يعتبر البحث في الشأن القومي السوري من أكثر المسائل إلحاحا إن لم يكن فعلا أكثرها إلحاحا نظرا للأحداث الخطيرة التي تعصف بالأمة و تسبب سيل الدماء وقتل أبناء الوطن الواحد بعضهم بعضاً في مشهد تراجيدي مأساوي .
لا يختلف اثنان واقعيان على أن السبب الرئيسي وراء الأحداث و الانقسامات التي تحدث في مجتمعنا و بالتالي القتل والفوضى و التفسخ الفكري و الثقافي و التخلف يعود لضبابية الانتماء القومي و عدم وجود وعي قومي و وطني عند أفراد الشعب فقد تعرض المجتمع لحرب ثقافية شرسة أدت إلى تشويه مفاهيمه الإنتمائية و القومية و الوطنية , أدت إلى تفكك المجتمع و تشكيل مجتمعات ضمن المجتمع الواحد الذي من المفترض وجوده في ظل وجود وعي قومي صحيح .
تحولنا إلى حفنة من المجموعات البشرية يغلب على علاقاتها الطابع القبلي العشائري المتخلّف .دعونا لا نكذب على أنفسنا و دعونا نواجه الحقيقة ..نحن نتعرض لعملية خطيرة و هي تشويه لشخصيتنا القومية الواحدة وما يحدث في سوريا الآن خير دليل على هذا التشويه .
لنطرح على أنفسنا السؤال التالي كمحاولة منا لاكتشاف ( من نحن ) :
ماذا يعني أن تكون سوري ...و ما هي سوريا .. و ما هي جنسيتك ؟؟
عندما تسأل أي شخص يعيش ضمن الرقعة الجغرافية المسماة الآن الجمهورية العربية السورية المرسومة بموجب اتفاقية (سايكس بيكو ) في بدايات القرن الماضي عن جنسيته (انتمائه القومي ) سيقول لك فوراً و من دون تردد ..الجنسية (ع.س) و يستخدم الاختصارات لأن الشخص يعتبر أن الجواب بديهي لدرجة أنه لا حاجة لاستعمال الكلمات الكاملة ..... من هنا تبدأ أزمة الانتماء من هذه العبارة التي تختزل أزمتنا و وجعنا كله . ذلك أن هذه العبارة هي العبارة التي تحدد الانتماء القومي الخاص بهذه بالشعب الذي يعيش على هذه البقعة الجغرافية المسماة الجمهورية العربية السورية , فإذا كانت العبارة غامضة و ملتبسة من دون تحديد ماهية العروبة وماهية السورية فهذا معناه أننا ننتمي إلى المجهول أو الالتباس , و عندما تنتمي إلى المجهول و الالتباس فلا انتماء لك, و يصبح من السهل اختراقك من قبل جميع التيارات الفكرية العالمية ..من الأفكار اليسارية إلى الأفكار اليمينية و يصبح المجتمع عبارة عن متلقي مفعول به بدلا من أن يكون فاعل في مجرى التاريخ .....
لنحاول معا دراسة هذين المصطلحين ( عربي , سوري ) ما هي العروبة و ما هي السوريّة ...وهل تصلح العروبة و السوريّة لتكونان صفتين إنتمائيتين معبرتين عن شخصية المجتمع أو المجتمعات التي تعيش في هذه المنطقة ؟؟
هل العروبة هي رابط قومي فعلا ؟ و ما هي السوريّة ....؟؟؟ هل هناك فعلا ( أمّة عربية ) تشكل قومية عربية ؟؟ و هل هناك أمة سورية تشكل قومية سورية ؟؟
إن تحديد انتماؤنا القومي و الاتفاق عليه هو أول خطوة نحو الفلاح و التخلص من التفسخ الفكري و المجتمعي و التفكك و التخلف و الانقسام.. و هنا لا بد من الإشارة إلى نقطة و هي العلاقة بين القومية و الأمّة .
القومية هي : يقظة الأمّة وتنبّهها لوحدة حياتها ولشخصيّتها ومميّزاتها ولوحدة مصيرها. إنّها عصبيّة الأمّة * (1)
وبالتالي عندما نقول قومية عربية معناه أن هناك أمة عربية , و عندما نقول قومية سورية معناه أن هناك أمة سورية,و عندما نقول فلان عربي سوري أي معناه أنه ينتمي إلى ( أمة عربية ) و أمة سورية , و في حال لم يكن هناك أمّة عربية فعندما نقرر أن فلان (شعب ) هو عربي الانتماء القومي فإننا نحيله إلى المجهول و العدم و نجرده من شخصيته القومية ..و إذا قلنا أن فلان سوري من دون تحديد ماهية -السوريّة – (هل هي سورية سايكس بيكو أم بلاد الشام أم سوريا الكبرى ) نكون أيضا جردناه من شخصيته و كيانه وأصبح لا يعدو كونه رقما في سجلات أحدهم ..قد يكون رقما على بطاقة هوية يفيد معلومات إحصائية أو ماشابه ذلك , يسهل تحويله إلى مجرد أداة لتحقيق مخططات الأقوى ...
لنبدأ بمفهوم الأمّة العربية و ندرس الفكر العروبي الذي روّج لمبدأ الأمّة العربية و اعتبر من خلال ذلك الافتراض أن هناك قومية عربية و بالتالي سوّق لمبدأ الانتماء القومي العربي .
بعد التمحيص
بالفكر العروبي نستطيع حصر عناصر تشكل الأمّة (القومية ) عند العروبيين بالعناصر
التالية :
سنتناول في
المقال القادم صلاحية العناصر المذكورة أعلاه في تشكيل (إنشاء) أمّة (قومية )
واحدة
1- السلالة
2- الدين 3 - اللغة
(1)* أنطون سعادة ,نشوء الأمم ص 105
اتمنى ان تتحول الشعارات البراقة والمنطلقات النظرية الى واقع عملي وليس مجرد احلام وكتابات على الورق فاين هي المسؤولية القومية للنظام السوري تجاه الشعوب العربية التي يحكمها حكام لا حد لاتهامات النظام لهم لماذا لا نعمل على تحرير الشعوب من هؤلاء
بانتظار المقال القادم