syria.jpg
مساهمات القراء
قصص قصيرة
المسؤول والعلاقة بين الشمّاعة والعلّاقة - 6 -...بقلم : م فواز بدور

بلغ السيل الربا  , و حجب اليأس الأمل  , ولم يبقَ من طريقة لوقف دموع شهرزاد  فعيونها اعتادت على البكاء , أما البصل فاقتصر تأثيره على العيون دون الأنف فلم يعد يفعل فعله لتقبّل أي تصرف  أو تحمّل أي حالة , وتولّدت لدي قناعة  بأن السؤال  عن العلاقة بين الشمّاعة والعلّاقة  هو السؤال الذي ليس له إجابة


ومضت الأيام برماديتها لتظهر الأزمة مع كل نفسٍ نتنفسه وفي كل مفصل من مفاصل حياتنا ولتظهر نتائجها على الروح والفكر قبل تأثيرها على المادة والجسم فدفعنا ثمن أخطائنا وأخطاء غيرنا ودفعنا ثمن ضعف نفوسنا وضعف نفوس غيرنا وفشلنا في كل الامتحانات المتعلقة بها من أبسطها إلى أعقدها , فشلنا جميعاً على اختلاف طوائفنا ومذاهبنا وعلى اختلاف أرائنا وأحزابنا وتوجهاتنا وعلى اختلاف مواقعنا  فقد برزت أنانيتنا وبرزت عصبيتنا وبرزت استغلاليتنا والشيء الوحيد الذي لم يظهر وكان يجب أن يظهر هو وطنيتنا أو على الأقل  قدرتنا على التضحية بجزء من مصلحتنا من أجل مصلحة الوطن وبدلاً من ذلك ظهر انعدام الوعي وانعدام العقل وانعدام الإيمان وانعدام الوفاء ففعل أسوأنا كل ما لا يمكن فعله و برر أفضلنا كل ما لا يمكن تبريره وعلت في داخلنا أصوات الشر

 

من أراد أن  يحمل السلاح فليحمله طالما أنه لا يوجهه إلينا !

ومن أراد أن  يسرق فليسرق طالما أنه لا يسرقنا !!

ومن أراد أن  يهتف فليهتف بما يريد وكيف ما يريد طالما أنه لا يقترب من مقدساتنا نحن وليس هناك من مقدسات غيرها !!!

فانعكس الدمار الذي في نفوسنا على  شوارع حارتنا وشوارع مدينتنا وشوارع وطننا وما عاد منا من  يكترث لحجمه

وتمادى صوت الشر وتعدى حدود الفكر الإنساني إلى الفكر الشيطاني فساهمنا في التخريب والتدمير بشكل معنوي إن لم يكن بشكل مادي

 

وبينما أمرّ على دمار روحي المتناثرة على زجاج وجدران الأبنية المدمرة في الشارع  الذي ضم ذكريات طفولتي وشبابي من غير أن  أشعر يوماً بجماله ولا أن  أكترث لتناسق أبنيته ولا لجمال تنوعه محاولاً ألا أجري تلك المقارنة بين ما كان وما  صار عليه لفت نظري لافتة مشوهة من الاحتراق مكتوب عليها بخط فني جميل  " المركز الفني للتعليق  " و أسفلها عبارة أكثر من نصفها غير مفهوم تنتهي بـ " شهادات معتمدة " فنسيت حجم التخريب المادي الكبير الناتج غالباً عن تفجير عبوة ناسفة يفوق وزنها الألف كيلو غرام ورحت أنتبه للتخريب المعنوي وانتابني إحساس بأن هذا المكتب كان سيجيبني على سؤالي الذي لطالما شغل بالي ورحت ألوم نفسي لماذا لم أنتبه لوجود مكاتب خاصة بالتعليق فمن أكثر منها قدرة على الإجابة على سؤالي

 

 فدخلت المكتب المسروق والمكسّر والمحروق ورحت أبحث عما لا يعني السارق  ولا يهتم له الحارق ولا يكترث له  المخرب علّني أجد إجابة على سؤالي فوجدت بعض الأوراق التي لم تصل إليها النار ولم يكترث لها السارقون ولم يمزقها المخربون  ربما  لاقتناعهم بأن موضوع التعليق أساسا لا يعنيهم لا مادياً ولا  معنوياً فقد ولى بحسب قناعاتهم  زمنه وانتهي لديهم زمن التخفي  والتعليق وأتى زمن التفجير والخطف والقتل والتنكيل فمن لا يعجبنا رأيه لما نحاججه أصلاً طالما أننا نستطيع قتله  وأي مبرر لاستخدام العلاّقة طالما أن هناك مشنقة وما معنى التأني في التعليق والترتيب في زمن التدمير والتخريب

 

 فجلست في الركن المطل على بقايا الشلال الصناعي الذي امتزجت مياهه بالحقد كما امتزجت رائحته بالموت ورحت أتخيل الأسرار والدروس عن الفساد والإفساد التي لطالما سمعتها تلك المياه التي كانت تجري في هذا الشلال وإن كان الفساد لا يغير لون الماء وأخذت أقلب بقايا الأوراق المحترقة  وأقرأ عن أساليب التعليق المختلفة التي يتبعها المسؤول للوصول إلى منصبه  والتي يستخدمها للمحافظة عليه مضافاً إليها بعض النصائح  المفيدة في مجال التسلق والانبطاح ولفتت نظري تساؤل صحيح وقلت في نفسي مستغرباً  كيف لم يخطر ببالي رغم وضوحه الشديد  " كيف يمكن لك أن تتخيل أن يفهم كرامتك وعزة نفسك وترفعك . . . مسؤول وصل لمنصبه بتقبيل الأحذية  " وبعد ذلك قرأت ملاحظة مكتوبة بخط اليد " قبل ما  تلقلق لمسؤول فكر تلقلق للأعلى منو لتجي محلو " ووصلت إلى صفحة معنونة بـ " أسس وأساليب التعليق " وتابعت القراءة في الصفحات اللاحقة فحصلت عدة نصائح وملاحظات منها

 

" لا تعلّق أكثر من موضوع على علّاقة واحدة "

" لا تعلّق علاقة كبيرة على علّاقة صغيرة "

" يمكن لأكثر من علّاقة صغيرة أن تُعلّق على علّاقة كبيرة "

"اختيار العلّاقة الصحيحة هو الخطوة الأولى للوصل إلى تعليق ناجح "

"قل لي كيف تعلّق أقل لك من أنت"

 

فانطلق ذهني في التفكير كيف يمكن الربط بين هذه الملاحظات والعلاقة بين الشمّاعة والعلّاقة   باعتبار العلّاقة الكبيرة هي الشمّاعة  وتوصلت إلى أن كاتب هذه الملاحظات يريد أن يقول  أنّ الشماعة يمكن أن نعلّق عليها أكثر من علّاقة  ولا يمكن أن نعلّق شمّاعة على علّاقة  ولكنّ هذا الكلام المقنع لم يرضي نهمي للوصول إلى إجابة على السؤال  عن العلاقة بين الشمّاعة والعلّاقة  فتوقفت عن تصفح الأوراق  المتبقية وبدأت مخيلتي ترسم العلّاقات في الهواء فعلّاقة للفساد وعلّاقة للأنانية وعلّاقة للعصبية وعلّاقة للمؤامرة وعلّاقة  للسرقة وعلّاقة للرشوة وعلّاقة للاحتكار وعلّاقة للغش وكل هذه العلّاقات  معلقة على شمّاعة واحدة متحركة متغيرة متنقلة

 

وهنا خرجت من ذاكرتي شهرزاد وهي تجهش بالبكاء  وتردد هذا الكلام  " أنت أيها الإنسان . . .  أنت الشمّاعة " ربما كانت تحاول  بدموعها الغزيرة غسل جزءٍ من هذا السواد كي تسمح للنور بالدخول فسمعت صوت الجواري  الذي يحمل عبق الحكايات وهنّ يغنين أو ربما  يندبن :

" فلتبكي عيونك يا شهرزاد . . . ليمحي دمعك هذا الظلامْ . . .

علّنا نعود  إلى انسانيتنا . . .  فنعرف ما سببنا  من آلامْ

وإن عدنا إلى رماديتنا. . . ندرك كيف ضيعنا السلامْ

كيف تلطخ فكرنا بالدماء. . . وقتلنا بحقدنا كل الأحلامْ

لا تصمتي يا شهرزاد . . . فلا صوت يسمع ُ . . . إلا صوتك . . . وصمتك حرامْ

 

اطلبي من شهريار. . . أن يصحو في النهار

 أن يكسر سيف الجلاد . . . أن يمنع القتل في البلاد

أن يمنع قتل الصبايا . . . لأنّ احداهن من الأشراف . . . هربت في يوم الزفاف

وإن مُتِّ  يا شهرزاد . . . ومات شهريار . . . سيبقى الوطن . . . ويبقى الكلام "

2012-07-05
التعليقات