لم تكن الأمسيات و الليالي السوريّة التي أثرت بهاء عواصم، و مدن عدة في كل أنحاء العالم ، مجرد حلم توقفت قنوات أحلامنا عن بث حلقاته.... بسبب نقص في المواد الأولية للأحلام .
ولم تكن مجرد زركشات وجدانية عمدت محطات القلوب المحبة على تجنب بثها في نشرات أخبارها الرئيسية .... رغم مطالبة الجمهور .
و لم تكن هدهدات حكايا أدمن عليها السمار ، ثم استعاضت عنها برامج الفضائيات النشطة.... بمسوخ درامية ، لأشباه أمسيات ... و أشباه ليال ...و أشباه حكايا ، بالكاد ترقى لمحاكاة ....ثانية من ثوان الأنس في مكان ما .....من سورية .
لم تكن حلما ، بل كانت و ما زالت واقعا ملموسا ... و خبرا مؤكدا ... و حكاية سارية الأحداث .... أبطالها ... نحن السوريون المنثورون في كل أنحاء الأرض .
لم يكن عبق العطر الدمشقي الذي يطالع غربتك في مكان ما من هذا العالم .....و أنت الممعن في البعد ..محض وهم ... يخرج من حقيبة أمتعتك التي تجرها خلفك ...ليس كأي مهاجر.... لا ... لكن كسوري ....كتب عليك أن تكون نيزكاً هائماً..... تجوب كقارب أبدي .... بحارا عصيت على الملاحين ، ..... و أصقاعا تنتظر من يروض أرضها على حب البشر .
في أمس قريب....كانت شوارع و أزقة بخارس... فيينا.... لندن.... باريس ... بيونس آيرس .. سانياغو ... و حتى لاس فيغاس و فيرجينيا و ميري لاند ...و إلى آخر جزيرة مأهولة في المحيط الهادي .
كانت شوارع تلك المدن المسترسلة كحسناء مرخية الجدائل ..... و أزقتها المرهفة المسامع ... تعيش على وقع موسيقى شرقية تتسلل من شقة عائلة سورية تعيش ...هناك ..
أو رنة هاتف طالب سوري يدرس في جامعة ...هناك ....
أو دندنة عاشق سوري.... تذكر وجه حبيبته.....فرسم ملامحها بهمس الشفاه...على صمت ... هناك....
أو ضحكة تاجر سوري يبيع سلعا سورية ، تصدر صوتا سوريا عجائبيا ......سوق ...هناك ...
أو صوت مبضع جراح سوري يعزف على جسد عليل فيحيله إلى غصن مورق .... في مشفى ...... هناك..
أو بوح غريب سوري خرج من بيته في لحظة طيش ..أو لحظة حزن ..أو لحظة حب ....لم يتسعها حيّه الصغير في دمشق أو حلب أو اللاذقية ... و بعد أيام وجد نفسه ربانا هرما...... يسبح أكثر مما يمشي .......في سفر ....هناك ...
أو صوت معول عامل سوري متعلق بأخشاب برج يشاد في...... سماء..... هناك ...
بالأمس ...كانت الأسماء السورية هي موضة العصر....فكم من نور ....أو سعاد..أو رولى ..أو ليلى ...و طارق و عماد... بعيون أجنبية و جمال أجنبي يزيده الأسم السوري جمالا و حسنا .
هنا حيث نعيش ..في عاصمة أوربية.....يستيقظ الناس على حلم سوري ... و على أغاني فيروز و هي تغني الفلكلور السوري ..على موسيقى الرحابنة المعبقة بالعلامات الموسيقية السورية ..
في حديقة أحد البيوت هنا .... شجرة ياسمين جلبها في عهد ما سائح ...من هذا البلد .... حين زار سورية لأول مرة ، أقر بأنه بدّل حقائبه و أشياءه التي أشتراها كذكرى ،عدة مرات ..ففي كل مرة كان يحتفظ بالأغلى و الأثمن ...ثم بالأكثر ندرة ... ثم بالأكثر ضرورة ...و حين يحزم حقائب العودة إلى بلده ...كان يتأكد من أن غرسة الياسمين ستكون في حضنه في الطائرة ...
هذه الغرسة ...أنبتت هنا عشرات الغراس و ضوعت عشرات الأماكن ..إليها نحجّ نحن السوريون في الصباح.... عندما نكون في طريقنا إلى العمل ....
و أحيانا كثيرة نحجّ إليها قصدا ...حين نكون بحاجة للغفران ..أو لغسيل عميق لأرواحنا المغبرّة.
هنا اعتاد الناس على تنشق رائحة الياسمين الشامي حين يبدؤون التنفس الصباحي ....لأنهم سمعوا عن صباحات الشآم، و لأنهم إن أرادوا أن يبسملوا.... ذكروا إلههم ....على طريقة ...مآذن الشام ... أو أجراس كنائس الشام ...
هنا لا شيء أثمن من كنز ، سوى وجود صديق سوري لهذه العائلة أو تلك ....
بالأمس ..كان الناس هنا ..يتباهون بثقافتهم الشرقية ، و يفوز من يحفظ بعض أبيات من شعر نزار قباني أو مقطوعة لجبران ...ففي عهد قريب كان كل شيء جميل يوحي لهم بأنه سوري...
فكان جبران و السيّاب ...و حتى محمود درويش الفلسطيني جدا ....كانوا بنظرهم سوريين ...
أما اليوم ...(و بعد عام من العناء) فإن نزار قباني يكاد ينسب إلى ... لندن أو باريس .....إن لم يكن إلى الدوحة أو الرياض .
بالأمس ..كان يقف السوري ...ليستريح من تعب الزمان ....فيجد (الزمان) يجمع حوله آلاف الأصدقاء.... و عندما يهم بالعودة إلى الوطن تكون الطائرة السورية التي تنقله أثقل طائرا في الكون ... لما تحمله من ذكريات .... و حب .
بالأمس كان أناس من حينا ..هنا ... يغبطوننا ..لأننا سوريين ... يحومون حولنا ... و يفخرون بوجودنا هنا ، و كم من عائلة كانت تترقب القدوم في موعد قدومنا إلى حديقة الحي ...كي نكون أصدقاء ...و كنا .
اليوم تضم إحدى السيدات إبنتي الصغير ة و تقول لها ...الحمد لله يا صغيرتي أنك هنا .... فهناك في بلادك يبكي الياسمين ....
و تقول ابنتي ..بكل عفوية ...أنا يا جارتي هناك، و لست هنا ... فإن بكت عين في بلادي ...بكيت أنا...
أنا الياسمين الذي يجتاج لأن يعود إلى حيث نبت لأول مرة ...و على أعتاب الشام ...يملء قوارير عطره ... ليرجع من جديد .
يرجع ليثبت حقوق ملكيته ...
للناي ...و السنابل ...للألوان الدمشقية ، و للتبولة و العيران ...للفلافل و ورق العنب.....و الجوري و الحبق...و سليمان الحلبي.. و يوسف العظمة.. و جول جمال...لأسمهان و مصطفى العقاد و أدونيس ، و نزار قباني ...
أنا السوري و علامتي الفارقة هو ضوع عطري.
أنا السوري و علامتي الفارقة هو ضوع عطري. سلمت يمناك انا السوري اثبت بكل جدارة انني استحق لقبي سوريتي شرفي وكرامتي حماك الله يا بلدي لاعود اليك لقد بكينا دما مع بكاء الياسمينك شكرا من القلب للدكتور المحترم حبيب ابراهيم
السوري علامة فارقة