syria.jpg
مساهمات القراء
مقالات
بعد الدستور والمجلس.. ماذا عن حكومة المهام الصعبة؟ ...بقلم : بشار المنيّر

حماية الوطن وضمان أمن وحريات المواطنين
إلغاء القوانين التي تتعارض مع الدستور
مراجعة السياسات الاقتصادية والاجتماعية
وضع قانون عصري للأحوال الشخصية
إقرار سياسة عادلة للأجور


بعد إعلان نتائج الانتخابات التشريعية في سورية، وصدور المرسوم الذي سمى أعضاء مجلس الشعب الجديد، ستعمد الحكومة الحالية إلى تصريف الأعمال، بانتظار تشكيل الحكومة الجديدة التي ستواجه استحقاقات سياسية واقتصادية واجتماعية كبرى في مرحلة من أصعب وأخطر المراحل التي واجهتها بلادنا في تاريخها الحديث.
 

السوريون خضعوا في العقد الماضي إلى سياسات اقتصادية واجتماعية أسست لتغيير العلاقة بين الدولة والمواطن، فكان رفع نسب النمو هو الهدف الذي سعت إليه الحكومات المتعاقبة، بغض النظر عن القطاعات المولدة له، والفئات الاجتماعية التي ستقطف ثماره،  مما أدى إلى تراجع القطاعات المنتجة، وتقدم القطاعات الريعية، وظهور فئات رأسمالية(حديثة) برزت من خلال ارتباطها بمراكز القوى، وسيطرت على الاقتصاد السوري برمته. وتراجَع الدور الرعائي للدولة تجاه الفئات الفقيرة. وعانت الجماهير الشعبية (تطنيشاً) متعمداً لمعالجة أزماتها،  وخاصة تدنّي الأجور،  واتساع بؤر الفقر. وزيادة عدد العاطلين عن العمل، وارتفاع أسعار السلع والخدمات الرئيسية، مما أدى بعد سنوات إلى تراكم الغضب الشعبي الذي كان أحد الأسباب الرئيسية للأزمة المركبة التي مازالت بلادنا ترزح تحت وطأتها منذ خمسة عشر شهراً.


لقد بينت الدروس المستخلصة من حصاد السياسات الاقتصادية في العقد الماضي- التي لانعتقد أن الطاقم الاقتصادي للحكومات السابقة هو المسؤول الوحيد عن وضعها، بل إن النظام بأكمله قد وقع تحت أوهام الاعتماد على القطاع الخاص وحده وهو وهم كبير وخطير، لن يؤدي إلى تحقيق التنمية الشاملة للاقتصاد والإنسان، وأن عدالة توزيع الدخل الوطني وحل الأزمات التي تعانيها الفئات الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة لا تدخل ضمن مهام القطاع الخاص. فارتفاع معدلات البطالة إلى أكثر من 18%، وارتفاع معدل الفقر في البلاد إلى أكثر من 42%، وزيادة معدل التضخم إلى أكثر من 15% لا يعالج بزيادة نفوذ هذا القطاع وتكريس سطوته، بل يتطلب تدخلاً من الحكومة لإعادة التوازن إلى عملية التنمية، حرصاً على عدم اتساع الفوارق الطبقية بين فئات المجتمع السوري، الذي يهدد الاستقرار الاجتماعي أيضاً،  وهذا ما نبه إلى مخاطره الحزب الشيوعي السوري (الموحد) وجريدته (النور) مراراً- ونبه إليه غيرنا أيضاً-وهذا ما عبرت عنه مطالب الجماهير الشعبية قبيل وخلال الأزمة التي تمر بها بلادنا.

 


الفترة الانتقالية التي عايشتها الحكومة الحالية، والتي تميزت بصدور القوانين والمراسيم الإصلاحية،  والتي اختتمت بوضع الدستور الجديد وإجراء الانتخابات التشريعية، لم تسمح لها بحل المعضلات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى التي تواجه بلادنا، كذلك فإن العقوبات الظالمة التي فرضها التحالف الدولي المعادي لسورية بهدف تجويع الشعب السوري، وإنهاك قطاعاته المنتجة، حجّمت الوسائل المتاحة أمام الحكومة لحل هذه المعضلات، وبدت عاجزة، بعد تراجع إيرادات الخزينة، عن تنفيذ الخطط اللازمة لإنعاش الاقتصاد الوطني، ومعالجة المسائل الاجتماعية الملحة.

 

 لكن إضافة إلى هذه الظروف الموضوعية، لم تعمل الحكومة على تحقيق اختراق ما يخفف من وطأة الضغط الذي تعانيه جماهير الشعب، بل ظهر طاقمها الاقتصادي مرتبكاً..يعاني غموض الهدف..وضعف الانسجام، مما أدى إلى ارتكاب أخطاء في معالجة بعض الملفات الهامة، كتمويل المستوردات وارتفاع أسعار القطع الأجنبي،  والتأخر في تفعيل أدواتها التدخلية في الأسواق.

 

السوريون بحاجة، حسب اعتقادنا، إلى حكومة وحدة وطنية، تمثل الأطياف السياسية الوطنية،  وبضمنها الطيف الوطني المعارض.حكومة فاعلة.. قادرة.. مستندة إلى توجيهات ممثلي الشعب المنتخبين،  تتخذ قرارات سياسية واقتصادية واجتماعية كبرى، لتفكيك المعضلات التي تقف حائلاً دون مضي سورية في طريق التحول الديمقراطي السلمي، وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة، وأهم هذه القرارات حسب ما نرى:


1 - وضع مشاريع قوانين لإلغاء التشريعات التي تتعارض مع أحكام الدستور الجديد.
2 - اتخاذ القرارات الإدارية التي تفكك هيمنة حزب واحد على العمل السياسي والإداري في جميع دوائر الحكومة.
3 - ضمان أمن المواطن واستقراره، وحمايته من الإرهاب مع الحرص على وقف التجاوزات الأمنية والإدارية لنصوص الدستور، والحفاظ على حقوق المواطن السياسية والاجتماعية.
4 - مراجعة النهج الاقتصادي للبلاد، والعودة عن السياسات الاقتصادية التي أدت إلى تراجع نشاطنا الصناعي والزراعي والحرفي، وأضعفت إلى حد كبير دور الحكومة في العملية الاقتصادية، وخاصة تحرير التجارة الخارجية، والشراكات (المستعجلة)، والإجراءات الأخرى التي أخذت الاقتصاد السوري بعيداً عن (اجتماعيته) المفترضة، وأخضعته للرأسمالية الطفيلية، والنشاط الريعي، والتي استحوذ عليها عدد محدود من رجال الأعمال من ذوي النفوذ السياسي.
5 - قيادة عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية المخططة والمتوازنة، بالمشاركة مع القطاع الخاص الوطني المنتج، دون عراقيل بيروقراطية ودون هيمنة عليه وبالاستناد إلى صيغة التعددية الاقتصادية، وتوجيه الاستثمارات الحكومية والعربية والأجنبية نحو المشاريع التي تخدم خطة التنمية.


6 -التركيز على المشاريع الحيوية الكبرى التي تنعكس على القطاعات الاقتصادية المختلفة،  وعلى الأوضاع المعيشية والاجتماعية للمواطنين بآن معاً،  كمشروع جر مياه دجلة إلى الحسكة، والضواحي السكنية الشعبية الجديدة، ومشاريع الطاقة الكهربائية، ودعم وتطوير القطاع العام الصناعي الذي كان شهيد المرحلة الماضية.
7 - منح الدعم والتحفيز للاستثمارات والشركات الصغيرة والمتوسطة، التي تشكل نحو 85% من الفعاليات الاقتصادية في البلاد، وتولد مابين 60- 80 %من فرص العمل، وتوجيه الشركات الكبيرة والقابضة نحو المشاريع الإنتاجية الكبيرة، لا إلى المشاريع الريعية، وإنشاء (المولات) والمطاعم السياحية، وغيرها من الأنشطة الفقاعية.
8 - وضع قانون عصري للأحوال الشخصية، يستند إلى المساواة الكاملة بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات، ويسهم في إطلاق الطاقات الخلاقة للمرأة السورية.
9- تنفيذ خطط الحكومات المتعاقبة المنسية، وخاصة تلك التي وعدت بتطوير وإنهاض المناطق الشرقية من البلاد، ورفع سوية الخدمات الاجتماعية الحكومية المقدمة للفئات الفقيرة والمتوسطة،  كالتعليم والصحة والضمان الاجتماعي، وإعادة توزيع الدخل الوطني وفق مبدأ العدالة الاجتماعية.
10- وضع سياسة عادلة للأجور، تأخذ بالحسبان تناسب الأجر مع المستوى العام للأسعار، مما يؤدي إلى تحفيز الطلب على السلع، خاصة في المرحلة الحالية، ويسرّع في تجاوز مرحلة الركود.
نحن ندرك أن تنفيذ هذه الاستحقاقات ليس سهلاً، لكن غد سورية الديمقراطي المحابي لمصالح الكتلة الشعبية الكبرى يتطلب السعي الجدي لتحقيقها، عبر حكومة، يتمتع أعضاؤها بالقدرة على المبادرة، واتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب دون تردد أو مخافة.

 

بشار المنيّر



 

 


 
2012-05-27
التعليقات