نعم ...انها
اللحظة !
كنت أرقبه بعينين حانقتين تمتلآن بدموع الغيرة والحسد..
كانت نظراتي إليه تمر أولاً عبر زجاج مبلل بالشمس الحارقة ومعطر ببعض من قطرات
العرق
التي تملأ الجو خانقةً اياه .
كانت المسافة بيننا لا تتجاوز العشرة أمتار ولكن..هيهات !
تلك مسافة لا تمحوها سوى المعجزات...
خمسيني تملأ وجهه تجاعيد
الهم والحياة, وجنتاه قد احمرتّا من الحر ..
الذي مُزج لاحقا بفرحة طفل خالية من أي حسابات !
كانت عيناه تتراقصان على أنغام معزوفة "تحقيق المنال"
وملامحه كتربة جافة لم تذق المطر منذ دهر وأصيبت بسيل من الماء الفجائي
كانت كل جوارحه تسير باتجاه واحد ...هي !
كنت منذ صغري على قناعة أن المواقف التي يتعرض لها الانسان يومياً كفيلة بكشفه أمام
نفسه
كما لو أن الواقع مرآة تعكس حقيقة كل شخص أمام نفسه ...
ولكن الموقف كان مؤلما ...
فقد اكتشتف أنه وضمن حجرة مظلمة .. لدي شعور كامن أحمر اللون وذو أنياب حادة !
لم أستطع تحديد ماهيته ..
أهو الحقد ؟ أهو الغيرة السوداء؟
أهو شعور الأنانية والتملك الذي تتفرد فيه كل روح وتمارسه خفاءً؟
تأملها...
احتضنها ... أمام كل الجمهور المنتظر
راقصها وكأنه ملكَ الدنيا بما فيها ...
أمسك بها من يدها المضرجة بحنة سوداء تفوح برائحة نتنة!
على اعتبار أنه لا يعيب الملك سوء خلقته ...
كانت الجموع تهتف له وهو قابض عليها يتحرك بخيلاء..
نظراتهم وكلماتهم تصيبه بسهام الحسد والأمل...
تملؤه كبرياءً وعزاً بما نال...
أما نظراته لهم فكانت تشبه آهة اشفاق بائسة على كرامتهم المهدورة
كانت عيناه تتكلمان بحرقة الى جميع المتفرجين...نعم لقد حصلت عليها ولكن للأسف لا
أستطيع مشاركتكم ..
وضعها برفق وحنية وضغط على يدها بنعومة وسلاسة ..فهي غاية الشعب ومنشوده !
وانتظرها حتى تفرغ من روحها وتملئ كيانه الفارغ ...
وبعد أن أشبع بها ..
وضع النقود بيد العامل
وخرج من محطة البنزين المكتوب على مخرجها
وقود سوري خال من الرصاص الحي...!!
حلوة كتير ومشوقة، شكراً للكاتب.
سلمت يداك....واقعية وخيالية معا تشكر على الانتقاء