن المعلمين عندما يكونون قساة يسببون للطفل نتائج سيئة مثل: "الهروب من المدرسة أو كرهه للمادة"، وهذا له دور كبير في تكوين شخصية الطفل في المستقبل".
ويتابع: "الحنان المفقود عند الأطفال يؤدي إلى جنوح في سلوك الطفل، وخروج عن السرب، فقد يتصرف الطفل تصرفات غير متوقعة من الأهل، وهذه ليست حالة مرضية بل نوع من ردود الفعل التي تتحول إلى عناد بسبب غضب داخلي عند الطفل ناتج عن سلوك الأهل".
لذلك ننصح كل أب أو أم لا يتعاملان مع أطفالهم بحنان ويريدان تصحيح سلوكهما فإنهما يستطيعان القيام بذلك في أي عمر للطفل، ولكن دون إشعاره بأنهما مذنبان كي لا يتمادى الطفل بسلوكه، وينتقل بسرعة من حالة الحنان المفقود والحرمان إلى الدلال المفرط.