سألني من تكوني ..أنا التي ذقتُ الغربةَ مرتين ..مرةً في وطني ومرةً أبحثُ عن وطني ..غربتي الأولى بدأت معَ أزمةِ بلادي ..عندها لم أعد أعرف إخوتي .. منشغلين في القتل أو في تشييع من قُتِل ..لم أعد أعرف أزقتَها الغارقة بالدماء ..حتى ذكرياتي المكلَلة ببياض الياسمين مسحت قسراً باللون الأحمر
قال: إذاً كيف حالُك أيتُها المسافرة؟
ـ أجبت.. أصبت.. فعلاً "مسافرة" ..لكن ليس عن وطني بل عن قلبي لأن الأخير لازال في وطنٍ ينزف معَ دماءِ أبنائه .
سافرت الى بلاد لا تشبِهُني ولا أشبِهُهَا ..برودتها لا تناسبُ حرارتي المستمدة من شمسِ سوريتي ..وللاستمرار في العيش اكتفيتُ بالبحث عن أشخاص يشتركون معي بالجنسية ..فوجدتُهم يأخذونَ من بلادِ العجمِ أكثرَ ما يعطونَ لها ..تحتَ عنوانِ الحضارة شرعوا لأنفُسِهم كلَ شيء .فوجدتُ نفسي أكثرَ رجولةٍ من رجالِهم وأكثرَ أنوثةٍ من نسائهم .
سألني: أهذه أحجية أم وصفٌ للذات فيه نوعُ من الكبرياء
أجبته: يعيشون في هذه البلاد أزمةَ هُوية ..سهولةُ الحياة لم تعلم صبيتَهم الرجولة ..أما شظفُ العيشِ الذي يكرهُهُ من في وطني جعل من بنات بلادي أكثرَ مسؤولية من رجالهم ..أما نساؤهم فلم تعرف من الأنوثة سوى مساحيق التجميل .
ختمت حديثي معه قائلةً : صدقت ما ذكرتُه ليس نوعاً من الكبرياء إنما الكبرياءُ بعينه..ولِمَ لا فأنا فتاةٌ سورية المنشأ
خاطرة رائعة وكأنها خرجت من القلب بعفوية وانسجام . نعم نحن بتنا نعاني من الغربة مرتين وثلاثة وأربعة . حتى أننا بتنا غرباء على أنفسنا . شكرا للنبض الوطني الصادق وللمشاعر النبيلة
صدقتي و لم لا فانت من دمشق او من دولة عاصمتها دمشق...
كلام جميل جدا جدا يلخص غربة سنين , بكل ما فيها من حلوها و مرها .. يسلم تمك ... بس رح ترجع سورياوكل مدنها اقوى من قبل واقوى من كل دول العالم ..