syria.jpg
مساهمات القراء
مقالات
أدب الرثاء عند الكاتب ممدوح عدوان... بقلم : عبد اللطيف الأرناؤوط

يتحدث الكاتب ممدوح عدوان بأسلوبه الأدبي الوجداني عن أصدقائه من الكتاب الراحلين، ومنهم (أبو علي ياسين، وسعيد حورانية)، فيشير في رثاء الأول إلى عملقته النقدية وحسّه الوطني


كان أبو علي ياسين مولعاً بالثقافة الشعبية، والفنون الشعبية وكل ما أفرزه الشعب، فألف في النادرة الشعبية، وحلل أبعاد النكتة الشعبية السياسية والاجتماعية، وخرق الحاجز الذي يقيمه الأدب على الطابع الجنسي للأدب الشفاهي تحت شعار الحشمة، وفضح هذا التزمت الزائف في الأدب الرسمي ومدى بعده عن الصدق ومشاكلة الحياة، لأنَّ كتّابه متعالون.

 

 ولم يكن أدبنا القديم يتورع عن سرد النوادر الجنسية وما يتصل بالجنس بصراحة كما فعل (الجاحظ وابن حزم)، وسواهما. ونحن اليوم أحوج ما نكون إلى أن نعود إلى لغة الشعب لنكون أقرب إليه، وننأى عن رسميتنا في كلامنا وخطبنا الممجوجة، ونكفّ عن مهاجمة الكتّاب الذين اجترؤوا على كسر هذا الحاجز، ولو كره المتزمتون ودافعوا عن لياقة الأدب وحشمته. هم يريدون أدباً مجرداً من المجاز والتخيل ومقاربة الواقع، مع أن الدين نفسه خاطب الناس بالمجاز والقصص للاعتبار. ويحدث القرآن الكريم بصراحة عن الأمور الجنسية دون مواربة. فنصَّ على النكاح وشروطه. ونعتَ مريم العذراء بأنها أحصنت فرجها، فكيف يريدون أن يغلقوا الباب على الحياة في الأدب. كتب (نزار قباني) قبل أربعين عاماً في (القنديل الأخضر) (حين أراد الله الاتصال بالإنسان لجأ إلى الشعر، إلى النغم المسكوب والحرف الجميل..).

 

وفي الوقت الذي ينشغل فيه العالم بمشكلات العلم والتماس الحلول لها، تشغلنا نحن الهواجس والحفاظ على الموروث وتقييد الأقلام لكي لا تتجاوزه، إنهم المتسلطون على الأدب يخضعونه ويذبلون زهرة تفتحه، ويصرفونه عن قضايا الأمة الأساسية، ويضعوننا في موقف الدفاع كل مرة... وينالون من المفكرين الأحرار فيرغمون زوجاتهم على تطليقهم... جاء الكاتب أبو علي ياسين ليقول لهم: إن الحياة صراع، وليعلن انتماءه إلى الطرف المستضعف.

 

 ومن حق الكتّاب الأحرار اليوم أن ينتقلوا من موقف الدفاع عن حريتهم في التعبير إلى موقف الهجوم.. فالإيمان الديني مسألة طرفاها الفرد والله ولا علاقة للآخرين بأن يكونوا حكماً، ولا أن يكفروا ويحكموا على إيمان الناس. ذهب أبو علي ياسين والذين بقوا من أمثاله لديهم ما يفعلونه على دروب الإبداع الحر الضروري لحياتنا البشرية والمنبعث عنها.

 

وتحت عنوان: لا تمزح يا سعيد، يؤبن ممدوح  عدوان الكاتب القاص سعيد حورانية، فلا يصدق موته، وهو الممتلئ حياة ومرحاً، حتى ليخيل لمن يسمع نبأ موته أنه يسمع نكتة. كان (سعيد) من طينة دمشقية معجونة بهموم العالم وثقافة العصر. وكان مجادلاً في مجالس الثقافة، ومدافعاً عن القيم الإنسانية. وخسر الوطن بموته أديباً قاتل طوال حياته ونبّه بقلمه إلى خطورة المستقبل الذي ينتظر أمته، وقد مات قبل أن يشهد كثيراً من الكوارث التي كان يتوقّعها، وترك أقرانه يحملون عبأها، ويستشعرون مداراتها. 

 

 عبد اللطيف الأرناؤوط

 

2012-01-22
التعليقات