تعددت الكتابات الصحفية حولَ مشكلة البطالة ومدى تنامي معدلاتها بينَ الشباب، إلى جانب وجود العديد من منظمات العمل العربية التي تقوم بنشر تقارير تؤكد أن الوضع الحالي للبطالة في الدول العربية هو الأسوأ بينَ جميع مناطق العالم من دون منازع.
كذلكَ نشرت الصحف أرقاماً مخيفة حول أعداد العاطلين عن العمل بين جيل الشباب، وهناكَ هيئات عديدة لمكافحة البطالة تقوم بتقدير النسبة المئوية للبطالة، إلى جانب ما قام به العديد من الباحثين في مجال التخطيط، أمثال وزير التخطيط السابق الدكتور عصام الزعيم الذي قام بالعديد من الدراسات والمحاضرات حول دور الدولة الاقتصادي في عصر العولمة، ونموذج التنمية الاقتصادي في سورية، جميعها موثقة بالأرقام حول معدل النمو الاقتصادي وانخفاضه بالمقارنة مع معدل النمو السكاني.
مع كل ذلك كثرت الانتقادات التي وجهت للحكومات السورية المتعاقبة بأنها لمْ تولِ
هذه المشكلة الاجتماعية الاهتمام الذي تستحقه، ولمْ تجتهد في إيجاد حل جذري لها،
على الرغم من خطورتها وتزايد حجمها على مجمل الأوضاع السياسية والاقتصادية
والاجتماعية. كان يكتفى بالقول بأنَ الحكومة الرشيدة ستعمل على خلق فرص عمل جديدة،
ولكن دون زيادة حجم الاستثمارات الحكومية في الداخل.
ثم توسع صدر الحكومة فأصبحت تلتقي مع محللين اقتصاديين ليتحدثوا عبر وسائل الإعلام
المختلفة، بغية إفساح المجال للمهتمين بالشأن الاقتصادي والتنموي بشكل عام من خارج
الحكومة وإداراتها المختلفة، لإبداء آرائهم بتوجهات الحكومة الحالية والمستقبلية،
ولطرح العديد من برامج الإصلاحات الاقتصادية والتنموية الشبابية التي تعود على
المواطن والوطن بالخير والبركة.
لكن الملاحظ أنهُ كلما تحدثوا عن برنامج تنموي إصلاحي ازداد عدد العاطلين عن العمل.
فعندَ الحديث عن الخطة الخمسية العاشرة، كان الهدف تعزيز ما يسمى باقتصاد السوق،
وأصبح هذا الشعار بقرار من المؤتمر العاشر لحزب البعث (اقتصاد السوق الاجتماعي).
من حيث المبدأ كان التبادل النقدي، والبيع والشراء والعرض والطلب سائدة في الاقتصاد
السوري منذ بدأ الإنتاج السلعي. وكانت مظاهر السوق تتطور عموماً تبعاً لتطور القوى
المنتجة وتقسيم العمل الاجتماعي. فأين يكمن الجديد؟ وما المقصود فيما يسمى باقتصاد
السوق؟ إنه التمويه بعينهِ، وتجنب تسمية الأمور بمسمياتها، فالمقصود هنا هو التطور
الرأسمالي.
فالسوق بحد ذاتها ليست نظاماً، أو نمطاً اقتصادياً محدداً، وإنما هي نتاج النظام
الاقتصادي السائد، الذي تحددهُ بالأساس طبيعة تملك وسائل الإنتاج، وهذه الأخيرة هي
التي تعطي النظام هويته وليست السوق.
وكلما أكدت الحكومة من خلال خطتها المستقبلية أنها ستقوم بخلق فرص عمل جديدة لجيل
الشباب عن طريق إصدار قانون التقاعد المبكر الذي انتهجتهُ الحكومة، ادعى أصحاب هذه
الفكرة أنهم يريدون من وراء ذلك استكمال التشريعات العمالية ومنح العاملين حرية
أكبر في مواصلة العمل في الدولة أو التخلي عنهُ. هذا من حيث الشكل، أما بالنظر
لظروفنا الحالية، وشكوى الدولة من نقص الكوادر بين المشتغلين عندها، فالتقاعد
المبكر هو أغراء لهذهِ الكوادر بترك مؤسسات وإدارات الدولة والالتحاق بالقطاع الخاص
أو الانتقال إلى خارج البلاد. فكم من مرة جرى التفريط بالكوادر المحلية، واستقدمت
كوادر أجنبية أقل كفاءة وبكلفة مضاعفة أضعافاً.
بعد كل ذلك يأتي شخص مخضرم في السياسة ليقولَ ليْ إن هذا الجيل الشاب لا يقرأ
الواقع بشكل جيد ولا يهتم بالسياسة، بل ينتهج ثقافة استهلاكية معولمة بحسب ما تريده
الدول الغربية تحت مسمى الحرية كما يرغب بها. فأنا أذكر كيفَ كنا نقرأ التاريخ
قراءة نقدية لنكتشف حاضرنا من أجل صناعة المستقبل. أما عن حالات الصراع التي كانت
تتم آنذاك فهي مستمدة من الصراعات القائمة بين القوى الوطنية الموجودة في الساحات.
فلكلٍ برنامجهُ الانتخابي الذي يمثل الأيديولوجية التي ينتمي إليها، أما حراكنا
السياسي فقد كان متمثلاً بالتجمعات القائمة على النقاشات الفكرية والسياسية آنذاك
وموقف هذا التنظيم السياسي أو ذاك من هذه القضية أو تلك، وهل تخدم الوطن أم لا.
بعدئذ قال لي إنه لا شيء يستطيع إيقاف أولئك الذين يريدون العيش، فكلنا للوطن للعلا
للعلم.
أجبتهُ بالقول ما الذي بقى لدينا بعدَ أن ذرفنا الكثير من الدموع على الآلام
والأوجاع والكوارث التي يعانيها شبابنا الوطني المتعطش للكلمة، للصراخ، للصمت،
للتمرد، للحب، للحياة، للرقص، للعمل، للانتماء، للغة، للحرية، للوفاء، للنسيان،
للوجود، للجمال، للدمعة، للابتسامة، نعم للوطن.