من غير أن أكسر بصلة . . . و حتى  أني لم أتذكر السفرجل . . . فقد حصلت على رقم هاتفه الخاص بسهولة مقلقة واتصلت به فرد بتواضع ومحبة وحدّد لي موعد بعد يومين بعد أن كرر أكثر من مرة بتوددٍ محرجٍ اعتذاره عن عدم استطاعته مقابلتي قبل ذلك لانشغاله بموضوع شخصي يستغرق منه يومين فنسف بذلك  كل مفاهيمي  عن صعوبة التواصل مع المنصب

واستنتجت بذكاء ربّما قل مثيله  أن الصعوبة هي في التواصل مع الصفة المرتبطة بالزمان فهذه الصعوبة تنتهي مباشرة بعد أن تتغير صفة الحالي إلى صفة السابق معلنة بذلك مع كل اعتبار وتفهّم لنا كقوم لا نهتم أبداً بالزمن أن ما من قيمة  للمكان أو الموقع  مهما كان المنصب خارج إطاره الزمني

ولأن الشيء بالشيء يذكر فقد تذكّرت عندما صادفت مشكلة وقاموا بمعاقبتي لأنني منعت تنفيذ عقد تفوق قيمته العقدية قيمته الحقيقية بثلاثة أضعاف فتقدمت بشكوى للمحافظ لتوقيف تنفيذ العقد وتمت إحالة الشكوى إلى لجنة مختصة وأقرت بغلاء الأسعار وتم إلغاء العقد ولكن بدلاً من أن تتم معاقبة المسؤولين عن ذلك تمت معاقبتي

فحاولت الحصول على رقمه العام عن طريق قريبي المتزوج من قريبته ففشلت في ذلك باعتبار أن همومه الإستراتيجية حينها لم تكن تسمح له بالالتفات لهمومي الشخصية التي تقتصر على الوصول إلى حقي الشخصي حتى ولو كان السبب في ذلك الدفاع عن حق عام أو مصلحة عامة

ومرّت الأيام وتوالت الحكومات و ما زلت أدفع ثمن توقيف ذلك العقد المشئوم حتى يومنا هذا رغم تغيير ثلاثة حكومات تبعها تغيير ثلاثة مدراء

وما إن استقبلني بالحفاوة المرتبطة بالنفاق المناصبي وضيفني الضيافة المعتبرة التي توحي أنّ كرمه لم ولن يتغير وسألته سؤالي الممل عن سر العلاقة بين الشمّاعة والعلّاقة  حتى بدأ السيد الوزير ولكن السابق كلامه بحكمة تحمل في طياتها القليل من الألم والكثير من الحقيقة فقال :

إن أصعب الطرق هو طريق الوصول إلى الحقيقة لمن يريد الحقيقة أما أسهلها فهو طريق اللاوعي و اللا هدف فمن يضع لنهاية طريقه هدف محدد يريد تحقيقه عليه أن يفكر ويخطط للوصول إلى هدفه أما من  يمشي على غير هدى فليس مضطراً لا للتفكير ولا للتخطيط ولا لإزالة أية عوائق أو عقبات ولا حتى للتفكير فيها , وما ينطبق على الأشخاص من هذه الناحية  ينطبق على الدول والحكومات 

فقلت مستغرباً وهل يمكن لحكومة أن لا تضع أهداف تريد الوصول إليها بغض النظر عن مدى مصداقيتها في سعيها لتحقيق تلك الأهداف

قال وهو يحاول مجاراتي بطريقة تفكيري التي اعتبرها على الأغلب ساذجة  فقل لي من يضع الأهداف للحكومات ؟

قلت هيئة تخطيط الدولة فهي من تضع الخطط والأهداف والمؤشرات لقياس مدى تحقيق هذه الخطط والأهداف

قال فهل تتذكر هدف من هذه الأهداف

قلت على سبيل المثال رفع معدل النمو وخفض نسبة البطالة و الكثير الكثير من الأهداف التي تسعى لتنمية المجتمع وتطويره

قال متابعاً في مجاراتي فهل من حكومة إلا ووضعت من أهدافها رفع مستوى معيشة المواطن

قلت لا فكل الحكومات تضع هذا الهدف من أولويات أهدافها الإعلامية على الأقل

قال فما هي أهم المؤشرات على ذلك

قلت لست اختصاصياً في مجال التخطيط ولكن من أبسط المؤشرات التي يعرفها الجميع هو الدخل والتناسب بينه وبين المصروف

قال فقد لا تستطيع الدولة تحديد مستوى معيشة الفلاح والتاجر والصناعي إذ أن دخلهم يتبع لعوامل مختلفة داخلية وخارجية  ولكن وبأبسط الطرق تستطيع التحكم بمستوى معيشة الموظف فهي من تدرس  الراتب  وتدرس المتطلبات الأساسية للحياة كالمسكن والملبس والمشرب والمأكل

قلت أكيد بكل بساطة

قال فكم هو ثمن المسكن مقارنة مع الراتب وهل يستطيع موظف أن يؤمن مسكن كريم اعتماداً على راتبه

قلت لا وهذا ليس سراً ولا تدعي الحكومة عكسه فالموظف الشريف يحتاج لراتبه كاملاً ولعشرات السنين من أجل تأمين مسكن

قال فهل تريد الحكومة أن يبقى الموظف بلا مسكن

قلت من غير المعقول أن يكون تفكيرها بهذه الطريقة ولكن ربما الإمكانيات والميزانية 

قال فهل تعرف كيف يستطيع الموظف تأمين مسكن

قلت عن طريق الدخول الإضافية الشرعية منها وغير الشرعية

قال فما نسبة الدخول الشرعية بهذه الحالة

قلت لا شك أنها قليلة فإن كان الشرفاء يعملون أعمالاً إضافية فلسد الفجوة بين الدخل والمصروف  وعلى قلتهم  فقلّما يكون لديهم القدرة على تأمين مسكن

قال فهل تعلم الحكومة ذلك

قلت بلا شك أجل

قال فهل هي موافقة على هذا الشكل من تدبير الحال أي أن يقوم كل شخص بتأمين نفسه برشوة أو بسرقة أو بأي شكل من الأشكال 

قلت قد لا نستطيع  التأكد من ذلك ولكن بشكل منطقي وبإتباع أساليب الاستقراء والاستنتاج أجل فهي تعرف أن راتب الموظف لا يكفيه وراتب الشرطي لا يكفيه وراتب عنصر الأمن وعنصر الجمارك لا يكفي وتعلم أن غالبيتهم صار لديهم بيوت وسيارات وشاليهات ومزارع وأرصدة  في البنوك ولا يقوم أي منهم  بإخفاء ذلك بل يكتب على واجهة فيلته هذا من فضل ربي ويحدث بنعمة ربه تماشياً مع قوله الكريم "أما بنعمة ربك فحدث " ولا يخفي مصدرها بل يروي القصص عن ذكائه في زيادة قيمة الرشوة ومحافظته على موقعه بدفع الكثير مما يجنيه لمعلّمه ومعلّم معلّمه كما يتفاخر بانحطاطه القيمي والأخلاقي فلم يعد يحسب حساب لضمير أو قيم أو عادات أو تقاليد فصار الاحترام لمن يملك أو يحكم ليس لمن يفهم ويحافظ على أخلاقه ويراعي ضميره

قال فهل تريد الحكومة أن تسود ثقافة السرقة والرشوة وانعدام الأخلاق والضمير بين الموظفين

قلت لا أظن ولكن المسؤول الذي يجلس على الكرسي يضع  من أولوياته مصالحه الخاصة وإرضاء المسؤولين الأعلى منه ولا يهتم لقضايا كهذه

قال فأين يعلقها

قلت لم أفهم

قال فلا شك أن المسؤول يسمع بالرشوة ويسمع بالسرقات ويسمع بالانحطاط الأخلاقي

قلت نعم

قال فهو إذن يعلّقها خلف ظهره ويتابع العمل على تحقيق أولوياته سواء ما ارتبط عنها بمصالحه الخاصة أو بالتوجهات التي عليه تنفيذها ليتمكن من المحافظة على منصبه مهما ارتقى ذلك المنصب أو علا

قلت أجل

قال فخذ عني وافهم أن هذه الأمور يا صديقي يعلقها على العلّاقة وما يريد تنفيذه يعلقه على الشمّاعة

قلت فلما لا يكون العكس

فضحك وقال لأن العلّاقات يمكن رميها واستبدالها أما الشمّاعة فهي من أثاث المكتب لا يمكن تبديلها إلا مع تبديل كامل الأثاث الذي يرتبط بالمسؤول

فلكل مسؤول شمّاعته ولكل موضوع أو مواطن عند كل مسؤول علّاقة تعبر عنه وتختص به

وتابع لقد حدثتني قريبتي عنك وعن مشاكلك وأنك كنت تريد مني مرة أن أساعدك في موضوع تحقيق وقد تقصيت الموضوع عن بعد وعلمت أنك بريء ولكن لم أكن أستطع عندها أن أتدخل

قلت لماذا هل كانت علّاقتي تتعارض مع شمّاعتك

فقهقه قهقهة عالية وقال ها قد بدأت تفهم

وخرجت بالحفاوة التي استقبلت بها وسمعت وأنا أخرج صوت انكسار فخمنت أن شمّاعته قد تحطمت و مئات العلّاقات التي كانت معلّقة عليها راحت تتكسر بقوة وهي تتهاوى وشعرت أنني كنت معلقاً على إحداها

بل أحسست بارتطامي بالأرض بعد سقوطي وعلّاقتي بعد انهيار شمّاعته . . .  وبينما أنا أحدّث نفسي بصمت. . . خرجت شهرزاد من صمتي . . . لم تبكِ و لم تضحك. . . ربما لم تفهم . . . وربما لم ترغب أن تفهم . . . وكأني بها كانت تتسأل. . .   لو كانت هذه العلّاقات على زمن شهريار. . .  هل كان سيستخدمها إلا لعرض رؤوس الفتيات. . . وهل كان سيعلق على شمّاعته غير رأسي