منذ بضعة أشهر ودماؤنا تهدر كل يوم في الصباح والظهيرة والمساء, نفتح التلفزيون فنرى عشرات الشهداء من أبناء الشعب السوري عسكريين ومدنيين وقوى أمنية.
ومنذ بداية الحراك الشعبي السلمي كان هدف الذين ينزلون إلى الشوارع مطالب مشروعة تنادي بالحرية والديمقراطية وإقامة مجتمع مدني تعددي.
أمام هذا الواقع الجديد أدرك كل من في سورية وبخاصة القيادة السياسية أنه لم يعد بالإمكان الحكم بالطريقة القديمة. فكان التجاوب مع هذه المطالب الإصلاحية سريعاً فصدر العديد من القوانين والمراسيم الإصلاحية, وأصبح الجو مهيأً للسير نحو الإصلاح. ومن الطبيعي أن هذا الإصلاح لا يمكن أن يتم بين عشية وضحاها، لأنه من المستحيل أن تغير مرحلة أربعة عقود بهذه السرعة. ولكن المهم أن الطريق باتت مفتوحة على مصراعيها والأبواب أصبحت مشرعة، وكل ما في الأمر أن هذا الإصلاح يلزمه الوقت الكافي لكي يتم بسلاسة حتى يصل إلى غايته المنشودة.
إلا أن أعداء الإصلاح من كل شاكلةٍ ولون لم يَرُقْ لهم هذا التجاوب السريع, فبدأت تتكشف يوماً بعد يوم نواياهم الخبيثة, فتسللوا إلى المظاهرات السلمية وبدؤوا يطلقون النار على القوى الأمنية ويمارسون أعمال النهب والسلب والتخريب والحرق للمنشآت الحكومية وجهات القطاع العام.
وتطور الأمر إلى الهجوم على المراكز الأمنية والاستيلاء على الأسلحة, وظهرت المظاهر المسلحة في الشوارع، وقطعت شوارع المدن، وباتت الأمور تخرج عن السيطرة في عدد من المناطق. وكان الإعلام المشبوه المرتبط بالرجعية العربية وإسرائيل والغرب يشحن النفوس بشكل تصعيدي, والأموال تضخ من جهات عربية وأمريكية وفرنسية وإقليمية كتركيا وجماعة الحريري وبدأت الأسلحة تصل إلى سورية من تركيا ولبنان والعراق بشكل لم يسبق له مثيل. وبدأت خيوط التدخل الخارجي المتعدد الأشكال في سورية تتوضح يوماً بعد يوم.
إن ما تمر به سورية اليوم من تآمر لم تشهده خلال كل تاريخها، عقدت المعارضة الخارجية، الاجتماعات وكان أولها اجتماع أنطاليا، وتتالت في أكثر من بلد عربي وغربي وبخاصة في تركيا التي فتح لها السوريون قلوبهم وتناسوا جراح الاستعمار العثماني البغيض. ووصل الأمر إلى درجة توقيع اتفاقات مع تركيا على حساب صناعتنا الوطنية التي كانت المتضرر الأول من هذه الاتفاقيات. وقاد هذا الهجوم الشرس على سورية دولة قطر وبعض دول مجلس التعاون الخليجي، مستغلة الأموال المكدسة في خزائنها، فوظفتها في كل مكان للتآمر على الأمة العربية, وحركت الجامعة العربية برئاسة قطر ضد سورية.
وإزاء هذا الهجوم الشرس على سورية من كل صوب وحدب بدأت الأمور تتوضح للكثيرين من المواطنين، وحتى الذين شاركوا في الحراك السلمي بالبداية, أن القضية ليست قضية إصلاحات ولا تغيير نظام, بل بسبب مواقف سورية, وما يحاك للمنطقة ومحاولات السيطرة عليها ودعمها للمقاومة في كل من العراق ولبنان وفلسطين، تلك المقاومة التي هزمت الولايات المتحدة في العراق وخرجت تجر ذيولها مهزومة، وفي لبنان انتصرت المقاومة في عدوان تموز على لبنان وحققت أول انتصار عربي على إسرائيل، وفي فلسطين صمدت غزة بوجه عدوان إسرائيل.
ورغم كل هذا التآمر لم يستطع المتآمرون وحلفاؤهم في الداخل والخارج النيل من عزيمة الشعب السوري الذي وقف بكل مكوناته صفاً واحداً وبوحدة وطنية لا نظير لها بوجه المتآمرين. وأدرك السوريون بحسهم الوطني أن المستهدف هو سورية أرضاً وشعباً وموقفاً جيوسياسياً, فضربوا أروع البطولات في التضحية، وكَشْفِ حقيقة المطالبين بـ(الديمقراطية وحقوق الإنسان) الذين لا يعرفون الشعب السوري المتمسّك بوحدته الوطنية وقراره المستقل.
وقد دفع كل ذلك لزيادة الضغط على الشعب السوري واستهدافه، فكانت التفجيرات الإرهابية الأخيرة، ووصل إلى الأمر إلى حد قتل الطلاب والأطفال واغتصاب النساء ومحاولات ضرب الاقتصاد الوطني واستمرار أعمال القتل ونزيف الدم.
لقد ضحى السوريون عبر تاريخهم ونضالهم ضد الاستعمار العثماني والبريطاني والفرنسي ومؤامرات الرجعية من كل شاكلة ولون وحروب إسرائيل العدوانية وقدموا آلاف الشهداء.
إلا أنهم على قناعة راسخة بأن كل ذلك لن يضيع سدى، ولن يرهب الشعب السوري ولن يعيق التحولات التي تلبي طموحاته.