عاد الفرح إلى مكانه ووفى نذره، وتربَّع على البلاط دون أن أسمح له بالجلوس. وعدَّ نفسه من أهل البيت وليس ضيفاً.
وفي أجواء الغبطة غير المعهودة في هذا الشتاء، تمنيتُ من قلبٍ جففته الأسعار المرتفعة، أن تهطل الثلوج على المدينة، ربما يغلق سوق الهال أبوابه، وتتزحلق سيارات الخضار والفواكه، لكنّني لم أفلح بنتيجة هذه التمنيات الضَّارة بباعة الجملة والمفرَّق.. وعضضت على أصابعي من الندم على هذه الوصية الفاجرة التي لا تروق للفقراء خاصة.
ارتفعت شمس فرحي في سماء أحلامي، ولم أشعر بالبرد وانخفاض درجة الحرارة، حين سمعت صوت(أبي بكر) بائع الفواكه الذي يمر صباح كل يوم أمام بيتي، فخرجت محمَّلاً بسلّة التفاؤل كي أملأها بالموز. وعدتُ بخفي حنين عندما قال إن سعر كيلو الموز الصومالي 85 ليرة فقط، فاشتريت (أصابع الببو) وملأت السلة بثلاثة كيلو غرامات بمئة ليرة!
وتراكمت تمنياتي الثلجية، ولم يعد خُرج ذاكرتي يتَّسع لمزيد من الفرح، وأنا لم أصدّق ما تراه عيناي. ووقفتُ مندهشاً عند بائع أسطوانات الغاز (أبي مهنّد) ولم أرَ ازدحاماً، ولم أسمع ضجة وصراخاً . وابتسم الرجل واستمع إلى عزائي بوفاة أزمة الغاز ورحيلها غير الأبدي.. قلت في نفسي:(لماذا تسرَّعت قبل أسبوع واشتريت الأسطوانة بـ 600 ليرة؟).
ظلَّت التمنيات الثلجية تتراكم وكُرة الثلج تكبر، خاصة في تلك الساعة السوداء(من الثامنة إلى التاسعة ليلاً)، وهي الساعة الثالثة المضافة إلى فترة انقطاع التيار الكهربائي في حيّنا المحددة يومياً بساعتين، ولكن الأعجوبة اللؤلؤية أو الألماسية، أن رجال الطوارئ رحمونا في يوم الخميس(19/ ك2 )، وقفزوا فوقها، ما دفعني بشوق إلى الاستماع إلى نشرة أخبار الدنيا، وإكمال قراءة رواية الأديب المصري يوسف زيدان (ظلّ الأفعى). وبذلك أكون قد أنجزت قراءة رواياته الثلاث(عزازيل والنبطي). واستمعت إلى النشرة الجوية ليومين قادمين، متمنياً أن تكون السماء بيضاء، وأن تغرق الطرقات الحدودية بالثلوج بسمك ثلاثة أمتار، كي يتوقف تهريب السلاح إلى الوطن، وتتجمد أصابع المسلحين الذين يقومون بالتفجيرات والاغتيالات وإرهاب المواطنين. وأن يرتفع منسوب المياه الجوفية، وأن تنخفض أسعار المواد والسلع، ويصبح سعر البيضة الواحدة ثلاث ليرات بدلاً من ثماني ليرات!
لم يعد سجل ذاكرتي يتسع لمئات التمنيات، كما هي تمنيات أي مواطن، خاصة أصحاب الدخل المحدود. فتمنيت أخيراً أن يبدأ ذوبان كرة الثلج مع قدوم شهر آذار وتتخلَّص فرنسا من (ساركوزي) وسيادته الاستعمارية، وأن تغرق قطر في بحر البنات في الخليج العربي، وتأكل الأسماك شيوخها وأمراءها!