إن نظرية الكوارث " طبولوجيا الحقيقة " أو نظرية الانقطاعات أو الانشقاقات والتنظيمات الجديدة , نظرية الحياة والحركة , هي أهم النظريات التي تطبق فيها الرياضيات.
فهذه النظرية يمكنها أن تدرس على السواء ارتطام الجسيمات - أو نتائج زواج كارثة لعائلتين - أو غرق سفينة - أو انهار بورصة . . الخ
وهذه النظرية تهتم أولاً بالمعلم النوعي للحوادث , ويقول " روي داسيلفيرا " :
إن هذه النظرية تلعب دوراً وصفياً و طبولوجياً للحقيقة , والطبولوجيا تستخدم رياضيات " رينه توم "
إن تنوع الواسع للعالم سواء أكان جماداً أو حياً والظاهر لنا بشكل جليّ , لا تتم معرفته إلا بالكشف عن اختلافات جديدة حيث لم نرى سوى الشبيه .
وفي شكل مواز , فأن وسائلنا هي أيضاً عديدة لنعبر عن هذا التنوع ونبين الاختلافات , وهي تنطلق مثلاً من الكلمات البسيطة التي تدل على الأشكال وتسمح بالتمييز, في الحديث , بين طابة " لعبة الكرة " و طابة " لعبة الركبي " . . . إلى التقنيات المتقدمة الني تسمح بمنح أرقام مختلفة للكتلتين المتقاربتين لمركبي نواة الذرة وهما البروتون والنيترون .
وقد حاول الإنسان على مر العصور أمام تعدد الاختلافات أن يبين كل ما يمكن أن يجمع المختلف ( وهذا يشبه كثيراً التكميم الفكري الذي تكلمت عنه ) .
يرجع البحث عن الوحدة في لغة تصويرية , إلى إظهار القواعد التي تسمح , انطلاقاً من قطع مختلفة في الظاهر , ببناء مركبة " بزل " ( أو بنية ) يبرز عنها شكل خاص من التماسك . إنها أيضاً بحث عن تماسك خاص , تلك المحاولة التي تهدف إلى إيجاد قواعد تسمح بدوزنة أصوات بين بعضها , لتجعل مما قد يكون ضجيج متتال موسيقى .
يمكن إذاً للبحث عن الوحدة والتماسك أن يأخذ أوجهاً عدة , وكان هكذا أحد النجاحات , وليس أقلها شأناً , قانون نيوتن في الجاذبية هو إبراز وحدة الشكل الذي تتفاعل وفقه الأشياء كلها , يخضع التفاعل المتبادل بين تفاحة و جوزة إلى الصيغة الرياضية ذاتها التي تجعل القمر يدور حول الأرض , والتي تجعل كلاً من الأرض والقمر معاً يدوران حول الشمس .
من بين التنوعات المتعددة , أثارت تلك التي تتعلق بالأشكال عل مر العصور الاهتمام والدهشة وحتى اللوعة أن العالم الماثل أمام أنظارنا هو مسرح مستمر تمتزج فيه الأشكال الطبيعية التي جمعها الإنسان ليخلق انسجاماً خاصاً نسميه الفن .
لكننا لو نظرنا عن كثب إلى تنوع الأشكال الواسع هذه , سواء كان من صنع الطبيعة أو الإنسان , فإننا سندهش لدى اكتشافنا أنه يبدو ناتج عن ترتيب في كل مرة مختلف لعدد محدود من الأشكال قد ينجم عن هذه الحدود ذلك الشعور الذي ينتابنا لدى التأمل في الطبيعة أو في عمل فني , والذي نسميه إنسجام . لنلاحظ أننا نجد الحدود أيضاً خارج ميدان الأشكال , ألا نعلم أن التنوع المدهش للمواد المنتشرة في الكون ليس في النهاية الأمر إلا حصيلة تركيبات عدة لمئة من العناصر ( الجدول الدوري للعناصر) .
ويمكن أن نقول , عن حق مع ب ستيفنس " تتصرف الطبيعة كأنها مخرج مسرحي يستخدم كل ليلة الممثلين أنفسهم في أزياء مختلفة من أجل أدوار مختلفة .
إذاً , يرجع البحث عن الوحدة في عالم الأشكال إلى معرفة هؤلاء الممثلين ( الذين تستخدمهم الطبيعة ) والدور الذي يلعبونه .
لقد أصبح اليوم إنجاز مهمة كهذه , جزئيا على الأقل , ممكناً بفضل أبحاث "رينه توم " وتحمل هذه الأبحاث التي معروفة من جمهور واسع أسم " نظرية الكوارت " أي نظرية الكوارث , وهي في الأساس استثمار لعدد من النتائج الواردة من فرع من الرياضيات يشكل إلى حد ما السند الدقيق لكل ما هو نوعي الطبولوجيا .
تشهد نظرية توم من ناحية أخرى تطبيقات رائعة في ميادين مختلفة , من بينها الفيزياء (الترموديناميك , نظرية الاستقرار , البصريات ) , وهي تطبق بشكل واسع في مجال الأشكال , وهي تطبق أيضاً في البيولوجيا , والاقتصاد , والألسنيات , والسلوك الحيواني , الخ . . .
وأهم ما تدرس هذه النظرية هو الانقطاعات , فالانقطاع يوجد في كل مجال , مثال :
مركب شراعي يميل تحت ضغط الهواء ثم يعود إلى وضع التوازن , إلا إذا بلغ حداً ينقلب عنده المركب .
أيضاً بإثارة شخص بالكلمات أو بالإيماءات يوجد حد إثارة يبدأ عندها بالغضب , فنقول أن سلوكه انتابه تغير سريع أي انقطاع .
إذا كان يمكن للإنقطاع أن يرتدي صفة هادئة ( سطوح الاحتراق أو حدود الأجسام ) فإن هذين المثالين يبينان أنه يمكنه اتخاذ شكل كارثة .
لكن ما المشترك بين هذين المثالين , أو بصورة أدق , ما الذي يسمح بالتعرّض بشكل موحد لأوضاع مختلفة تشهد تغيرات سريعة , نجد , وهذه نتيجة أساسية لنظرية الكوارث . أنه بالنسبة إلى قسم كبير من المنظومات التي تظهر انقطاعات , فإن العوامل التي تحدد هذه الانقطاعات ترتبط بين بعضها بعلاقات عالمية , زيادة على أن عدد هذه العلاقات التي تسمح بالتعرض إلى عدد كبير من الحالات ذات الأهمية العملية , محدود جداً وهي سبعة فقط .
من المعروف , أخيراً , أنه يمكن ترجمة ( أو تمثيل ) العلاقات بين الوسطاء بمنحنيات أو سطوح , إذا عينا على جملة محاور القيم المختلفة للوسطاء . من هذه الحقيقة , فإن السبع العلاقات العالمية تفسح المجال لمنحنيات هي أيضاً عالمية .
تجدر الإشارة إلى أنه ليس من السهل دائما تحديد العوامل التي تلعب دوراً أساسياً في تلاحق سيرورة عرضة للانقطاعات .
من ناحية أخرى إن كان من السهل منح ( أو تحديد ) رقم لشدة الهواء , مثلاً , الذي يحدد ميلان مركبة شراعية فإنه من الصعب منح رقم لإثارة شفوية أو إيمائية .