غطى الثلج قلوبنا السوداء . . .
كأنه أراد ألا يُظهر قلوب كل السوريين إلّا بيضاء بنقائه. . .
فمنذ أن استيقظت وشعرت بلسعة البرد تجلد عظامي ونظرت من النافذة لأرى هذا الكساء الأبيض الجميل وأنا أفكر كيف سأقطع المسافة بين المكان الذي أركن فيه سيارتي والمكتب الذي أعمل به بعد أن تم منعنا من إدخال السيارات إلى حرم المديرية نتيجة الضرورات الأمنية من جهة وإثبات أن هناك فرق بين المسؤول الذي يسمح له بإدخال سيارته ونحن الفئة الأخرى من البشر أولئك الذين لا يحسب لهم أي حساب عند اتخاذ القرارات
وبعد طول تفكير وأنا أراقب هذا المنظر الرائع لسقوط الثلج الكثيف قلت في نفسي لما لا أطلب من عناصر الحاجز ببعض الإلحاح أن يسمحوا لي بإدخال سيارتي فأتقي هذا الثلج الكثيف من جهة وأظهر نفسي مسؤولاً من جهة أخرى وأجرّب لمرة واحدة على الأقل هذا الشعور بأني غير الآخرين ولا تحكمني القوانين التي تسري عليهم
وساعدت تلك البقعة السوداء في قلبي أفكاري الشريرة هذه فرحت أتخيل نفسي وأنا أنزل مزهواً وأغلق باب السيارة بخيلاء بعد أن أقوم بإيقافها بحركة استعراضية في أقرب نقطة من المدخل الرئيسي للمديرية كما رحت أتخيل ردود أفعال الموظفين الآخرين الذي سيقطعون كل تلك المسافة تحت الثلج لأنهم بشر عاديون وسيعلق الثلج على ملابسهم
وتدخل المياه إلى أحذيتهم ويمضون كل أوقات الدوام بتنشيف ملابسهم وما إن وصلت إلى الحاجز وبادلني الجندي التحية بابتسامته الدافئة رغم هذا البرد القارص وسألني إلى أين فقلت بعد أن تجمد الشر في حلقي وظهر على ملامحي الاستحياء
فقلت لقد تقدمت بطلب للموافقة لي على إدخال السيارة ولم يأتِ الرد من السيد المحافظ حتى الآن وأرجو أن تسمح لي في هذا اليوم الدخول بها نتيجة لهذه العاصفة الثلجية
فقال لي برجفة دافئة أرجو أن تعذرني فنحن لا نستطيع إلا تنفيذ الأوامر والأوامر التي لدينا هي منع دخول أي سيارة إلا بموافقة ونحن الجيش لا نتبع إلا الأوامر مهما كانت مشاعرنا وأحاسيسنا فبادلته ابتسامته الواثقة بابتسامتي العاجزة وقدت سيارتي إلى الوراء وعدت لأركن سيارتي في المكان المخصص للبشر الذين لم ينعم عليهم السيد المحافظ بشهادة مسؤول وموافقة بإدخال السيارة ونزلت وفتحت شمسيتي واستعنت على الله لقطع المسافة الطويلة إلى مبنى المديرية شاعراً ببعض السعادة لمشاركتي هؤلاء الجنود بعض هذه المعاناة ومستغرباً كيف يمكن لمواطن مهما أجبره الفساد ومهما كانت إغراءات الإرهاب وقوة تبعيته لتجار الدين أن يرفع سلاحاً بوجه هؤلاء الجنود وبينما أنا مستغرق في تفكيري تجاوزتني صبية تكد في سيرها
فقلت لها يمكنك أن تمشي معي تحت الشمسية فقالت لا شكراً ولاحظت نبرة الحزن في صوتها وانتبهت إلى ثيابها السوداء والاصرار في مشيتها
فقلت لها يمكنني إعطائها لك على أن تعيدها لي عندما نصل فمن المعيب أن تمشي بلا شمسية وأنا أحمل واحدة فرفضت أيضا بإصرار وحاولت جاهداً المحافظة على المسافة بيننا كما هي رغم تصميمها الواضح وحملي القاسي من السنين والهموم
فقلت لها ما الذي جاء بك في هذا الجو العاصف
فقالت زوجي شهيد ولدي ولدين صغيرين يجب علي أن أؤمن لهم لقمة العيش والدواء والتدفئة
فقلت لها فهل جئت لطلب معونة ؟
فقالت إن المعين هو الله وأنا لا أريد معونة من غيره ولكن قالوا لي أنه يحق لي وظيفة وقد صار لي أكثر من ثلاثة أشهر وأنا أتي ولم أصل إلى نتيجة حتى الآن فأحسست أن الحمل على كتفي قد تضاعف وبدأت المسافة بيننا تكبر وتزداد كلما تجاوزتنا سيارة مسؤول فاسد ونظر إلينا نظرة شامتة متعالية
ورحت أتسأل هل يمكن لمن يقول أبنائي المسلحين وتشمل رعايته أبنائه الفاسدين ألا يقول أبناء الموظفين وألّا يفكر بأبنائه المواطنين وبالكاد سمعت صوتها كأنه رجع صدى بعد أن تجاوزتني ربما بعمر آخر وهي ترد على ما أفكر فيه و تردد :غداً يذوب الثلج
. . . غداً يذوب الثلج
فعلا هذا الواقع لكن ان جئنا نحلل ونزيل الغطاء عن اعيننا نجد ان المسؤول هو ايضا فرد من الشعب وصدقني لو اي فرد منا اصبح مسؤولا لفعل ما فعله المسؤول تماما ونظر نظرةالشامت لاننا في مكوناتنا الاجتماعية ونفسيتنا تربينا على حب المظاهر وعلى الاستعلاء على من نراه دوننا منزلة حين تتأتى لنا الفرصة.كماايضا تقول تتمشى من المركن الى المبنى وكانه مسافة بعيدة.هنا في كندا اتنقل من محطة الباص الخاص بالجامعةلاني لااملك سيارة 10دقائق تحت الثلج الى مبنى مخبري بدرجة 18 تحت ال0 احيانا كثيرة. اتمنى لك التوفيق وشكرا
كتير تأثرت بالكتابة كتير . واحزنتني القصة الاخيرة لا حول ولا قوة الا بالله
شكراً لمرورك الرائع وأنا يا صديقتي عندما أكتب فلن يكون قصدي الهدم ولا بقصد التشفي إني لا أخاف عليك منهم يا وطني . . . إني أخاف عليك منّا إنني أكتب موجهاً نقدي لخلل أتمنى ألا يكون موجوداً لا بمسؤولينا ولا بنا كشعب يتوق إلى السمو واثبات سوريته التي ستنتصر