في الشهر 11-2011 كتبت مقالة بعنوان "وبعدين!!!" قلت فيها ان الازمة السورية ستكون طويلة وان حلها يتطلب تسوية تتدخل فيها كل القارات لان اهمية سوريا بالنسبة للمشروع الاميركي الاسرائيلي تكافئ اهمية سوريا بالنسبة للمشروع الروسي الايراني
وهذه الظروف مشابهة تماماً لظروف اسبانيا في الثلاثينات عندما كانت تتجاذبها قوى اليمين المحافظ واليسار الاشتراكي من الداخل وكذلك من الخارج حيث كانت اوروبا منقسمة على نفسها والتي انتهت بحرب اهلية استمرت خمس سنوات شهدت في الاسابيع الاولى منها 369 حادث اغتيال سياسي و 1287 حادث استخدام سلاح و 160 حادث احراق كنائس و 69 حادث هجوم مسلح على مقر سياسي و 112 حادث اضراب, وطبعاً كانت نتيجة الحرب الأهلية كما جرت العادة في التاريخ هي ولادة دكتاتورية جديدة قادرة على السيطرة على
حالة الفوضى الموجودة تمثلت في اسبانيا بالجنرال فرانكو الذي استمر في السلطة اربعين عام.
ومن اهم دروس التاريخ المعاصر هي التجربة الهندية, حيث اصر المهاتما غاندي على مواجهة الاحتلال البريطاني بالعصيان المدني فقط وانه (اي العصيان المدني) هو الوسيلة الوحيدة للجمع بين السياسة والاخلاق وكان يقول ل "جواهر نهرو" الذي اصبح رئيس وزراء الهند فيما بعد "اذا قابلت غرور الامبراطورية البريطانية بقوتها بغرورك بالثورة فان غرورهم سينتصر لذلك عليك بالتواضع". واهم ما قاله نهرو كان في مؤتمر دول اسيا و افريقيا في عام 1955 في اندونيسيا وفيه كان جميع الحاضرين يتباهون بالاستقلال وعندها قال لهم نهرو "انكم تثيرون خوفي لانكم لا ترون ابعد من موضع اقدامكم, فأنتم تملكون سلطة على رعاياكم و لا تملكون سيادة على دولكم, لقد اصبحت السيطرة بالتقدم وليس بالجيوش والتقدم يجب ان يكون اجتماعي بالدرجة الاولى".
اما اذا عدنا الى مجتمعنا العربي والذي اختصر قوانينه ابن خلدون في مقدمته نجد ان للدولة ثلاثة اجيال:
الاول متمسك بعصبيته وانتمائه
والثاني متمسك بالملك و الترف
والثالث ينسى العصبية والانتماء ويغرق بالترف.
ما اود قوله هو ان المشكلة اجتماعية وليست سياسية او اقتصادية اي لايمكن حل المشكلة باصلاحات سياسية او اقتصادية, اي لا بد من الانتقال من حالة اجتماعية مستقرة الى اخرى مستقرة, وهنا ادعي ان المجتمعات الحديثة وخلافا لابن خلدون لاتستقر الا بنوع من توازن الرعب وهذا ما فهمته الدول الغربية منذ قرن فخلقوا بيئة مناسبة للتوتر في منطقتنا بايجاد اسرائيل واوجدوا توتر بين الخليج العربي وايران وتوتر بين الهند وباكستان والكوريتين حتى مجتمعاتهم سيطروا عليها بعامل الخوف فاميركا زرعت الخوف من تعاليم الكنيسة في خمسينيات القرن الماضي ثم زرعت الخوف من الاتحاد السوفييتي ثم من الاسلاميين والان تلوح بالعامل الاقتصادي والازمات المالية.
لقد علمنا التاريخ ان الثورة بلا عقل هي فوضى, والفوضى بوجود السلاح تعني حرب أهلية, والحرب الأهلية طويلة و تنتهي بايجاد دكتاتورية جديدة. بالتالي وبعد مؤتمر جنيف والذي اظهر امكانات الصين (وليس روسيا) ونفوذها الفعلي ورغبتها في اعادة رسم خارطة النفوذ الدولي بناء على معطيات الواقع الجديد, فان الامور في سوريا تتجه لحرب اهلية احد مفاصلها هو التقسيم. اما كيفية مواجهة التقسيم واليات الحل فهي موضوع المقال التالي.
اوافقك الرأي انو المشكلة اجتماعية