كم كنت استهجن هذه العبارة التي كانت توضع بأحرف نافرة في نهاية بطاقات الأفراح والتي فيها اسلوب موارب يطلب فيه مرسلوا الدعوات من الأهل عدم احضار الأولاد الى الأفراح مع ان الأفراح هي للأولاد قبل الكبار...والاولاد هم الزينة الحقيقية للأفراح.
كانوا صغار ويعجبهم كل شيء، كانوا يرمقون العروس وفستانها وورودها وسيارتها وعريسها بنظرات المحبة والسعادة، لم نكن نستطيع أن نرفض دعوة عرس واحدة، وكنا نمزق أي بطاقة عرس تم تذييلها بعبارة جنة الأولاد بيوتهم...وننسى أصحابها، أما اليوم فإن هذه العبارة قدسية، وأعتبرها مسلّمة وبديهية لا تحتاج للبرهان بل للتطبيق وبدون تردد، لأن الله هو الذي يمنح الحياة، وهو الذي يستردها، فنقول الله أعطى والله أخذ بشرط أن يكون ذلك في مسار الظروف الاعتيادية...أما أن يأتي ابن زانية يضع الغير في ثيابه رزمة نقود فيضع هو بدوره رزمة من المتفجرات في طريقنا أو في طريق أولادنا ويقرر فيها لحظة انتهاء وجودنا على سطح الأرض ليجعلنا تحت الأرض...فهذه مسألة تدعو لإعادة التفكير.
لا أعرف المراهنة ولم اعرفها من قبل ولا أحب القمار ولا الشراب ولا الدخان ولا ورق اللعب...ولكن كنت سأراهن على حياتي فيما لو طلب مني المراهنة...كنت سأراهن بأنه لن يحدث لسوريا ما حدث...ولكن للأسف فمصير أغلب المراهنات الخسارة...وها نحن نخسر سوريتنا بعد كل يوم ... جنة الأولاد بيوتهم... اتركوا الأولاد في البيت وبدون مدرسة فهؤلاء كزغب القطا وبدون حماية، واحترام وجودهم وحياتهم هو احترام للماضي وللحاضر وللمستقبل لأنهم بذور الخير التي يخبئها المزارع للموسم القادم وبدونهم تتوقف كل المواسم، وهذا يحتاج لقرار حازم...
ينخلع قلبي من مكانه عندما تقول لي صغيرتي: بابا انتم تقامرون على حياتنا وعندما أسألها من نحن تقول أنت وأمي وإدارة مدرستي...فأقول لها...لا يا بابا "الحامي الله" فتجيبني لو أن هناك حامي لما حدث كل هذا الموت في سوريا يا أبي...فأقول لها...لا تكفري يا حبيبتي فهذا كفر....ولكن وفي قرارة نفسي أقول:
مصيبة أن ينطق الولد بالحكمة وينطق الوالد بالهراء...الخطر يترصدهم في كل خطوة وعلى كل منعطف وفي كل مكان ونحن بعيدون وعاجزون عن حمايتهم بل وعاجزون عن حماية أنفسنا...فلنحميهم في بيوتهم على الأقل!...ألسنا نحن المدعوون لأخذ ذمام المبادرة بعد أن تخلى عنه وعنها وعنا الغير!!!
قال حِطَّانُ بنُ الْمُعَلَّى:
لَوْلاَ بُنيَّاتٌ كَزُغْبِ الْقَطَا * * * رُدِدْنَ مِنْ بَعْضٍ إلَى بَعْضِ
لَكانَ لِي مُضْطَرَبٌ وَاسِعٌ * * * فِي الأَرْضِ ذاتِ الطُّولِ وَالْعَرْضِ
وَإنما أوْلاَدُنَا بَيْنَنا * * * أكْبَادُنَا تَمْشِي عَلى الأرْضِ
لَوْ هَبَّتِ الرِّيحُ عَلى بَعْضِهِمْ * * * لاَمْتَنَعَتْ عَيْني مِنَ الْغَمضِ
يا رب ارحمنا وارحم أطفالنا وارحم ضعفنا وارحم سوريا أنت الرحمن الرحيم...انظر الى وجوهنا المتعبة المفلسة الحائرة الضائعة...وامنحنا الأمل الوحيد الباقي...امنحنا رحمتك.
بالسيارة أثناء الذهاب أو أن أكون وحدي بعد الاياب ,,, ففي القيادة وعندما تكون بجانبي أصبح شخصاً آخر أسعى في الاماكن المرشحة للإنفجارات لإجتيازها بأقصى سرعة ممكنة ولا يهمني إذا خالفت أو تجاوزت أو أرعنت أو قمت بكل تلك الاشياء البعيدة كل البعد عن طبيعتي ومبادئي في الحالات العادية . هكذا يا صديقي صنع منا أولاد الزانيات ومن يمولهم أناساً مجبرون على تغيير طبعهم وتطبّعهم . نعم نحن حائرون أمام أمرين .... نلعب بحياتهم كما تتهمنا بحق البراءة الطفولية لابنتك وابنتي أم أن
نادراً ما أعلق في هذه الزاوية وهذا خطأ فبعض المساهمات تجذب القارئ وتجبره على النطق بعد فترة من الصمت. أستوقفني في مساهمتك الجميلة عبارة ...إبن الزانية... نعم إبن الزانية هذا ومن يضع في جيبه رزمة النقود ( وهو الكلب الاوسخ منه ) يلقون مني كل صباح وظهيرة ألف شتيمة قبل وأثناء وبعد إيصال ابنتي لمدرستها . لايمكنك أن تتصور يا أخ آرا الحمل الذي ينزاح عن ظهري عندما تدخل ابنتي من باب مدرستها صباحاً وعندما تجتاز باب بيتنا عائدة إليه ظهراً . الفرق شاسع في أن تكون إبنتي معي
يدفعنا حبنا لهم ( ومن الحب ما قتل ) للمجازفة كي لا نضيّع عليهم فرصة كل ما تعطيهم إياه المدرسة من تعليم وحاجة التماس مع غيرهم من الاطفال من أجل التكوين الطبيعي لشخصيتهم ...كل ذلك يمزّق أحشاءنا كل يوم ...فتباً لكم يا أولاد الزانيات.