قرأت مقالة لصديق منذ زمن يتكلم فيها عن تخيل الكون كطنجرة , فأن وضعت في هذه الطنجرة الكرة الأرضية وكافة المتغيرات المحيطة هل من الممكن التنبؤ بالغيب ؟ سؤال قد يغري أو أغرى بعض العقول المريضة ليس لمعرفة الغيب ولكن للتحكم في أفكار ومعتقدات البشرية وبالتالي التحكم بقرارتهم وسلوكياتهم ومصائرهم ؟ ولكن السؤال الفضولي الآن هو كيف ؟
نعلم جميعا أن الفلكيون لهم بعض الأفكار عن تأثير حركة المجرات والكواكب على الحيوانات – بهيمة كان او انسان – ولكن أصدقائنا ذوي العقول المريضة لم يكتفوا بهذا القدر من المعرفة ، لذلك كان لا بد لهم من إضافة لمساتهم في التأثير على عقول ومشاعر البشرية ، ولنفترض أن ذلك قد بدأ بصنع الأقمار الاصطناعية للتأثير في أفكار الناس وبالتالي قد تتأثر معتقداتهم التي تغير بسلوكياتهم ، وذلك عن طريقة شاشات التلفزة المتوافرة في كل منزل ، وعن طريق القنوات المهيمنة إعلاميا ، وذلك وفقا للداسات المصنفة للبشر وطباعهم وقدرة تأثيرهم عليهم تبعا للشخصيات المتعددة المقسمة فلكيا أو فيسيولجيا ، وأفضل أن أربط هذه الظاهرة اقتصاديا لأذكّر أن النظرية التي أنقذت العالم في السابق من الانهيار والتضخم هي توليد الحاجات باستمرار لدى الناس والسيطرة على الموارد الأساسية لهذه الحاجات ( النفط – التكنولوجيا – السجائر –القنوات التي تضخ الحرية ) ، ولكن هنا قد واجهت أصدقاؤنا مشكلة ، وهي عدم وجود معلومات كافية تفيد بمدى تأثير هذه القنوات على التصرفات والمعتقدات ، وملامح الشخصيات المركبة الجديدة ، فأصبحوا بحاجة لمصدر لهذه المعلومات ، والحاجة أمّ الاختراع ...
هنا قام أصداؤنا بالبحث عن وسيلة للتأثير بشكل فعال ومدروس أكثر –وخاصة لمن ليس مولعا بالتلفاز – وللحصول على حصاد ما تم زراعته من أفكار في عقول البشرية ، لتتم دراسته بشكل أعمق ، إما للبحث عن حلول تسويقية لمنتجات جديدة ( أغاني – أفلام – ألعاب – طعام أو شراب الخ من المنتجات أو الخدمات ) أو لغزو هذه الشعوب فكريا والتحكم بأفكار ومعتقدات وسلوكيات المجموعات – بما أن الدراسات تتم بأخذ عينات – وهنا قد حقق النجاح الباهر ما يدعى بالشبكة العنكبوتية او الانترنت – التكملة للعالم الافتراضي ، والذي رأيت بدايته – في سوريا تحديدا ولا أعلم كيف كانت في باقي الدول – استخدام الأشخاص لأسماء مستعارة ، للتواصل إما عن طريق البريد الالكتروني أو صفحات الدردشة أو أو ....
ولكن للأسف الشديد أن هذا العالم الافتراضي كان كاف لتغذية بذور أي أفكار مريضة إما قد وجدت أصلا نتيجة المدنية ، أو أنها زرعت في عقولهم عن طريقة القنوات المسيطر عليها ، إضافة لانتشار الجرائم الالكترونية دون خوف من العقاب لعدم وجود قانون بصدده ، وصعوبة اكتشافها حتى بوجود القانون ، ولانها قد تبرر كسرقة بريد الكتروني كشيء تافه لا قيمة له – وقد تنتهي بسرقة بنك ، فمن سرق حبة يسرق جمل – ، ولغياب التوعية الكافية . ولكن هنا قد واجه اصدقائنا مشكلة جديدة وهي كون هذا العالم مازال افتراضيا ، وأصبح هناك حالة تشبه انفصام الشخصية ، وبالتالي كانت تصرفات هؤلاء الأشخاص تختلف تماما بين العالم الافتراضي والعالم الواقعي ، لذلك كان لا بد من الانتقال إلى المرحلة الأخيرة ، لتحرير الأميرة :
وهذه المرحلة أسميها الدمج بين العالمين - ولكن ليست كثمرة اليدالكتيك عند هيجل - ، بطريقة قد يتقبلها البشر ، ويجبرون من لا يريد أن يتقبلها عليها . ولنفترض أنها بدأت بامكانيتك شراء أشياء ملموسة عن طريق الانترنت ، أو استطاعتك القيام بعمل وكسب مال حقيقي عن طريق الأنترنت ، ومن ثم بدأت تنتشر أكثر فأكثر بوضع خرائط وغيره مما قد يفيدك في حياتك اليومية ، والآن نراها ارتقت إلى مواقع التواصل الاجتماعي حديثا التي تبدأ بادخال اسمك الحقيقي وعمرك وبلدك ومسكنك ، وتنتهي بأفلامك وكتبك وقنواتك المفضلة ، وتعلمهم بأخلاص كل يوم عن أفكارك ومزاجك وحاجاتك ، إن لم تخبرهم عن طول وعرض فتاة أحلامك .
لكي تتيح لهم دراسة وتحليل وغربلة هذه المعلومات لاستقراء واستنباط الشخصيات المركبة الجديدة ، وكما قلنا إما لتوفير حلول تسويقية جديدة ، أو لإعادة إجابات لتساؤلات خلقت في ذهنك، أو تقديم معلومات ، بالكمية المناسبة والكيفية المناسبة وطريقة العرض المناسبة والوقت المناسبة عن طريق الوسيلة المفضلة عندك التي تستقي معلوماتك منها والتي على أغلب لهم سيطرة عليها بشكل مباشر أو غير مباشر ، للتحكم بقرارات المجموعات – او ربما افراد مميزين – وقد يسعفني هنا نظرية لصاحب مقال الطنجرة تقول ( ان الحاجة النفسية اذا استثارت بطرق ممنهجة تؤدي بصاحبها إلى فعل جريمة مقتنعا أنها فضيلة ) وقد يفيدنا أيضا شوبنهاور بانتقاده للعلماء المسرفين في القراءة : ( أن تدفق أفكار غيرنا في نفوسنا ، تدفقا دائما لا بد أن يحصر أفكارنا ويضغطها ، ثم يشل قوة تفكيرنا في النهاية ، إن نزوع معظم العلماء إلى القراءة هو نوع من امتصاص الفراغ ، و إن لمن الخطر ، أن تقرأ موضوع قبل أن نفكر فيه بأنفسنا ، فنحن حين نقرأ إنما يفكر لنا شخص آخر ولا نكون حينئذ إلا المعيدين لعمليته العقلية لذلك لو قضى شخص كل يومه في القراءة ، لفقد ملكة تفكيره ) ودعونا لا نغفل أنه يتكلم عن الكلمة المقروءة ، وليس المرئـية أو المسموعة التي درسنا أن تأثيرها أكبر ، فتخيل يا رعاك الله !! ؟
ولكن المشكلة الكبرى التي تواجه اصدقاءنا والتي لا حل لها هي وجود عباد لله يحبه ويحبونه ، يهدي قلوبهم إلى الخير والصواب ، ويعينهم على نبذ الجهل والفساد ( فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ماينفع الناس فيمكث في الأرض )
ولكن في النهاية السؤال الحقيقي والموجه للشباب عامّة هو ، ان كنت تستيقظ يا صديقي لكتابة مزاجك ، ومن ثم تذهب لمشاهدة قنواتك المفضلة ، ومن ثم تعود لتخبرهم عن انطباعك وشعورك ، ومن ثم تقرأ كتابك المفضلة ، وتعود لتخبرهم باخلاص عن افكارك الجديدة لاصدقاءك ، أو اعتقد يصح تسميتهم الآن بأعداء البشرية والانسانية ، وأنت سعيد بعبارة ابق على اتصال ، فمن أنت ... ؟؟ وهل هذه فعلا أفكارك .. ؟ وهل هذه تصرفاتك .. ؟؟ ؟ وهل هذه أخلاقك وتربيتك ... ؟ أو بالأحرى هل هذه تصرفات شعب نزعم أنها قد توالت عليه أرقى الحضارات وجميع الأنبياء ... ؟؟ صحيح أن مقالي يفتقر إلى صيغة البحث العلمي ، ولكن اعتقد أن الأمور بحاجة إلى تمهل وإعادة نظر أو صفنة .... !!
ولكن من الناحية الأخرى لا بد أن أذكر كي لا أكون كفيلسوف التشاؤم ، أنبه مهما كان سوء هؤلاء الأشخاص ، فكل شيء يحصل لخير لعلنا نعتبر أو نستيقظ ولا ينطبق قول ( الناس نيام اذا ماتوا استيقظوا ) ولكن ( لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بانفهسم ) ... . ولكي لايتسرب الوهم إلى قلوب البعض والشك أو الخوف إلى افئدتهم ، فنحن كمؤمنين يجب أن نكون على علم بالآية الكريمة : ( إن تمسسكم حسنة تسؤهم ، و إن تصبكم سيئة يفرحوا بها ، وإن تؤمنوا و تتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط ) صدق الله العظيم ....