syria.jpg
مساهمات القراء
فشة خلق
ليزا في السفارة عم تستنى الفيزا... بقلم : نادين صغير

ليزا مع زوجها في السفارة يقفان قاب قوسين أو أدنى للحصول على الفيزا , دار الحوار مع السفير كالتالي:


ليزا : سعادة السفير يسرني أن أخبرك اننا قمنا باحضار جميع الاوراق التي طلبتها سفارتكم "بلاد الشمس" من حساب مصرفي وممتلكات شخصية و...
السفير: أهلاً بكما في سفارة الشمس أجل قمت بالاطلاع على جميع الأوراق وأود فقط أن اسألكم عن غايتكم من السفر أهي بقصد السياحة ؟

زوج ليزا: ذبلت الورود في ديارنا و أدمت شوكها القلوب فقررت الهجرة مع زوجتي إلى بلادكم الموقرة ونأمل منكم تكرماً تسهيل عبورنا و تيسير أمورنا.
السفير : أدري حال مصابكم و أشعر بحزن قلوبكم ،أرأيتم الهلال المتربع في وسط الفضاء؟مهما غاب نوره السحري عن حياتكم سيولد البدر من جديد لامعاً ساطعاً مزيناً صدر سمائكم ، وعجبي مالكم ترون الشوك الدامي في ورود دياركم و تتناسون عبير جمالها بالفعل صدق الشاعر ايليا أبو ماض حينما قال :وترى الشوك في الورود وتعمى **أن ترى فوقها الندى إكليلا.

ليزا: سعادة السفير، حل الحزن ضيفاً في بيوتنا سالباً بلونه الشاحب من روحنا لحن البهجة وعبير النقاء فحينما نهمل الزهرة سيئن ميسمها حرماناً من قطرات الصفاء وقد تفقد بريقها رويداً لتتناثر براعمها الغضة بؤساً و تذبل جذورها عطشاً ،لذلك نرغب بزرع بذورها في أرضٍ خصبة فتية لتفوح من جديد شذاها عبر الاثير أما سمعت بنصيحة الامام الشافعي الذي قال:


ما في المقام لذي عـقـل وذي أدب            من راحة فدع الأوطان واغتـرب
إني رأيت ركـود الـماء يفســده                 إن ساح طاب وإن لم يجر لم يطب

السفير : ماذا عن أحبائكم في بلادكم و ذكرياتكم و أحلامكم و آمالكم و مستقبل اطفالكم في بلاد الاغتراب ! قد تتشرد أوصالكم و تضيعون دربكم بين أناس لا يفهمون لغتكم و لا ينطقون بلسانكم ،وقد تُصدمون بنمط حياة لم تألفوها وصف المتنبي حال العربي في بلاد العجم بقوله
 وَلَكن الفَتى العربِي فيها    غريبُ الوجه واليد واللسانِ
ملاعب جِنةٍ لَو سارَ فيها      سلَيمان لَســـــــارَ بِتَرجُمان 

زوج ليزا : لكل شيء إذا ما تم نقصان و ما حياتنا إلا مجموعة متمازجة من الأضداد المتعاكسة المتكاملة، تكلمتَ عن مساوىء الغربة و تجاهلتَ وجهها الحسن فدعني اذكر ايجابيات الهجرة الخمسة التي سردها الشافعي بقوله تغرب عن الاوطان في طلب العلا وسافر ففي الاسفار خمسُ فوائدُ** تَفرُيج هم واكتساب معيشة وعلم واداب وصحبة ماجدُ
السفير : و ما قولك يا ليزا؟

ليزا : لعمري إن أقسى أنواع الاغتراب هي الغربة في عقر دارك حينما ترى روح البهجة هجرت أجسادنا لتحلق بعيداً في غياهب كونية و دروبٍ منسية،الوجوه الآن خالية من نفحات إنسانية و شفاه البشر تتكلم بلغة مليئة بالعنصرية يا ليت شعري إن أجمل ما في الأوطان صوت لحن الامان فالكوخ سيغدوا قصراً منيراً بالمحبة و السلام كقول الشاعر أبو ماض

 أحبب فيغدو الكوخ قصرا نيرا         وابغض فيمسي الكون سجنا مظلما

السفير :أنكم تبيعون ماضيكم و تتناسون حاضركم و لا تدرون ماذا سيخبىء لكم مستقبلكم لماذا لا تعيشون حياتكم و تحاولون اصلاح ذواتكم في عقر بلادكم أنتم كما قال ايليا ابو ماضي

  يا من تحنُ إلى غدٍ في يومهِ         قد بعت ما تدري بما لا تعلمُ

ليزا : إن سنّة الحياة التغيير والكون مفطورٌ على التجديد فكيف تمنعنا من التحليق؟

زوج ليزا : أوافقك الرأي زوجتي العزيزة و أيضاً يقول الشافعي:

 والشمس لو وقفت في الفلك دائمة          لملَّها الناس من عجم ومن عـرب

السفير : بعد الاطلاع على حالكم و سماع أقوالكم قررت سفارة الشمس اعطاء تأشيرة فيزا إلى
.............

ليزا -مقاطعةً- : أشكرك سعادة السفير وقد نطقتَ بكلمة و في قلبي نشوة الروحِ ارتوت بعد طول ظمأ

السفير : سنمنحك يا ليزا تاشيرة الفيزا تاخذين أولادك إلى بلاد الشمس لكن زوجك يا ليزا سيبقى هنا بدون تأشيرة و لا فيزا نظراً لضمان عدم هجرتك و خوفاً من عدم عودتك و لست أرغب بقراري تحريف مسار حياتك بل هي ستكون بإذن الله الضمان لرجوعك إلى"نقطة بدايتك" و موطن ديارك .

زوج ليزا :كم غريبة هي الأقدار تريدنا أن نعيش على هامش الحياة حالمين بنصف أمل و نصف حلم و نصف عمر و نصف حياة نعيش بين صفحات تورايخها آملين بحلول معجزة الدهر و اعجوبة العمر تنقذنا من الشعور بالوحدة والقهر،ترى هل سأفرح نصف فرح و نصفي الآخر راحلة بدوني مع فلذة كبدي ، أيها السفير دعني اهديك قولاً للمتنبي:


أبعينِ مفتقرٍ إليكَ نظرَتَني          فأهنَتني وقذَفتني من حالِقِ
لستَ الملومَ أنا الملومُ لأنّني        أنزَلتُ آمالي بغير الخالقِ

بالمناسبة: ليزا كناية عن الامل - زوج ليزا كناية عن الواقع- السفير كناية عن القدر

فإن عانق القدر حلمنا لانتشى الواقع طرباً و إن فرقت الأقدار آمالنا لأسوّد الواقع حزناً

 

2012-04-23
التعليقات
memo
2012-04-25 22:29:38
syria
مقال اكثر من رائع :)

سوريا
زميلتك في العمل
2012-04-25 20:24:21
سلمت يداك
عندما باشرت بالقراءة ما استطعت أن أتركها حتى أنهيتها كاملة وأحببت أن أعود لأقرأها من جديد علي أربط الأمل بالقدر بالواقع, أحببت ما تخطين كثيرا وأتمنى دائما أن تشاركينا هذا الجانب الرائع فيك بكل الحب كندة

سوريا
نادين (صاحبة المقالة)
2012-04-25 18:47:55
شكرا لكم
شكراً لكل من أضاف بصمته و زين مقالتي برأيه ،أخجلت تواضعي (الماني في هامبورغ).... حرقة فؤادي دفعني لرسم الواقع المرير بالكلمات تعبيراً عن ما يجول في نفسي من ألم معنوي و احاسيس لا يعلم بها سوى خالقها، كل الشكر لكم

سوريا
ابراهيم
2012-04-24 14:46:34
نظام فاشل متخلف رجعي
عرفتو ليش الشعب طالع بهالثورة ؟ لأنه النظام الموجود حاليا دمر البلد وخلاها بلد متخلفة وشرد أهلها وعطل قدرات هالشعب البطل اللي لو توفرتله شوية حرية كان صارت سووريا باريس الشرق بلا منازع وعلى الأقل كان هالشباب المغتربين رجعو وفادو البلد أحسن ما عم يفيدو بلدان تانية وتخسرهم البلد كرمال كم حرامي مدعوم من النظام السوري الفاسد.

سوريا
مغترب
2012-04-24 08:12:02
شكرا
مقال اخاذ بالشكل و المضمون

بولندا
ألماني في هامبورغ
2012-04-24 04:25:31
ماذا أقول؟؟؟
للمرة الاولى في حياتي اكمل مقال لآخره...فما أكثرها المقالات التي لا تشبه سوى كومة الرمل التي مهما أزلنا او اضفنا إليها...تبقى كما هي..ولكن مقالتلك الرائعة لا تشبه سوى سيمفونيات بيتهوفن وموزارت في اتساقها وافضائها إلى الخاتمة...كلامك رائع..توصيفك أروع..مخيلتك رأئعة...أسلوبك ينم عن أسلوب أديبة قد يتيح لنا القدر يوما ان نتعرف على أبداعاتها.بإختصار.أنا جدا مستمتع في هذا المساء الالماني الموحش في برده وفي عزلته.انا سعيد جدا.فشكرا جزيلا لك..لأانك أوقدتي لي شمعة في هذا الليل الالماني الموحش في غربته

سوريا
لادئاني أصيل
2012-04-23 16:33:29
اريد العودة ولكن لا استطيع
شكراً على المقال, مقال يستحق القراءة والتقدير. أنا من المغتربين السوريين في أوربا ولطالما أيقنت أن الحياة في سوريا جحيم, ولكن بسبب الاحداث التي تمر فيها سوريا قررت العودة الى بلدي, ولكن للأسف اكتشفت أنني مطلوب للقضاء وأن اسمي موجود على الحدود والمطار, والتهمة أنني كنت أشارك في المظاهرات ضد النظام هنا في أوربا... عودتي الى سوريا يعني موتي في احد معتقلات هذا البلد الرائع ... فتخيل يارعاك الله.

سوريا
أخ لكم
2012-04-23 08:17:17
أبكتني هذه المقالة
شكرا جزيلا على مقال رائع أخت نادين وحسبي الله ونعم الوكيل فيمن أوصلنا لحلم الهجرة الأبدية عن هذا البلد الذي نعشقه والذي كلما سافرنا نحن إليه ولو بعد مرور يوم واحد فقط بالغربة ولكن هي هكذا ....في سورية الحبيبة .......عوجة من يوم يومها وأبنائها متعثرون داخل وخارج البلد للأسف

سوريا