هذه هي أمريكا رائدة الديمقراطية في عالمنا الحديث: سيناريوهات على الطريقة الهوليودية لحملات انتخابية متكررة و مملـّة٬ شاهدها العالم مرّات و مرّات٬ ذلك أن الأمر في هذا البلد لا يملكه الشعب الأمريكي بل عصبة من أصحاب النفوذ و المال و المتمثل أساسا في اللوبي اليهودي المتحكم بكل شيء في بلد الحريات و الذي أبرم عقودا طويلة الأمد مع صنائعهم من الرؤساء الذين تناوبوا على حكم البلد من هذا الحزب أو ذاك.
حزبان إذا٬ لا ثالث لهما يتبادلان الحكم في بلاد سام و يتقاذفان الشعب و أرضه و اقتصاده و حريته ككرة تنس بين لاعبين دون أدنى تغيير في واقع بلد بحجم الولايات المتحدة٬ لا بل صار هؤلاء الحكام الحقيقيون يتحكمون برقاب العالم مُستغلين أموال دافع الضرائب الأمريكي الذي يصنع ثرواتهم و يصنعون مأساته بإغراق اقتصاده أكثر و أكثر في مستنقع الديون التي فاقت الستة عشر تريليون دولار٬ لكن لا ضير بما أن نصيب إسرائيل من المعونات الأمريكية مضمون رغم ثقل هذه الديون التي لن يتأثر بها سوى أفراد الشعب الذين يزيد فقرهم فقرا كل يوم.
الكل يتغير في هذا البلد إلا اللوبي اليهودي الذي يفرض سياسته المالية على الشعب بما لديه من ثروات٬ و تمكنه من البورصات و البنوك ليزداد ثراءً إلى ثرائه فيزيد بذلك تحكمّه من رقاب العباد الذين قلما تجد أحدا غير مدان لإحدى بنوكهم٬ كما يفرضون سياستهم الخارجية على العالم باستغلال أموال الدّولة الأمريكية و أبناء شعبها من الجنود الأمريكيين و طاقاتها الحربية و وسائلها المادية الجبارة و كل هذا من أجل مآرب شخصية لهم في بقاع العالم و خاصة الشرق الأوسط و فلسطين.
هي إذا حرية "يمكنك أن تتكلم لكن لن ينصت إليك أحد ". أهذه هي الحرية التي يتشدق بها هؤلاء و يتصدقون علينا بها؟ إن حرية بهذه الطريقة لم تحمِ شريحة كبيرة من الأمريكيين من الأكل من القمامة و لم تحمهم أيضا من البطالة وآثارها على عائلاتهم كما أنها لم تصنع لهم أصدقاء في العالم٬ يحتاجونهم لمساندتهم أيام الأزمات و لا مُعجبين بحريتهم و ثقافتهم يحتذون حذوهم بل لقد تضاعف عدد أعداء البلد و تضاعف معه كرههم لسياستهم و جبروتهم و انعدام الإنسانية في تصرفاتهم.
ما الذي حملته الانتخابات الأمريكية لنا من جديد نحن شعوب العالم العربي و الإسلامي؟ و ما الفرق لدينا بين هذا الحزب أو ذاك ما دام ولاؤهم الأول و الأخير لأعدائنا و للمغتصبين لأرضنا؟ و ما فائدة الديمقراطيين أو الجمهوريين لنا إن تغاضوا– مُكرهين تحت ثقل اللوبي اليهودي الذي يحكمهم و يتحكم في قناعاتهم السياسية – عن حقوقنا وأعطوا خصومنا ضِعف حقوق ليست لهم؟
إن ديمقراطية أمريكا ذات إتجاه واحد و نظرة واحدة٬ خاصة تُجاه حقوقنا نحن العرب و المسلمين٬ و من الغفلة انتظار أي تغير في هذه المواقف الثابتة المؤيدة لعدونا في المنطقة العربية ما دام هناك من يحكم الحكـّام الأمريكيين و يصنع مواقفهم و يملي عليهم سياستهم تجاه هذا البلد أو ذاك. كما أنها تريد لنا ديمقراطية في بلداننا تتماشى و أهدافها في المنطقة أي ديمقراطية مُطبـِّعة مع العدو٬ مهادنة له٬ ديمقراطية الاستهلاك و الخلود لنوم الضمير و الركود السياسي و العسكري و حتى الاقتصادي٬ ديمقراطية السّمع و الطاعة و التبعية لأمريكا و إسرائيل و محاربة كل ما من شأنه أن يحفظ كرامة المواطن العربي و يرفع رأسه بين شعوب العالم.
هذه هي الديمقراطية التي يريد أن يفرضها علينا اللوبي اليهودي بعد أن قتل بها ضمير الشعب الأمريكي الذي أصبح يسعى لتدبير لقمة عيشه و سقف يحتمي به من ويلات الطبيعة و ترك لهم ديمقراطيتهم التي ما يزالون يتغنون بها و يتباهون بها علينا...