يكثر الحديث عن القضايا التي تتعلق بالمرأة، ويتفاوت مدى هذا الحديث تبعاً للجهة التي تتناول هذه القضايا، فالبعض يرى أن المرأة قد حازت على حقوقها كاملة، والبعض الآخر يتخذ موقفاً يناقض سابقه، فيرى المرأة خارج نطاق الحماية والاعتراف بالحقوق، وبين هذا الرأي وذاك، يذهب البعض إلى أن حقوق المرأة تحتاج إلى إزالة حاجز الخوف من التقاليد البالية التي وضعها الرجل إلى جانب التشريعات القانونية.
حقوق المرأة في القانون المدني
إن للمرأة أهلية قانونية كاملة في إطار القانون المدني، فهذا القانون يعترف لكل من
بلغ سن الرشد، والذي حدده القانون السوري بإكمال سن 18، بأهلية قانونية كاملة، وذلك
دون تمييز بين الرجل والمرأة.
وهذا ما حقق للمرأة مكسباً هاماً، فبمجرد أن تكمل المرأة سن 18 تصبح كاملة الأهلية،
ولها بناء على ذلك حق إبرام العقود وحيازة الممتلكات والتصرف بها كما تشاء، وذلك
وفق ما يقره القانون.
أضف إلى ذلك فإن لها اسماً و لقباً مستقلين عن لقب زوجها وهو ما يحافظ على
استقلاليتها، ولها أيضاً ذمة مالية مستقلة عن الذمة المالية لزوجها، وهو خطوة
رائدة.
كما تتمتع المرأة السورية بجميع الحقوق التي يكرسها قانون التجارة السوري (مزاولة
الأعمال التجارية)
ودون أن يتوقف ذلك على إجازة من أحد، كما أن
شهادتها أمام المحاكم تعادل شهادة الرجل، إلا أن ذلك لا يطبق أمام المحاكم الشرعية.
يمكن القول بأن نصوص القانون المدني قد جاءت منسجمة مع الدستور، ولا تعارض بينهما،
إذ ساوت المرأةَ بالرجل في جميع الحقوق والواجبات التي ينص عليها هذا القانون.
وبمقابل هذه النصوص توجد قوانين أخرى تميز بين الرجل والمرأة في الحقوق، ودون مبرر
مقبول، وهو ما نجده في نصوص قانون الجنسية السوري، وقوانين الأحوال الشخصية، وقانون
العقوبات.
فقانون العقوبات يحمل في طياته مظاهر تمييزية ضد المرأة، ففي الزنى تكون عقوبة
المرأة ضعف عقوبة الرجل، رغم وحدة الفعل ووحدة الأثر الناجم. وفي قانون الأحوال
الشخصية يعدّ موضوع تعدد الزوجات مجحفاً بحق المرأة، وهناك العديد من الحالات
المجحفة بحق المرأة مثل حالة الطلاق التعسفي دون سبب مشروع. ومهما بلغت مكانة
المرأة العلمية والثقافية والاجتماعية لا تستطيع السفر وحدها دون أخذ رأي الأب،
وبالمقابل لا يلزم الزوج بهذا الأمر، والصحيح أن يساوي القانون بين الاثنين، أما
الوصية فهي للزوج أثناء الزوجية ولا يسمح القانون للأم بالوصية على أموال أطفالها
في حال وجود الزوج.
كما أعطى القانون المرأة الميراث بدرجات مختلفة تساوي أو تنقص عن الرجل، وهناك بعض
النساء لا يرثن بحكم العادات والتقاليد المتحكمة بهذه المسألة. وللذكر مثل حظ
الأنثيين، وفي الإرث يقطع الابن الإرث ، وفي حالة عدم وجود ابن في الأسرة يشارك في
الإرث الأب والإخوة.. إلخ، وغالبية النساء في الشمال السوري والمناطق الريفية لا
تحصل المرأة على الميراث إلا نادراً.
وينص دستور الجمهورية العربية السورية لعام 2012 في المادة الثالثة والعشرين: توفر
الدولة للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالة والكاملة في الحياة
السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتعمل على إزالة القيود التي تمنع
تطورها ومشاركتها في بناء المجتمع.
والفقرة الثانية من المادة الثالثة والثلاثين في الحقوق والحريات: تنص على أن
المواطنة مبدأ أساسي ينطوي على حقوق وواجبات يتمتع بها كل مواطن ويمارسها وفق
القانون. والفقرة الثالثة: المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات، لا تمييز بينهم
في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة. والفقرة الرابعة تكفل
فيها الدولة مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين.
أين هي المرأة السورية في ظل الموروث الثقافي؟
وحسب الموروث الثقافي في تنمية ثقافة الخوف عند المرأة، هل توقف وأد البنات في
عصرنا الراهن؟ إن الوأد لا يزال مستمراً، ولكن بطريقة مختلفة، هي وأد العقل. فمن
المؤسف حقاً أن التعليم حتى الدرجات العليا لم يفلح في فض سجون العقل وكسر تلك
الجدران الصماء، وبقيت نسبة غير قليلة من النساء عصية على الانفتاح على واقعها و
مشاكلها الخاصة، وحتى على مشاكل مجتمعها.
هناك الكثير من الحقوق المغيبة، والصور المسوقة للمرأة في موروثنا الثقافي، مأخوذة
من مرحلة معينة من تراثنا سادت فيها نظرات دونية للمرأة، وهذا الموروث من العادات
والتقاليد ينقل صورة المرأة إلى ذهن الرجل فتستقر فيه، وتستمر في لا وعيه رغم
تعلمه. وحتى بعد تعلم المرأة وخروجها إلى العمل، فهي في قرارة نفس الرجل ليست أهلاً
للعمل، لكنه يقبل به لضرورات اقتصادية.
ومع أن المجتمع الأبوي يمتلك جميع مظاهر الحداثة، إلا أنه يفتقر إلى القوة و
التنظيم والوعي، فحجر الزاوية في النظام الأبوي يقوم على استعباد المرأة، والوقوف
في وجه كل محاولة لتحريرها.