syria.jpg
مساهمات القراء
مقالات
حوار مفتوح ...بقلم : باسم عبدو

ليس الحوار فقط على المستوى السياسي، بل هناك حوار في الشارع ومكان العمل وفي البيت. فعندما تجتمع الأسرة على مائدة الغداء أو العشاء تبدأ الأسئلة، وما أكثرها في هذه المرحلة، وهي بعناوين متعددة الاتجاهات، من أبرزها:


أسئلة عن تطور الأوضاع الداخلية، وعن مجلس الأمن، وعن ارتفاع الأسعار في جميع المواد، خاصة المواد المستوردة.. وأسئلة عن الجشع وهو للعلم مادة غير مستوردة، بل هي صناعة محلية.. وعن المخازن الممتلئة التي تنتظر الأزمة بشوق، والتي حققت أحلام معظم التجار(بالجملة والمفرّق). وهؤلاء يستغلون الأزمات لجمع الأرباح الفاحشة وتكديس الأموال. فإضافة إلى العقوبات الاقتصادية العربية والدولية على الشعب السوري، هناك عقوبات يفرضها المستغِلون النهَّابون لقوت المواطنين ومحاولة إذلالهم وتيئيسهم.. وعقوبات أيضاً تأتي من بعض الجهات المسؤولة (أولاً وأخيراً) عن مراقبة الأسعار والأسواق، ومعاقبة كل من يحاول أن يسلخ جلد المواطن، ويشوي لحمه على نار الاستغلال دون أن يهتز ضميره .

 

 ومنذ أيام ظهر أحد المسؤولين على شاشة قناة (الدنيا) يدافع عن الغلاء وارتفاع المواد. واستغرق في تقديم توجيهاته ونصائحه للمواطن، وإرشاده أن يأكل سلطة الخس والملفوف بدلاً من سلطة البندورة، وأن تستخدم ربَّة المنزل هذا الزيت ولا تستخدم ذاك. حتى إن إحدى المشاركات قالت له: (هذا هو الفساد بعينه).

 

إنَّ أطفالنا أصبحوا يشعرون بالمسؤولية أيضاً مثل الكبار. وبَدَت تعابير وجوههم تدل على ذلك، وتسيل دموع الهموم على خدودهم، كحد أدنى من المشاركة بالمسؤولية مع آبائهم وأمهاتهم.

 

وصدّقوا هذه الحادثة التي أرويها لكم، وهي ليست من صنع الخيال. وأن الحوار قد جرى بين الابنة والأب، وهي لا تزال في مرحلة الطفولة لم تتجاوز الرابعة عشرة من العمر.

 

وعندما أمعنت (لُجين) في وجه أبيها الذي اجتاز عتبة الستين بقليل، وتفحَّصت التجاعيد التي غطّيت بالهموم  وأن ابتسامته التي كانت تبعث الأمل في نفسها دائماً قد بدأت تغيب،ولا تظهر إلاَّ في المناسبات العائلية وأحياناً في المناسبات الوطنية والأممية. كانت لجين هي المبادرة، التي وجَّهت له  السؤال التقليدي الذي تكرره كل يوم: لماذا يا أبي تضع كفَّك على خدّك؟ لماذا هاجرت ابتسامتك الجميلة؟ لماذا سمحوا لها أن تجتاز حدود الوطن، وأنت الذي عُدت من المهجر حبّاً بالوطن؟

 

وفاض حديثها من ساقية أحلام طفلة مدللة. وبدأت تشكو من الغلاء وتقول: قطعة الشوكولا تضاعف ثمنها، وسندويشة الفلافل أصبح سعرها خمسين ليرة والشاورما مئة ليرة وهكذا... وأنت بعد هذا العمر لا تزال تعمل أكثر من عمل وكذلك والدتي. وأن مجموع دخلنا الشهري الذي كنت أحسبه دخلاً كبيراً، بالنسبة لدخل الآخرين من أبناء طبقتنا، هبط إلى نصف قيمته بعد هجوم الغلاء الشرس على الناس وارتفاع الدولار. وأنا يا أبي حينما أرى أرتال الناس أمام محطات المحروقات وبائعي الغاز بالعشرات والمئات، ومؤخراً أمام أفران الخبز، أقول معها حق ابتسامتك الندية أن تهاجر من ثغرك، وأن تتحول إلى حطب  في موقد أوجاعنا.. ومن الآن أعاهدكَ بأنني سأضع جوَّالي في البيت، وسأحمل لفافات الزعتر واللبنة إلى المدرسة، وأعاهدك أيضاً بأنني سأكفّ عن طلب (الخرجية)  المتواضعة كل يوم!

 

ربَّت أبو نبيل على كتف لُجين وقال لها: لقد أصبحتِ يا حلوتي تتحملين المسؤولية مثلي وارتقى شعورك عالياً.عندئذ فاضت دموعها على خدين ورديين، وبدأت تستعيد ابتسامة أبيها بغبطة معطَّرة بالأمل، بينما كان الأب الحنون يمسح دموعها ويحتضنها بدفء قلبه الكبير ويردد: أنتم جيل المستقبل ومستقبل الوطن بين أيديكم!

 

2012-02-29
التعليقات