تتساءل العديد من الأمهات أحياناً لماذا يخاف ابني من أحضان الغرباء ويبكي بشدة؟ بينما أطفال آخرين لا يخافون في هذا الموقف ونشعر بأنهم ينسجمون مع أي شخص غريب وبسرعة، هل لهذا السلوك أسباب مرضية كأن يدل على أن الطفل لن يكون شخص اجتماعي فيما بعد، أو أن يكون تعلق الطفل بأمه هو تعلق مرضي، أم أنه أمر طبيعي يختلف حسب اختلاف طبيعة الطفل، وحسب عمره، وما دور البيئة التي يعيش فيها الطفل وتربيته بالمنزل بتقبله الآخرين من الغرباء أو إحجامه عنهم.
أسئلة كثيرة تجيب عليها العديد من الدراسات النفسية والأبحاث التي تناولت هذا الموضوع، حيث أكدت هذه الدراسات أن مخاوف الطفل تعتبر ظاهرة طبيعية إلى حد معين، وأنه من الضروري أن نميز بين المخاوف الطبيعية وغير الطبيعية، لذلك فإن الخوف عند الطفل يعرّف بأنه انفعال قوي غير سار ينتج عن الإحساس بوجود خطر أو توقع حدوثه، والمخاوف متعلمة، إلا أن هناك مخاوف غريزية مثل الخوف من الصوت المرتفع والحركة المفاجئة، وعندما يستمر الخوف الغير منطقي يصبح خوفاً مرضياً، وقد يؤدي الخوف إلى الهرب والاختباء أحياناً، وذلك حسب الموقف الذي يتعرض له الطفل.
كيف تتطور مخاوف الأطفال؟
تمر مخاوف الطفل خلال السنوات الأولى من عمره بعدة مراحل ومنها مرحلة الخوف من الغرباء، حيث يعيش هذه المرحلة ابتداء من شهره الثامن، ويبدأ بإظهار حالة من الرعب عندما يرى أي شخص غريب، وتزول هذه الحالة إجمالاً عند الشهر الخامس عشر من عمر الطفل "سنة وثلاثة أشهر"، وهنا قد تتساءل الأم هل لتعلق الطفل الشديد بأمه دور بحدة واستمرار هذا السلوك؟ وهل يقوم الطفل بهذا التصرف لأنه يرفض الانفصال عن أمه؟ لكن السؤال الأهم هل قامت الأم بإشباع طفلها بشكل كافي من حنانها حتى يتقبل الانفصال عنها بالعمر المناسب ويبدأ مرحلة جديدة من الاستقلالية بعيداً عنها ودون خوف؟
متى تبدأ عملية الانفصال؟
تبدأ عملية الانفصال "المبدئي" عن الأم بين الشهر الرابع والخامس من عمر الطفل، وتلمس الأم ذلك عندما تحمل ولدها وتراه يحاول الالتواء بعيداً عنها لاستكشاف المحيط، وتتضح هذه العملية عندما يتعلم الطفل المشي ويكتسب القدرة على مغادرة أمه بمبادرة شخصية، فابن الثمانية أشهر يغامر بالابتعاد عن أمه ليستكشف الغرفة، ولكنه يبقى معتمداً عليها بشدة للدعم العاطفي، حيث تراه يتجول بعيداً عنها ضمن مسافة صغيرة جداً وهو يلتفت للخلف باستمرار للتأكد من وجود أمه، ثم يعود لأحضانها ليختبر مجدداً الشعور بالأمان والطمأنينة، ويدرك الطفل وبشكل كلي في الشهر الثامن عشر من عمره أنه وأمه كيانان مستقلان، وهذا الإدراك يشكل الرعب والخوف بداية عند الطفل، لذلك نرى العديد من الأطفال يحاولون بهذه المرحلة مقاومة الانفصال عن الأم والتعلق بملابسها أينما ذهبت، إن هذا التمزق الداخلي بين الرغبة في الاستقلالية من جهة والاتكال على الأم من جهة أخرى هو الذي يسبب نوبات شديدة من الغضب عند بعض الأطفال عندما يبتعدون عن أحضان الأم أو عندما يقوم شخص غريب بالاقتراب منهم أو حملهم، لكن حدة الغضب أو حدوثه بدرجات بسيطة يختلف حسب درجة إشباع الأم لابنها من الحنان والعطف والحب، وعندها يكون طفلاً ديناميكياً متفاعلاً متجاوباً مع ظروفه الجديدة ويجتاز المرحلة بأقل الخسائر النفسية.
وقد بينت الدراسات أن الأطفال المتعلقين بأمهم بطمأنينة يبكون قليلاً ولديهم ميل لتقبل الغرباء أو استكشاف العالم من حولهم، لكن شرط وجود أمهاتهم معهم في هذا الموقف، وهؤلاء الأطفال يكون انفصالهم عن أمهم أسهل من غيرهم، أما الأطفال المتعلقون من انعدام الطمأنينة فيتكرر بكاؤهم حتى ولو حملتهم أمهاتهم فيما بعد، ويتقبلون بامتعاض اقتراب أي شخص غريب منهم، بينما نجد أن الأطفال غير المتعلقين بأمهاتهم لا يبدو عليهم سلوك مميز نحو الأم، لكنهم بنفس الوقت يرفضون أحضان الغرباء بشدة، لأن الأم كلما كانت حساسة وحنونة بتعاملها مع طفلها كلما شعر بالطمأنينة أكثر وانفصل عنها بوقت أسرع، حتى عندما ترضعه من ثدييها وهي سعيدة ومغدقة عليه من أمومتها وحنانها فهو يشعر بذلك ويشعر أيضاً بدرجة كبيرة جداً من الطمأنينة، والمسألة المهمة في هذا المجال أن الطفل الذي تحمله أمه بمزيد من الرقة خلال الربع الأول من السنة الأولى يميل إلى طلب الاحتكاك معها بدرجة أقل وتوجّه أكبر نحو تقبل الآخرين والتعرف على الغرباء فيما بعد.
مراحل تعلق الطفل بأمه:
* فترة ما قبل التعلق: وتكون من الولادة حتى الشهر والنصف، الرضيع في هذا العمر يستطيع التعرف على صوت ورائحة أمه لكنه يكون غير متعلق بها، حيث لا يمانع أن يترك في رعاية شخص غريب.
* فترة تكوين التعلق: من الشهر والنصف حتى الشهر الثامن، وبهذه المرحلة يميز الطفل بين الشخص المألوف والشخص الغريب وهنا نلاحظ أن الانفصال عن الأم لا يزعج الرضيع.
* فترة التعلق الواضح: من الشهر الثامن حتى السنتين، في هذا العمر يبدو التعلق بالأم واضحاً جداً وتنشأ عند الطفل حالة القلق من الانفصال، لكن شدة وحدة هذا القلق تعود للأسباب التي تم ذكرها "إشباع الأم المتكرر لابنها من الدفء والحنان"، وقد يكون قلق الانفصال كبيراً ومرضياً عند الطفل لعدة أسباب منها موت شخص عزيز على الطفل كوالده مثلاً، لذلك يتعلق بشدة بأمه ويخاف أن يفقدها، أو سفر الأب، أو المبالغة في حماية الطفل، حيث ينتقل قلق الأهل إلى ابنهم، بالإضافة إلى أهمية العوامل الوراثية في حدوث هذا القلق، فقد ثبت أن الآباء الذين عانوا من قلق الانفصال في صغرهم يعاني أبناؤهم من المرض نفسه. وهذا ما يجعل طفل يختلف عن طفل أخر بتقبل الآخرين والانسجام معهم.
* فترة تكوين العلاقة المزدوجة: وتحدث من السنتين فما فوق من عمر الطفل فمع انتهاء السنة الثانية يتعرض الطفل لنمو سريع في المكتسبات الذهنية والنطق، لذلك نلاحظ أن قلق الانفصال يبدأ بالتناقص تدريجياً، وتبدو رغبة الطفل كبيرة بالتعرف على محيطه، وإذا استمر تعلقه بأمه أو والديه معاً ورفض الغرباء فيكون بحاجة لاستشارة أخصائي، لاسيما إذا تصرف بعنف واضح مع الآخرين أو كان عدواني بردود أفعاله "ضرب الآخرين، تكسير المحتويات، بكاء شديد". وهنا لا بد من علاج سلوكي للطفل بهدف التخفيف من مشاعر الخوف لديه تدريجياً.
مقالة رائعة جدا وتحليل اجمل أنسة ريما .. لكني اظني بأن اطفالنا الان ضمن هذه الظروف قلبو جميع طاولات الدراسة راسا على عقب وحان موعد دراسة الاطفال الرجال وسبب عدم خوفهم واعادة تقيم الرجال الاطفال وسبب خوفهم الشديد. تحية ود لقلمك الرائع .