في فصل الشتاء يكون البرد اقسى بلا مطر لان المتعارف عليه ان الامطار تخفف وطأة البرد وقديما ولا زال لدى الفقراء كان الناس يشعلون موقد الحطب او مدفأة تعمل على الوقود باشكال مختلفه اما هذه الايام فهناك من لازال يستخدم الموقد والمدفأه العاديه وغيرهم لديهم تدفئه مركزيه حيث كل ارجاء البيت دافئه ولا داعي للموقد
الا ان البعض يستخدم الموقد كديكور او مواقد فخمه للتشبه بالشعوب الاخرى التي نحاول تقليدها في القشور وفي الزمن القديم كان يجلس فهيم مع زوجته نمره في بيت قديم ويشكلون دائره حول الموقد مع ابناءهما فهمان وبسمان وابنتهما نورا وشعر الاب بالعطش فطلب من زوجته نمره ان تحضر له كوب ماء من زير في الزاوية الاخرى من البيت الواسع البالغه مساحته 0مترا مربعا بدون تقسيمات ولكنها طلبت من فهمان تلبية طلب والده وهو بدوره تنازل عن الخدمه الى بسمان الذي نقل الطلب الى شقيقته نورا ابنة الخامسه والتي تكاد تلتصق بالموقد فكانت اجابتها لماذا لا تذهب يا ابي وتشرب بنفسك
اما ابو محمود المريض والبالغ السبعين سنه من العمر والذي لا يستطيع مغادرة الفراش الا بمساعدة ابنه محمود او ابنته فدوى لان زوجته سبقته الى القبر قبل خمسة سنوات وفي ليلة شتوية بارده وفي الساعة الواحده بعد منتصف الليل نادى ابو محمود على محمود عدة مرات وكرر المناداه على ابنته فدوى لكي يحضرا له شربة ماء ومن تحت غطاء الفراش الدافىء ينتظر كل واحد الاخر ان يلبي طلب الاب ولكن لاحياة لمن تنادي فقد قررا ان الامر غير ضروري ويستطيع الاب الانتظار الى الصباح وفي الصباح حاول محمود ومعه فدوى ايقاظ الاب ولكنه كان قد فارق الحياة وهو يطلب شربة ماء وترك محمود وفدوى لكي يبقى الموقف ملتصقا في اعماق وعيهم ان عدم التضحيه بترك الفراش الدافىء كان حاجزا بينهما وبين خدمة الاب الذي مات وهو عاجز عن الوصول لشرب الماء وتثاقل ابنه وابنته عن تلبية طلبه الاخير في الدنيا ومع الاسف ان من يحمي جسده من البرد لا يشعر بمن يعانون برد الليل القارص بلا سقف ولا فراش ومن اشبع جوعه لا يشعر بمن تتلوى امعاءهم من فراغها
والانسانية جوهرها هي الشعور بالاخر والانانيه هي الشعور بتلبية ما احتاجه لنفسي والطمع هو الاستيلاء على حقوق الاخرين لنفسي حتى لو لم اكن محتاجا اليه والعدوان هو الاعتداء لفظيا او جسديا على الاخرين دون وجه حق ولكن الشعور بالشبع والقوة الذي ينمى الشعور بالغرور والفوقيه اذا ما اقترن بالجهل او بالضمائر المريضه التي تعكس مشاعر بارده تشبه برود الاجساد الميته او برود المقابر التي يقشعر فيها جسد الانسان في شدة الحر ويشعر في ارضها ان سواد ليلها اكثر حلاكة من محيطها واشد اشكال البرد هو في القلوب الممتلئة بالحقد وترافقها ضمائر ميته لا يحركها أي شىء غير انساني في الوجود الامر الذي يشكل كارثة للانسانيه