لا أعرف كم كان قد مضى على غفوتي, هناك من كان يوقظني من نومٍ لطالما جلب لي أحلاماً لم يتحقق منها شيء.
قال: أنا ملاك الحرية. و قبل أن نتبادل أطراف الحديث شكرته شكراً جزيلاً لأنني منذ زمن بعيد و أنا أتمنى أن أرى أي معجزة بأمِّ العين.... أو حتى أختها في أسوأ الأحوال.
قلت له: حدثني عن الحرية يا ملاكي.
فقال: اسمع أيها الإنسان, أنا لست ملاكك, أنا ملاك الحرية و لست ملكاً لأحد. و ابتسم ابتسامة الواثق إذ ظن أنه أعطاني بجملته هذه الدرس الأول في الحرية.
قلت: زدني يا ملاك الحرية.
فقال: كم شهراً سكنت أحشاء أمك؟ قلت: تسعة شهور. فقال: هل كان من الممكن أن تبقى لعشرة شهور؟ قلت: لا. فكرّر ابتسامته الواثقة و هو يقول: إنك حرٌّ بالفطرة.
و سألني: كم تعيش أيها الإنسان؟ أجبته: مئة عام تزيد أو تنقص. فقال: إنك لا تحتمل الأرض سجناً فتهجرها.
- و هل صحيح أيها الملاك أن حريتي تتوقف عندما تبدأ حرية الآخرين؟
- الصحيح أن حريتك لا تتوقف أبداً.
- أوليس من حدود للحرية؟
- بلى, يحدها من الجنوب بدء الخليقة و من الشمال نهاية العالم.
- و ما هو رأيك بالحرية على كوكبنا أيها الملاك؟
- إنها كينابيع المياه العذبة....
- لقد أدهشتني أيها الملاك
- لو تركتني أكمل جملتي لما اندهشت, إنها كينابيع المياه العذبة في صحراء الربع الخالي.
- ولكن الديمقراطية منتشرة على نطاق واسع من كوكبنا أيها الملاك!
- وما دخل الديمقراطية بالحرية أيها الإنسان!
- إن الديمقراطية تعني حكم الشعب.
ما إن سمع الملاك جملتي هذه حتى بصق في وجهي و قال: ومن أخبرك إن الشعوب حرة أيها التافه؟!
مسحت بصقته عن وجهي و سألته:
- هل للإناث نصيب من حريتك أيها الملاك؟
صمت ملاك الحرية لفترة ثم أجابني:
- إنني ملاك شرقي, و أحبِّذ ألا نتكلم في موضوع "الحريم ".
ما إن سمعت إجابته هذه حتى بدأت بتجهيز بصقة معتبرة و لكنه اختفى قبل أن أتمكن من إطلاقها.