تعدّ قضية المرأة والإعلام من أكثر القضايا التي تناولتها الدراسات والمناقشات، وخاصة فيما يتعلق بصورة المرأة في الصحافة النسائية. وغالباً ما يقع السجال ويتم تبادل الاتهامات حول مسؤولية هذا التنميط الواضح للمرأة وصورتها في الصحافة المكتوبة.
فهل هناك صورة موحدة للمرأة العربية في الصحافة النسائية؟ وهل هذه الصورة نتاج الثقافات المحلية؟ أم أنها ثقافة عربية مشتركة؟
وعلى هذا توجد عدة صور للمرأة العربية في الصحافة النسائية، منها صورة المرأة التقليدية التي تعيش ضمن العادات والتقاليد. كذلك صورة المرأة المتحررة جزئياً من بعض العادات والتقاليد. وهناك صورة المرأة الاستهلاكية التي تحرص على اقتناء مختلف السلع الاستهلاكية الغربية المادية وغير المادية، وهي المستبدة والمسيطرة التي تحمل نظرة متميزة جداً للعنصر النسائي في المجتمع وتحيز واضح ضد الرجل، بل تضعه في موقف العداء مع المرأة. وتوجد صورة المرأة الواعية المثقفة التي تهتم بالمشكلات الأساسية للمرأة، كالأمية والتخلف والعمل والفقر.
على الرغم من اختلاف الصورة الذهنية للمرأة، إلا أن هناك اتساقاً يلفت النظر في النتائج المستخلصة من دراسات تحليل مضمون المرأة، إذ يشار إلى أن المرأة لا تحظى بصورة مشرفة في الصحافة النسائية، فهي تصور على أنها مخلوق ضعيف ومعتمد في بقائه على الرجل، وتهتم بقشور الأمور دون جوهرها. وتصور على أنها تشغل دوراً هامشياً أو ثانوياً يقل عن دور الرجل في عملية التنمية الإنتاجية. وتصور المرأة الناجحة في عملها خارج المنزل على أنها زوجة فاشلة وأم فاشلة، وتصور كذلك على أنها تركز اهتمامها على مجالها الخاص والمجال المنزلي، وأنها غير مكترثة بمشكلات المجتمع.
الصحافة النسائية تتجاهل المواضيع التي تعكس التطور الذي طرأ على وضعية المرأة ومكانتها، وهناك تجاهل واضح- متعمد أو غير متعمد- للقضايا الحيوية ذات الأهمية الفعلية، مثل: الأمية وهموم الغالبية العظمى من النساء في المناطق الفقيرة، والثأر، والبطالة، وعلاقة الرجل بالمرأة، والعنف ضد المرأة، وهموم المرأة العاملة.. إلخ.
ومن خلال دراسة أجرتها اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا ،1995 اعتمدت أسلوب استفتاء تحليل محررات الصفحات النسائية في الصحف المصرية، تبين أن مواضيع الأزياء والموضات تحتل موقعاً رئيسياً في الأبواب النسائية في الصحف، فالأبواب النسائية ترسم صورة المرأة المهتمة بأناقتها وشكلها وإطلالتها، تليها المرأة المهتمة بقضايا المجتمع متواكبة مع صورة الأمومة. لكن الملاحظ اهتمام واسع بمواضيع التجميل وفنون الماكياج التي تصل إلى مستحضرات معقدة طبياً وباهظة الكلفة، كذلك نجد الاهتمام بتفسير الأحلام وقراءة الطالع والحظ والأحاديث مع نجوم السينما والمجتمع.
فالدارس لصورة المرأة في مختلف المجلات النسائية، يلاحظ قيماً خبرية غربية ومستوردة يغلب عليها طابع التبسيط والتسطيح والتهميش والسلوك الاستهلاكي، وهذا يؤدي بطبيعة الحال إلى عدم التطرق للمواضيع ذات الحساسية العالية والواقعية. فنسبة كبيرة من المادة الإعلامية التي تنشرها المطبوعات والمجلات النسائية عن المجتمع الغربي (فضائح النجوم، والحياة الشخصية للفنانين، والخيانة الزوجية، وحب النفس، والأنانية، والجرائم) على الرغم من أهميتها يلاحظ التركيز على الطابع الاستهلاكي، وعلى أنماط استهلاكية بعيدة كل البعد عن المجتمع العربي الذي نريد تطويرهُ بصيغة حضارية.
من المهام الصعبة حقاً إجراء تغيير جذري على صورة المرأة في ظل الثقافة السائدة، ولن يتم ذلك فقط بممارسة الضغط على الصحافة النسائية لاعتماد رسائل هادفة وإظهار الصورة الحقيقية للمرأة العربية التي ما زالت تتخبط في أوحال الجهل والتهميش والأمية، وما زالت أسيرة مجتمع ذكوري يختزن نظرية دونية لها.
وإنما يتم بتحسين مستواها التعليمي والاقتصادي والاجتماعي والفكري حتى لا تغدو فريسة سائغة لتيار استهلاكي مادي ووسيلة رخيصة للدعاية والإعلان. وهنا يأتي دور الإعلام التربوي التوجيهي - وليس كل إعلام - وإنما إعلام يستطيع التحرر من تأثير الإعلام الغربي، إعلام هادف موضوعي ينفلت من أسوار ثقافية استهلاكية مادية مشبعة بالروح التجارية، وفي غياب سيطرة مجموعات وآراء خاصة تتدخل في عملية صنع القرارات الهامة، إعلام متجرد من أي انتماء، تسيرهُ أطر ذات كفاءة وخبرة عالية، يلتزم الحياد والموضوعية.
فيجب النظر إلى قضية المرأة على أنها جزء لا يتجزأ من قضايا المجتمع، وعدم إغفال دورها الحقيقي في تنمية مجتمعها وتطوره، والعمل على دمج المرأة في جميع الأنشطة السياسية والاقتصادية المختلفة، وتأكيد فكرة أن النهوض بالمجتمع والرقي بهِ لنْ يتم إلا بمشاركة المرأة والرجل معاُ دون أدنى تفرقة.
ويتحتم على المرأة وعلى الصحافة النسائية في عصر الإنترنت والقنوات الفضائية وتلفزيون الكبل والبريد الإلكتروني وغير ذلك من تكنولوجيا الاتصال، أن تخرج من روتين الأزياء والموضة وأخبار النجوم والفضائح، وأن تلتزم منهجية واستراتيجية تؤهلها لأن تكون أكثر جدية وأكثر فعالية، إذ تستطيع المرأة من خلال الصحافة الملتزمة والمسؤولة أن تؤدي دورها كما ينبغي، وأن تكون لها كلمتها في الرأي العام وفي المشاركة السياسية وفي اتخاذ القرار.