syria.jpg
مساهمات القراء
قصص قصيرة
المسؤول والعلاقة بين الشمّاعة والعلّاقة - 9 -...بقلم : م فواز بدور

رن الهاتف في الغرفة (القاووش ) كما كنا نسميها والتي كنت أجلس فيها مع حشد كبير من الموظفين الفنين والإداريين الذي يجلسون بلا عمل وكانت هذه الغرفة معروفة لدى الجميع بأنها غرفة العاطلين عن العمل وكالعادة وكما في كل الاتصالات التي تأتي ردت الموظفة التي عينت نفسها بوظيفة عاملة المقسم للغرفة والتي لا تترك السماعة من يدها وتخترع الأسباب لاستخدام الهاتف فمرة تسأل عن وضع الراتب ومرة عن وضع المسابقة الجديدة ومرة تسأل كيف كيفية استخدام ميزات الخليوي وما معنى النجمة وما معنى المربع ومرة تسأل عن الفواتير ومرة عن الموازنة العامة ومرة عن قطع الحساب حتى أنها في إحدى المرات اتصلت بأحدهم لتسأله كيف يجب أن تسأل إن خطر على بالها سؤال كي تتعلم إدارة السؤال


المهم وبعد طول حديث بينها وبين المتصل على الطرف الأخر مع ما تخلله من استغراب وضحك وسؤال عن حال العائلة والأولاد والوضع العام والوضع الخاص وكيفية حل الأزمة فاجأتني بأن قالت الاتصال لك مظهرةً حماسة كبيرة وهي تقول إنه مدير مكتب السيد المدير وهو يريدك

 

أمسكت بالسماعة وجاءني الصوت متذمراً وقال كيف تسمحون لها بأن ترد على كل المكالمات فقلت عذراً منك ولكن لا تأتينا بالعادة اتصالات مهمة كاتصالك فقال شكراً لك ويبدو أن طاقة القدر قد فتحت لك فقد طلب مني السيد المدير أن أتصل بك ليدعوك على فنجان قهوة بعد اجتماعه الذي ينتهي عند الساعة الثانية عشر فأرجو ألا تتأخر لأن لديه موعد مع السيد المحافظ عند الساعة الواحدة فقلت مستغرباً سبحان الله كيف استطاع مديرنا الموقر إقناعه بأن يوكله بطاقة القدر حسناً سأرى في دفتر مواعيدي فضحك وقال أرجو أن يكون لديك وقت ولأنه لا يوجد لدي دفتر مواعيد فقد قلت له مباشرة أظن أن هذا الشهر ليس لدي مواعيد

 

فقال : حسناً اتفقنا إذن

فقلت : هل يوجد عندكم بصل أو أحضر بصلتي معي

 

ذهبت في الساعة الواحدة إلا خمس دقائق وانتظرت عدة دقائق وعندما رن الهاتف أبلغني مدير المكتب أن السيد المدير بانتظاري قرعت الباب ولما لم أسمع الرد فتحت الباب ودخلت وعندما رآني قام من وراء مكتبه بأدب متصنع وكشر عن ابتسامته المعروفة فألقيت التحية ومدّ يده  تلك اليد التي لطالما صافحت مرتشين وسارقين وفاسدين وقلة قليلة من الشرفاء فمددت يدي ولم أنسَ أن أعدّ أصابعي بعد أن صافحته وأن أنبه نفسي لضرورة تعقيم يدي بعد الانتهاء من هذا اللقاء الذي لن يقدم ولن يؤخر ولن يترك أثراً إلا على يدي هذه  

قام بعد ذلك بقرع الجرس وبحركة استعراضية قال للحاجب أحضر لنا فنجانين من القهوة وما عدى السيد الوزير والسيد المحافظ لا أريد لأحد أن يقطع جلستنا هذه وبدأ جلسته معاتباً بعدم زيارتي له وعدم مباركتي باستلام منصبه الجديد كمدير

 

فقلت : مبدياً نوعاً من اللباقة هو ضغط اللا عمل

- أعرف أنكم مظلومون أنتم خريجي المعهد الوطني للإدارة العامة ولكن ليس بيدي حيلة فيبدو أن هناك توجه عام لدى القيادة بعدم الاعتماد عليكم

_ فقلت مستغرباً : وكيف تكون لديك هذا الإحساس

- من عدم متابعتهم لفرزكم والأعمال التي تم تكليفكم بهاا

- ربما معك حق ولكن هذا التوجه لا يمنع مسؤول مثلك لو كانت لديه الرغبة من الاستفادة مما تعلمناه في المعهد بغض النظر عن تسليمنا أو عدم تسليمنا مناصب

- وكيف ذلك

- مثلاً إن الدراسة التي تقدمت بها عن الدائرة النموذجية هي محض خيال ولا يمكن تطبيقها بالواقع

- لما

- إنك تريد متعهد مثالي وجهاز إشراف مثالي وإدارة مثالية وهذا غير موجود إلا في الحلم و الخيال

- نعم هذا ما تريد الدراسة الوصول إليه مع الزمن ولكنها توضح الآلية للوصول إلى ذلك وهل تم تجريبها و تقييم نتائجها وانعكاسها على المتعهد والإشراف والإدارة

 

- مشكلتك هذه ليست معي بل هي مع رئيسك المباشر ورئيسه  فهم لا يريدون تطبيقها وكل ما أقوم به هو أن أوافق على مقترحاتهم بهذا الخصوص ومن غير أي توجيه من قبلي واستطرد قائلاً لقد اطلعت على الدراسة ولم أر أية ضرورة لتطبيقها وحتى أنني أكره الكمبيوتر وأعتبر أنه من أسباب تدني المستوى العقلي للموظفين وتحويلهم إلى مجرد آلات فقلت مبتسماً هكذا كان يقول best regard";

- أليس كذلك ومن هذا البست ريكارد

- ليس مهماً

- هل لك أن تفسر لي ما الذي تستطيع الدائرة النموذجية فعله عندما يكون المتعهد والإشراف والإدارة متفقين على عدم التنفيذ الجيد

- ما أفعله الآن

- وماذا تفعل

-  أتقاتل مع المتعهد والإشراف والإدارة

-  فهل وصلت إلى نتيجة

- حتى الآن لا

- ولن تصل

- ربما ولكن لن أتوقف عن ذلك

 

- هذه هي المرة الأولى التي سأصارحك فيها ليس خوفاً منك ولكنني مللت من هذا الوضع كل شهر شكوى وكتاب وأنا أعلم أنهم بلا نتيجة ولكني أريد أن أريح رأسي فتعالى نتكلم من الآخر كما يقولون ما الذي تعرفه عني أو ما الذي تظن أنك تمسكني به ؟

- بصراحة

- بمنتهى الصراحة

-عندما كنت رئيسا لمكتب الإشراف  كنت تقبض من المتعهد للسماح له بعدم إدخال الآليات لبعض الشوارع بحجة أنها ضيقة فلا يقوم بتعبيدها وتزفيتها

- ولو فرضنا أن ذلك صحيحاً فما الذي يضركم من ذلك وما الفرق بين أي شارع قام بتعبيده وأي شارع لم يقم  

- فماذا لو كانت تلك الشوارع هي ذاتها التي قامت العصابات المسلحة باستخدامها كمداخل ومخارج للأنفاق التي قامت بحفرها ولو دخلت الآليات لانكشف مخططها منذ تلك الأيام

فضحك وقال : خيال في خيال و ماذا بعد

 

- عندما صرت مديراً صرت تبحث عن أسوء الموظفين والمعروفين بفسادهم لتعينهم بالمواقع المهمة لكي يرتشوا لك

فعلت قهقهته وقال : وماذا أيضاً

- وأنك تدعم العناصر الفاسدة وتدافع عنهم في مخالفاتهم وسرقاتهم سواء أكانوا بالإشراف أو باللجان

فكاد أن يرتمي على ظهره من كثرة الضحك وقال : وقد نزلت الدموع من عينيه وماذا فعلت أنت

- ما اعتدت فعله وهو ألا أنفذ إلا بالشكل الصحيح مهما كانت الضغوط وألا أسمح بأية مخالفة أستطيع أن أوقفها سواء أكنت بالإشراف أو بلجان الاستلام وأن أتقدم بشكوى عن كل حالة من الحالات المخالفة التي صادفتها

- فهل وصلت إلى أية نتيجة هل تمت محاسبة أي من رؤسائك السابقين أو أي مدير تقدمت بشكوى ضده

- للأسف لا

-  بل قل للأسف تمت معاقبتي وترقيتهم فهل تريد أن تفهم لماذا ؟

- لا يعنيني فأنا أقوم بما يمليه عليه واجبي وضميري

- ومع ذلك سأشرح لك وبنفس المفاهيم التي صرعتنا بها ألا وهي العلّاقة والشمّاعة

- العلّاقة والشمّاعة . . . كيف ؟

 

- انظر إلى هذه الشمّاعة كم وجهاً لها

- أربعة أوجه

- وكم وجهاً تستطيع أن ترى من أي موقع

- وجهين على الأكثر

- بهذه الشمّاعة قمنا بتحويلك من مدافع عن الحقيقة والمصلحة العامة إلى مدعٍ وراغب بالمناصب واعتلاء الكراسي

- لا يمكن فالكل يعرف أن من يريد المناصب لا يستخدم هذا الأسلوب وأنت أكثر الناس تعرف أن الحالة الوحيدة التي أقبل بها منصباً هي حالة مشروطة بتنفيذ الدراسة التي تقدمت بها على أن تكون لمدة محددة ويتم بعدها تقييم الدراسة ونتائجها

- ليس مهماً ما أعرفه ولا ما تعرفه فقد قمنا بوضع كل ما تقوله وما تكتبه على العلّاقة المناسبة مظهرين دعمنا له ومدعين حرصنا على تنفيذه وفي اللحظة المناسبة قمنا بتدوير الشمّاعة فلم يعد يظهر إلا ما وضعناه على العلّاقات الخلفية والتي لم تكن ظاهرة

- وكيف ذلك

 

- عندما كنت ترفع كتاباً بخصوص مخالفة ما كنا نطلب من الجهة التي يتم تحويل الكتاب إليها عدم الرد ونضع على العلّاقة في الجهة الأخرى أنك تقوم بعرقلة العمل وأن أي موضوع يتم تحويله لك سيتوقف ومع الزمن وتكرار الأمور يتم ترسيخ هذه الفكرة

- ولكنني لم أقم بتوقيف أي موضوع نظامي بل على العكس كنت حريصاً على أن أحسّن صورة الموظف  في نظر المتعهدين وأنه لا زال هناك أناس لا يرتشون ولا يعرقلون العمل من أجل الرشوة وقد كنت شفافاً معهم في كل تصرفاتي فأدركوا أنني لا أريد إلا التنفيذ الصحيح وتطبيق الشروط والمواصفات الفنية

- أليس هناك مشروع لم تستلمه ومادة في مشروعك لم تنفذها

- ليس مهماً ما نعرف ويعرفون المهم أن نحسن استخدام الأوراق والعلّاقات والشمّاعة كما تتفهمن

 

- ولكنكم تعلمون أنني لم ولن أسكت وسأرفع أكثر من كتاب وشكوى

- وهذه أيضاً يمكن الاستفادة منها على العلّاقة المناسبة بأنك كثير الشكوى وأن غايتك ليست مصلحة العمل كما تدعي وإنما كي يتم تغيير رئيسك وتعينك بدلاً منه

- وماذا عن الرقابة التي سيتم تحويل الشكوى إليها وكيف ستوافقكم الرأي بوجود كل هذه الإثباتات معي

- لكل عقدة حلال ولكل قفل مفتاح فالرقابة أناس وليسوا ملائكة ولهم مصالح ورغبات ويمكن إرضائهم ليكتبوا ما نريد

- هل المعقول أن تتفقوا جميعاً وماذا عن المحافظ أو الوزير الذي ستصل له الشكوى

- في أسوء الحالات وفي حال عدم اقتناع أحدهم  بكل ادعاءاتنا سيتحمل احد العناصر الموضوع  وتنتهي القصة

- فماذا عن تطبيق دراستي وتنفيذ الدائرة النموذجية التي تقدمت بدراستهاا

- وماذا عن وقوفكم في وجه التطوير ,ماذا عن الواجب والضمير والوطن ؟

 

- لكل منهم علّاقته المناسبة  التي نظهره بها إلى أن يأتي الزمن المناسب لنقوم بتدوير الشمّاعة

- فقال لي وأنا أخرج لا تنسى أن تحدث شهرزاد بهذا الحديث فقد تحب هذا النوع من الحكايات

 

فبحثت عنها وحاولت أن أجدها ولكنها اختفت كأنها فضلت أن يُقطع رأسها أو أن تنام للأبد على أن تعترف بأن هناك حقيقة  مرة قد تجاوزت كل حدود خيالهاا

 


 
2012-11-26
التعليقات