syria.jpg
مساهمات القراء
خواطر
لماذا لا نفكّرُ منْ جديدٍ ؟!... بقلم : مصطفى قاسم عباس

هو سؤال أطرحه دائماً على نفسي, وأهمس به في أذن فكري, وكثيراً ما يجول في سفينة خواطري ولا يرسو على شاطئ الجواب, فأعينوني بقوة أجعلْ بين جبلِ السؤال وانكشافِ سهل الجواب ردماً!


ويبقى السؤال :

لماذا لا نفكر من جديد في كثير من الأمور التي تجري من حولنا؟ وفي كثير من الأفكار التي ترسبّت مع مرور الزمن في عقولنا وقلوبنا؟

لماذا لا نفكر من جديد في كثير من الصداقات التي كوّنّاها خلال السنوات الماضية؟ والتي اكتشفنا أنها كانت كسرابٍ بقِيعةٍ يحسبه الظمآنُ ماءً, أو كالباحث عن الغول والعنقاءِ!

 

هل فكّرنا في الحسد وما يصنع في القلوب حتى نراها تكادُ تـميّز من الغيظ؟ وفي الضغينة وما تُخلِّف من أحقاد وعداوات ورزايا؟ وفي الرياء الذي أصبح فطرةً عند بعض الناس, والغيبة التي أصبحت جزءاً من لسان أقوام يحبون أكل لحوم إخوتهم وهم أمواتٌ؟ وفي النفاق الذي استشرى في صدور كثيرٍ من أبناء مجتمعاتنا, وكأن ابنَ أبي سلول له خلائفُ وأحفادٌ؟

 

لماذا لا نفكر في الكاتب الذي يظن أن كتاباتِهِ عَقِمَ القلمُ بعد أن وُلدت, وأن كلماتِه في رونقها يتيمةُ الدهر, وفي علوّها ورِفعتها مُعلَّقات هذا العصر, أمّا كتابات غيره وكلماتُـهم فهي قد أكل وشربَ عليها الدهرُ؟

 لماذا لا نفكر في الشاعر العجوز الهرم الذي يتحدث عن الغزل والحب زاعماً أنه خليفة عمرَ في زماننا ولكن ليس ابنَ الخطاب بل ابنَ أبي ربيعة؟!

 

وفي الشاعر الذي يُحدّثك عن التواضع وهو أول المتكبرين, وعن الوفاء وهو أول الخائنين, وعن الشجاعة وهو أول الجبناء الخائفين؟

هل فكَّرنا في الصحفي الذي يكتب عن الفضيلة وهو بعيد عنها, ولا يعرف إلا اسْمَها؟, وعن الثقافة ولا يعرف أصولَها؟, ويكتب باللغة العربية ولا يعرف أبسط قواعدها, ويعالج قضايا الناس وهو بحاجة إلى من يعالج له قضاياه؟

هل فكرنا في المعلم الذي يُمضي درسه لهواً ولعباً, ويزرع سِدر السموم علقما مرّاً في عقول طُلابه؟

وفي الطبيب الذي يجرح قلوبَ الفقراء والبائسين بتطاوله وتجبره, ويشرِّح أجسادهم بمبضعه؟

 

أ نفكرُ في الشيخ الدعي الذي رمى بنفسه في بحر العلماء, وهو لا يزال غارقاً في أبْحُر جهله؟ أم نفكرُ في الإمَّعَات الذين يتبعون كل ناعقٍ ,ويركضون وراء كل سراب؟!....

هل نفكر في المدير الفاشل الذي يضع اللوم على موظفيه عند العقاب! ويُقَلَّدُ هوَ أوسمةَ الإخلاص والتفاني في العمل عند الجزاء والثواب؟

 

لماذا لم نفكر في المرائين وأصحاب النقد النابع من الحقد, الذين همُّهُم في الحياة تتبُّع السَّقَطات, والنظرُ إلى الحضيض , ولست أدري , لماذا أُولعوا بحب السقطات والعثرات ؟, وحدّقوا بأعينهم في وجه الذي زلت به القدم على أنه ارتكب الموبقاتِ السبعِ ؟ فهؤلاء الذين ينطبق عليهم قولُ الشاعر:

فإن يرَوا هفوةً طاروا بها فرحاً        مني وما علموا من صالحٍ دفنوا

 

......وللإنصاف أيضاً,لماذا لا نفكر في الصديق الوفيّ, وبصاحب القلب النقي ؟ وفي الكاتب الذي يسطّر كتاباتِه بمداد دمه الطاهر على بياض قلبه الناصع, وفلذة كبده, ونبض خافقه, يواسي المحرومين, ويمسح بيد كتاباته الحانيةِ على رؤوس الحيارى والوجلين....

وفي الشاعر الذي يصوغ شعرَهُ وقوافيَهُ رسالةً ومنهجاً وإخلاصاً وحبّاً ووفاءً...

 

دعونا نفكر معاً في الصحفي الذي يراه الناس مرآةً صافية تعكس آمالهم وآلامَهم, وفي المعلم النصوحِ الشفوق الذي يسقي غراسَه علماَ ونوراَ ومعرفة وحكمةً ...

وفي الطبيب الحاذق الذي يخفف بحنانه وإنسانيته دموعَ الأسى, وجراحَ القلب الحزين, قبل أن يداويَ الأجسادَ والجوارحَ....

وفي الشيخ العالم العاملِ الذي يدعو إلى الله على بصيرة وهدىً وكتابٍ منير...

 

لنفكرْ معاً في أصحاب العقول الحرّة التي تبحث عن الحقيقة, وترتوي من فرات المعرفة ماءَ فُراتاً سائغاً للشاربين...وفي المدير الذي يخرج صباحاً إلى مديريه ليرى فيها بيتَه الثاني, وأسرتَه المثالية...

دعونا نفكر معاً من جديد, لان الأمر يتطلب منا تفكيراً جديداً بين الفينة والأخرى , حتى لا تتراكمً وتترسبً وتتربعَ على عرش عقولنا وقلوبنا رواسبُ الزمن وعاداتُه وتقاليدُه,...

 لنفكر في كل ما حولنا ,فما أشد حاجةَ الإنسان إلى لحظة يعيدُ فيها حساباتِه , ويفكر فيها من جديد .

 


 
2012-06-05
التعليقات