ثقافة الاختلاف.. !!
كثيرة هي المصطلحات الهامة التي تمض بعيداً عن ساحاتنا الحياتية وغيابها على ما يبدو يجئ بقدر أهميتها , فهي تكاد تغرد خارج السرب تماما فلا حضور فعال ولا حتى حضور لغوي على أقل احتمال , إلا أن جزء من تلك المصطلحات تكون حاضرة لغويا , ومطالعتها ليست إلا لباقة منتقاة من البشر , بينما تغيب عند الطرف الآخر بوجهي الغياب : فلا لغة تروى ولا سياسة حياتية وأسلوب يفرض مثوله بدون أدنى شك ولادة تعايش سليم ولفيف اجتماعي ينعم بما ينعم به من رغد و إيجابية , خاصة وأننا أفراد نحيا ضمن مجتمعات فيها من الرأي والرأي الآخر.
ومابين الحضور والغياب نقف في معظم الأحيان متسائلين عن كيفية تحاشي الاصطدام , وعن إيجاد الحلول الأكثر ملائمة لقيادة المشكلات الاجتماعية وغير الاجتماعية , لكن هل من الممكن أن نبدأ بقيادة المشكلات ونحن مغيبين تماما أكثر الحلول الممكنة ؟ وهنا لا اعني إلا ثقافة الاختلاف.
ورغم علمنا بكثير من الأحيان بالدواء إلا أننا نتجاهله ونلقي بالنا للمرض ذاته لنتعايش معه ونتقبله دون ما شي نرفعه بوجهه وأين المعقولية في هذا !! وهل من الممكن تصور غياب هذه الثقافة ونحن نعيش احتكاكات يومية بمجتمع مليء بالآراء ؟ هل من الممكن أن نتكلم بوجود الأخر ونبقى على تقبله ما دام الاختلاف مختف بيننا فإذا نشأ تتفكك الصلات وتتمرد الأنفس وتثور الضغائن شيء فشيء وننقاد إلى مجهول أسود يحطم العلاقات ويحصد العواقب السلبية مستعيناً بعامل الزمن ؟
يبدو أننا كبشر نعانق هذه العلة منذ الأزل ويزداد ذلك يوما بعد يوم , فما الكلام والنقاش والأخذ والرد ذو الطابع السلبي ألا برهانا على وحشيتنا في إدارة خلافات ما بيننا , فإذا سمعنا عن ضرورة الرقي في الحوار وتقبل الآخر و لو كان ألد الخصام نظن أننا في عالم خيالي علينا الانسلال منه بثوان , ونمضي حينها متأهبين لدفع أي ثمن مقابل التشبث برأينا والحفاظ على موقفنا ولو كان على خطأ أبين من الشمس في ذروة النهار , وفي ذات الوقت نداهم الآخر ورأيه بصورة ساذجة مخيفة حتى لو كان قوله من الكتاب المقدس , والمؤسف أكثر أن يتبنون هذه النظرية السيئة بعضا ممن نطلق عليهم " الطبقة المثقفة " هؤلاء المعول عليهم بنشر و إشهار الفضيلة بكل أجناسها وألوانها , فلا تكاد تنصت لحوار ألا ينتهي بصدام , ولا تكاد تتابع جدال إلا ينتهي بعراك أو ما يشبه العراك , وينجر الطرفان إلى ما لا يعلم عقباه إلا الله !!
فهل حقا نحن لا نتقن فن الاختلاف ؟ وهل ثقافة الاختلاف حاضرة بينا أم أننا لم نسمع بها أو أننا لا نريد أن نسمع بها ونريد لحياتنا الاجتماعية أن تبقى مزيج من اضطراب واختلاف لا يحصد ألا الهجران و القطيعة ؟ و هل حقا حياتنا الاجتماعية بكل هذا السوء ؟