syria.jpg
مساهمات القراء
مقالات
صلاح دهني ..هاجس السينما.. الأحلام المجهضة... بقلم : حسين خليفة

(رغم أن الجريمة ترتكب بلا كلام، فهي تعبر بفصاحة رائعة)
بهذه العبارة لشكسبير ينهي السينمائي والناقد صلاح دهني مقدمة كتابه الجديد (السينما السورية... مكاشفات بلا أقنعة).


يستذكر ذلك الفتى المهووس بالسينما حتى صارت مصيراً وقدراً، السينما السورية تحديداً التي (تركت له اسمها ذات حين، طلبت منه أن يجعلها تنهض... فكان عليه دوما عبء قياس ضربات قلبها ومد هذا القلب بأسباب الحياة).
هي ليست سيرة ذاتية بقدر ما هي سيرة السينما في سورية، بدءاً من خمسينيات القرن الفائت حين أتم دراسة الإخراج كأول سوري عام 1950 في المعهد العالي للدراسات السينمائية (الأيديك) في باريس، حين لم يكن من عشاق السينما في سورية سوى ثلاثة (أحمد عرفان ونزيه الشهبندر وزهير الشوا) خاضوا مغامرة إنتاج فيلم سينمائي لن يصمد أمام ما تعودت عليه الذائقة الشعبية حينذاك من أفلام السينما المصرية التجارية والأمريكية النمطية.
 

ثم تضافرت عوامل عديدة، الانقلابات العسكرية مولدة الدكتاتوريات، قيام الدولة الصهيونية في فلسطين، الأحلاف الاستعمارية،  انتشار الفكر الاشتراكي، نمو طبقة وسطى منفتحة على مفاهيم الحرية والعدالة، عودة عدد معقول من المثقفين والفنانين من دراستهم لمختلف الفنون خارج البلد.
هذه العوامل أسست لحالة نهوض في مختلف مناحي الفن والثقافة ومنها السينما.


ثمة بداية خائبة للسينما السورية في عشرينيات القرن، إضافة إلى البداية الثانية في الخمسينيات، هذه البداية التي عادت وأثمرت بعد عشر سنوات ودخول الدولة مجال الإنتاج السينمائي بعد جهود حثيثة من المثقفين والمهتمين.
لكن بداية التحول الحقيقي ـ يرى دهني ـ لم تأت سوى مع الوحدة السورية المصرية عام 1958، حين أُحدثت دائرة للسينما والتصوير تولى هو إدارتها بعد خروجه من السجن السياسي. وحاول أن يطور الفكرة إلى إحداث مؤسسة عامة للسينما. لكن حدوث الانفصال أجَّل الفكرة إلى ما بعد 8 آذار 1963 حين وافق وزير الثقافة آننذاك على إحداث المؤسسة العامة للسينما التي يعدّها بداية المرحلة الثالثة والأغنى في تاريخ السينما السورية.
بواكير السينما... بين العام والخاص


في الوقت نفسه بدأ القطاع الخاص دخول مغامرة الإنتاج السينمائي، مدفوعاً بالنجاح التجاري الذي حققته موجة الأفلام المصرية التجارية، فسبق نشوء المؤسسة العامة للسينما بإنتاج أول فيلم روائي طويل عام 1962، ثم تصاعد إنتاج القطاع الخاص السوري حتى وصل إلى 12 فيلماً عام 1974.


واستفاد القطاع الخاص من نجومية الثنائي دريد ونهاد ثم انضمام محمود جبر وزياد مولوي ورفيق سبيعي  لاحقاً إليهم.
وكان عدد دور السينما في دمشق وحدها 25 داراً، وفي سورية كلها 103دور. وهي أرقام أقرب إلى الحلم في الواقع الحال!!
وقد ساعدت المؤسسة العامة للسينما  القطاع الخاص في توفير القاعدة التقنية لإنتاجه، لكن أفلامه بقيت في إطار إثارة الغرائز لدى المشاهد والحركات التهريجية. ويكفي ذكر عناوين بعض الأفلام لمعرفة طريقة هذا القطاع في جذب المشاهد: (عاريات بلا خطيئة، امرأة تسكن وحدها، شقة للحب، وجه آخر للحب، امرأة من نار..)


ثم دخلت المؤسسة العامة للسينما أيضاً ميدان الإنتاج بأفلام قصيرة، ثم استعانت بخبرة يوغسلافية لإنتاج عدد من الأفلام الوثائقية. لكن مشكلة تسويق الفيلم السينمائي القصير والفيلم الوثائقي اعترضت إنتاجات المؤسسة.
وهكذا أنتج أول فيلم طويل عام 1968(سائق الشاحنة) بطولة الراحل خالد تاجا بالاستعانة بالخبرة اليوغسلافية!


ثم تتالت إنتاجات المؤسسة ونالت أفلامها جوائز عديدة في مهرجانات دولية. ووصلت إلى ذروة إنتاجها عام 1974 (ستة أفلام)، أميزها فيلم (الحياة اليومية لقرية سورية) للراحل عمر أميرلاي، وقد عانى الفيلم عنت الرقابة وبقي حبيس الأدراج؟!
ثم حلت فترة ركود إنتاجي يُجمِل الكاتب أسبابها لدى المخرجين والمؤسسة والجهات الأخرى ذات العلاقة.
ورغم (الهبَّة الإنتاجية) عام 2008 إلا أن السينما بقيت في انكفائها وبقيت الساحة محتكرة للتلفزيون.


نقد ورقابة وأشياء أخرى
في وقفة عند النقد السينمائي يتساءل الكاتب: هل يواكب النقد حقاً الحالة السينمائية في بلدنا؟ ويميز بين الناقد والناقل في حقل الكتابة عن السينما، مستعرضاً أسماء بعض الذين برزوا في هذا الحقل عبر مقالات صحفية وكتب، ثم يعرج على حكاية محاولة تأسيس جمعية نقاد السينما في سورية التي أجهضتها البيرواقراطية الحكومية؟!
أما عن الرقابة وشجونها فيشير إلى آلية عملها لدينا، ويقارنها بمثيلاتها الأوربية والأمريكية، وهي غير موجودة أساساً في أكثر من بلد أوربي.


في علاقة التلفزيون بالسينما يتعرض إلى سوء التفاهم المزمن بين الأداتين اللتين يمكن أن تتضافر جهودهما لإيصال فن السينما إلى أوسع قطاع من المشاهدين، وقد جرت محاولات لترجمة الفكرة عبر تأسيس دائرة الإنتاج السينمائي في التلفزيون السوري، وقدمت أعمالاً عدة، لكنها أيضاً أُجهضت بفضل تدخلات إدارية لا علاقة لها بالجانب الفني للحالة.


ويسهب في عرض مهرجانات السينما في سورية منذ أول محاولة لإقامة مهرجان دولي للسينما على هامش فعاليات معرض دمشق الدولي عام 1956، كان للأستاذ صلاح شرف استحداثه وتنظيمه. وقد دام 14 يوماً، وعرضت فيه أفلام من دول عديدة، ووزعت جوائز.. لكنه بقي محاولة فريدة لم تكتب لها الحياة، لتعود إلى الانطلاق عام 1972 عبر مهرجان دمشق الدولي لسينما الشباب، الذي لم يتكرر أيضاً لأسباب بيروقراطية وتنظيمية.


ثم كانت المحاولة الثالثة عبر مهرجان دمشق السينمائي عام 1979، وتتالت دوراته كل عامين بالتناوب مع مهرجان قرطاج السينمائي. وقد تولى الكاتب إدارة الدورة الرابعة له عام 1985، ليصبح مؤخراً مهرجاناً دولياً بعد أن كان خاصاً بأفلام آسيا والعالم العربي، وسنوياً أيضاً وهو ما يضع الكاتب اعتراضات جدية عليه.


هناك وقفات مهمة ومفيدة عند موضوع النوادي السينمائية ومدى نجاحها والعراقيل والصعوبات التي اعترضتها، وكذلك عند فكرة السينماتيك (المكتبة السينمائية) الغائبة حتى الآن عن اهتمام المعنيين، وحلم بناء مدينة سينمائية الذي بوشر به وأجهض أيضاً، ليختم أخيراً بموضوعين مهمين يستحقان الكثير من الدراسة والنقد والتحليل، وهما الأطفال والمرأة في السينما بشكل عام، والسينما السورية بشكل خاص.
في الهم الفلسطيني يتوقف عند تجربة فيلم كفرقاسم الذي أنتج عام 1974 من إخراج اللبناني برهان علوية وإنتاج المؤسسة العامة للسينما، مبيناً ما له وما عليه.
للكاتب سبعة كتب عن السينما، وعشرة في الأدب، ما بين قصة ورواية ومسرح وترجمة، إضافة إلى رصيد كبير في الإعلام المسموع خاصة عن السينما، وتاريخ لا ينكر يكاد يجعل ذكره مقترناً بتاريخ السينما السورية بكل إخفاقاته ونجاحاته القليلة.

 

 

 

 

 

 

2012-05-25
التعليقات