في يوم من أيام الشتاء البارد في قريتنا الوادعة الجميلة الهادئة , وبينما كان ضوء النهار يلملم آخر أشعته , والليل ينشر أول ظلامه , وبينما أهالي القرية يلملمون أشياءهم مودعين يوم متعب وشاق , مستقبلين ليل بارد وطويل , في حين ظن أصحاب النفوس الضعيفة أن الناس قد ركنوا إلى الدفء بجانب مدافئ الحطب والمازوت (طبعا في البيوت التي تتوافر فيها بعض ليترات المازوت ) .
كان أحد شبان القرية المراهقين المولعين بهواية التصوير بالهاتف المحمول يراقب من على شرفة منزله ينتظر فرصة مناسبة يلتقط من خلالها صورة جميلة أو مقطع فيديو نادر ( أو ربما كان ينتظر مرور فتاة جميلة ليكحل ناظريه برؤيتها ) لم يطل انتظاره طويلاً فاللحظة المناسبة قد أتت .امرأة في الخمسينات من عمرها ومعها ابنتها وزوجة أبنها يمرون في شارع الحارة الذي يوصل إلى منزل أبنها الذي يسكن هذه الحارة . ومن هنا تبدأ القصة :
اعتاد أهالي القرية وخاصة النساء المعمرات منهن على جمع الأعشاب والنباتات التي تصلح للأكل . في قريتنا وفي القرى المجاورة تسمى عملية جمع الأعشاب هذه بـ ( التسليق) . جدتي ذات الثمانين عاماً اعتادت على التسليق يوميا , تقوم يوميا بجولة على الحقول والبساتين المجاورة تجمع ما تجده من هذه الأعشاب ( الهندباء . القرص عنة , بات العود , الرشات , الكليبة , الحميضة , .. إلخ )
طبعاً هذه أهم الأعشاب التي تبحث عنها النسوة في قريتنا .تبحث لساعات ثم تعود إلى منزلها المجاور لمنزل ذاك الشاب المولع بالتصوير , تبدأ جدتي بالمرحلة الثانية وهي عملية فرز الأعشاب( السليق) كل نوع على حدا , ومن ثم تقوم بعملية التحليق ( وهي عملية إزالة الجذور من هذه الأعشاب وإزالة الأوراق الغير صالحة للأكل ) , ومن ثم تبدأ بغسل الأعشاب مستخدمة في ذلك صنبور الماء القريب من شارع الحارة والقريب من منزل ذاك الشاب .
جدتي المذكورة تستعمل وعاء واسع لعملية غسل الأعشاب ( السليق ) هذا الوعاء يسمى في قريتنا والقرى المجاورة بـ ( الطشت ) اعتادت جدتي على غسل السليق في الطشت وترك ذلك الطشت بالقرب من صنبور الماء ( لأنها ستستعمله يومياً في غسل السليق ) . وفي أثناء مرور تلك المرأة ومعها من معها رأوا ذاك الطشت بالقرب من صنبور الماء . فهمت المرأة لإحضار الطشت (سرقته) بعد أن نظرت شمالاً ويميناً ولم ترى أحداً . في هذه اللحظة شغل الشاب كاميرة هاتفه المحمول وبدأ التصوير ( لم تلاحظ المرأة ومن معها وجود ذاك الشاب ) .
طبعاً هناك فاصل يفصل المنزل عن الشارع , هذا الفاصل هو عبارة عن مجموعة من أغصان العنب وتسمى بلهجة القرية بـ ( الجرزان ) بالإضافة إلى أغصان التين والرمان والجوز ......... مدعوماً بشريط شائك . لم تستطع المرأة اجتياز كل هذه العوائق , فأوعزت إلى ابنتها أن احضري الطشت , فشلت الابنة أيضاً في مسعاها , دبت النخوة في الكنة ( زوجة ابنها ) وقالت ( له يا مرت عمي تكرم عينك أنا بجبلك الطشت ) حاولت الكنة اجتياز الحاجز فشلت أيضاً ولكنها لم تيأس فقررت القيام بعملية التفاف من مكان آخر سعياً منها للوصول إلى الكنز , كانت النتيجة وصول الكنة إلى الهدف المنشود والظفر بالكنز الثمين , أحضرت الطشت إلى الحماية , وكانت علامات الرضا بادية على وجه المرأة وابنتها ونطقوا بصوت واحد للكنة (الله يعطيكي العافية ما قصرتي ) حملوا الطشت وتابعوا مسيرهم , فيما الشاب يواصل هوايته بالتصوير .
استيقظت الجدة في اليوم التالي وكالعادة ذهبت إلى السليق وأحضرت ما وجدته . وعندما ذهبت إلى صنبور الماء لغسل السليق فوجئت بأن الطشت غير موجود في المكان المعتاد ذهلت من هول ما شاهدت وقالت بصوت عالي ( مالو بالعادة حدا يشيل الطشت من هون وينو ؟ متجهة بالسؤال إلى جدي الختيار وأحفادها ) لم يجبها أحد فلا علم لأحد بمكان وجود الطشت . كررت السؤال على حفيدها قائلتاً ( ليش عم تمزح معي ماني فاضية بدي غسل السليقات ) فأجابها ( والله ياستي ما بعرف وينو ) احتارت الجدة أين ذهب الطشت .
بدأت الأفكار والشكوك تدور في ذهن الجدة وبدأت تضع الاحتمالات ( هل ياترى طيرو الهوا ) لكن سرعان ما تلاشى هذا الاحتمال لأن المنزل محاط بالجرزان والأسلاك الشائكة , فبدأ الاحتمال الآخر يطفو على السطح ألا وهو أن يكون أحد الجيران قد أخذ الطشت , وبدأت تسأل الجيران وأولاد الجيران عن الطشت , وبدأت تتهم أولاد الجيران وخاصة الشاب المصور وأخوته . عندئذ قرر الشاب أن يخبر أباه عن الحقيقة ويريه الدليل القاطع حول من قام بهذا الفعل الشنيع. أحتار الأب ماذا يفعل , هل يخبر الجدة عن الفاعلين الحقيقيين أم ماذا ؟ اتصل الأب بالفاعلين الحقيقيين وأعطاهم مهلة مدتها 48 ساعة ليعيدوا الطشت إلى أصحابه وإلا سوف يخبر أصحاب الطشت عن الفاعل الحقيقي مهدداً إياهم بإبراز ما لديه من وثائق وأدلة قاطعة حول هذه الجريمة النكراء ألا وهي مقطع الفيديو الذي قام أبنه بتصويره أثناء العملية الشنيعة
انتهت المهلة المحددة من قبل الأب ولم يعد السارقين الطشت إلى أصحابه فقرر الأب عندئذ أخبار الجدة وأبنها عن الحقيقة ( لإبعاد الشبهة عن أولاده ) صعقت الجدة وأبنها من هول ما سمعوا وكانت الصدمة الأكبر عندما رأوا مقطع الفيديو وتأكدوا من الفاعل الحقيقي . شكرت الجدة وأبنها ذلك الرجل , بدأ الابن بالتفكير بطريقة لإعادة الطشت , ليس لقيمة الطشت فحسب ولكن الجدة لا يمكنها أبداً الاستغناء عن الطشت لغسل السليق ولأشياء أخرى ... بدأ الابن يقلب الأفكار في ذهنه فهو من جهة لا يجرؤ على التكلم مع الفاعلين لأن المرأة وابنتها كهينات وخاف أن يبهدلوه ومن جهة أخرى لا يستطيع أن يترك الطشت كي لا تصبح وصمة عار في تاريخه - احتار ماذا يفعل – وبينما كان يحوص ويلوص ( لأنه لا يستطيع أن يسكت على ضيم ) ,جاء الفرج ابن إحما المرأة ماراً في الشارع , ناداه بصوت عالي ( تعا سماع هالقصة وشفنا حل ) فقال له مندهشاً ( شو في يازلمي خوفتني )
فقال له الابن مرت أخوك وابنتها أخذوا الطشت وهناك دليل قاطع على تورطهم في هذا الفعل القبيح فقال له العم ( معقول يا زلمي كانو ياخدوا شي بيستاهل ما لاقو إلا الطشت يخرب بيتن ما أدنى نفسن ) تبرع العم بأن يعيد الطشت في أقرب فرصة , اتجه العم مباشرة إلى منزل الفاعلين وأخبرهم بتفاصيل القصة مبيناً لهم بأن أصحاب الطشت يعلمون بالفاعلين الحقيقيين ولديهم الدليل والبينة ( ذهلت المرأة وأنكرت معرفتها بالأمر) ولكن العم أصر عليها وعلى ابنتها موضحاً لهم بأن الإنكار غير مفيد لهم على الإطلاق فالدليل موجود , اعترفت المرأة بجريمتها , وأبدت ندمها لما اقترفت يداها , وتعهدت بأن تعيد الطشت إلى أصحابه بأسرع وقت ممكن , وتحت جنح الظلام وبدون أن يشعر أحد أعيد الطشت إلى مكانه المعهود , استيقظت الجدة في اليوم التالي فوجدت الطشت في مكانه , فرحت الجدة كثيراً برؤيته وصرخت بصوت عالي ( تعوا شوفو رجع الطشت ) استيقظت العائلة بأكملها على هذا الخبر السار , تجمعوا حول الطشت فرحين مسرورين بعودته الميمونة , تعهد الجميع بالبقاء يقظين دائماً لحماية الطشت والحفاظ عليه .
كرمال الانبيا والصديقين والملائكة، كرمالو لله بعدي اسمو، تدلني وين بتكون القرية لروح اسكون فيها، شكلو ما عندكون شبيحة وقناصة يقوصو اللي بيصور بالموبايل من بيتو براسو، يهنيكون بهالعيشة، لو تصير بالشام ابصر شو كان صار بالمصور، وطبعا كان طلعو الحرمية شريفين وهنن حماة القرية وهالقصة كلها مؤامرة كونية ضد هالمرا، بس يا مين يفهم وعتبك عاللي فيه حس
فيك تقلنا وين صايرا ضيعتكن يا حبيب ..........